الجزء الثاني: بناء الحكاية وتقنيات السرد في قصة رصاصة فقد
1.2 حكاية القصة
تحكي قصة رصاصة فقد قصة موت أحمد برصاصة طائشة يوم تخرجه هو وصديقه يوسف من قسم العمارة بكلية الهندسة، الحدث يتم تذكره من قبل صديقه يوسف بعد سنوات.
أحمد شاب ربته أمه هو وأخته مريم يتيمين بعد موت والدهما. مات أحمد في يوم تخرجه، وهو نفس الأسبوع الذي كان سيتزوج فيه خطيبته مريم التي بذل جهدا كبيرا ليحصل على موافقة والدها. ترسم القصة محيطه العائلي وعلاقاته مع خطيبته مريم وأخته مريم وأمه وصديقه يوسف، كما يصور الراوي بشكل مميز مأساة موته مقتولا برصاص طائش في الشارع في نفس يوم تخرجه وفي أسبوع زواجه من مريم خطيبته.
2.2 الأزمة في قصة رصاصة فقد:
لا نجد في قصة (رصاصة فقد) أزمة اجتماعية كما في القصتين السابقتين للكاتبة، ولكن نجد أزمة عاشتها أسرة صغيرة محيطة بأحمد بعد قتله مغدورا، كما أن القصة ترسم بشكل غير مباشر طبيعة الأزمة التي تعيشها بلادنا.
نجد في قصة رصاصة فقد علاقات اجتماعية مميزة بين أحمد وصديقه يوسف، وبين أحمد وأمه، وبين أحمد وخطيبته مريم، وبينه وأخته مريم، وكان المحيط الاجتماعي المميز الذي بنيت عليه القصة أداة للبكاء على أحمد عندما تعرض للرصاصة التي أودت بحياته. لنتابع هنا المقطع التالي في بداية القصة حيث يتذكر يوسف يوم الحادث:
“يتململ في فراشه، لم يستطع النوم البتة، لم يعتاد المكان بعد أو رُبما لم يعتاد البلاد برُمّتها دون رفيقه. ينهض من على السرير وهو يتأفف، يزيح الستار على الجانب الأيمن ثم يفتح النافذة. يتكأ على قاعدتها. يتأمل اتِّساق القمر وهو في قلب السماء وكأنه المرة الأولى التي يراه فيها. أصوات حفيف الشجر والرياح تلفح وجهه.
يُخرج سيجارة من علبة سجائره. يقرَبها من ثغره. يشعلها من لهيب قلبه الذي يكاد يصل إلى هناك, أو ربما بلهيب قداحته. لم يكن يعرف من تسابق على إشعالها!. يشرد، تأخذه ذاكراته قبل سنوات، تستقر به في يوم تخرجه برفقة صديقه أحمد. كان أحمد الأخ الذي تبنّاه يوسف من دار الحياة،“.
ما تعرض له أحمد تمّ التعاطي معه عن طريق تلقي صديقه يوسف للحدث، لنتابع هنا بعد حدث إصابة أحمد بالرصاصة
“سُرعان ما ملأت الدماء السيارة، الياقة البيضاء باتت مشبعة باللون الأحمر، صرخ يوسف وهو يهز بجسد رفيقه, لا تمزح يا أحمد أرجوك, ليس هذا وقت المزاح. بدأ جبين يوسف ينضح عرقاً, لا إجابة من أحمد, وكأنه يجيبه بصمت, اليوم لا يوجد مكاناً للمُزاح يا صديقي.
يضغط يوسف على مكبح البنزين بقوة تفوق القوة التي كان يمزح بها قبل دقائق ويعود للوراء، يتجه لأقرب مشفى، يتسارع المسعفين لإسعاف أحمد فور وصوله، يدخل الطبيب مُسرعاً، يركض يوسف معهم, كان كل شيء في داخله يركض أيضاً, دقات قلبه, دمائه المتدفقة, تفكيره, كل شيء دون أي استثناء.”
ولغرض أن يكون الحدث أكثر تأثيرا كان الراوي يندمج مع يوسف وينطلق منه ليتصور وضع الأم وكيف يمكن ان يؤثر عليها موت أبنها.
3.2 بناء الحكاية في القصة
– أولا. الحدث المركزي في القصة:
الحدث المركزي في القصة تمثل في موت أحمد قتيلا برصاص طائش يوم تخرجه، وهو في يوم من أيام أسبوع زفافه. وقد مات برصاص طائش أطلقه مسلحون عابثون. من جانب أخر كان جزء أكبر من أحداث القصة يشتغل على رسم العلاقات بين الشخصيات وذلك لجعل الحدث السابق ضمن الحدود القصوى للأحداث.
خلف هذا الحدث مفردة مهمة وهي التي تدور عليها هذه القصة وهي لعنة السلاح والحروب وإبراز دررها الكبير في تدمير حياتنا والقضاء على أحلامنا. لتحقيق هذه الصورة الدرامية المميزة ولإيصال ها المعنى المميز دون الوقوع في المباشرة قام الراوي بتفعيل كل ما يمكن من عناصر لوضعنا في إطار مأساة حقيقية عاشها من حول أحمد المغدور بعد موته.
ثانيا. زمن القصة
بدأ الراوي القصة وهو يصور يوسف في زمن يلي يوم موت صديقه أحمد بسنوات، ذلك اليوم الذي كان من المفترض أن يتخرج فيه يوسف وأحمد من الجامعة، وهو قبل أيام من زواج أحمد من خطيبته مريم التي بذل جهدا كبيرا لكي يتمكن من الحصول على قبول والدها.
يبدأ الراوي القصة من الحاضر وهو زمن تال لزمن ذلك الحدث بسنوات ويعود إلى يوم الموت ذلك ثم في أخر القصة نعود مع يوسف للحاضر بعد سنوات من موت صديقه.
ثالثا. بناء الشخصيات في القصة
رسم الراوي في قصة (رصاصة فقد) الشخصيات والعلاقات بينها بشكل مميز، وكان للرسالة دورا مهما في وضعنا في إطار العلاقات بين الشخصيات، كما كان الراوي يبني العلاقة بينها ليضعنا في ألم اكبر بسبب موت أحمد المحبوب لوالدته وأخته وخطيبته وصديقه يوسف، لنتابع ذلك هنا.
1. أحمد واسرته، أمه وأخته مريم
أحمد شاب ربته أمه بعد موت أبيه منذ زمن طفولته، وهو يعيش مع أمه التي ربته يتيما هو وأخته مريم، ويرتبط بعلاقة مميزة مع أمه التي يكن له محبة عظيمة وكذلك اخته مريم التي يكن لها مودة وحب كبيرين، لنتابع المقطع التالي:
“إنها والدته, “جنته”, كما يقول أحمد وهو يحادث عنها مريم أو أحد أصدقائه ويفخر بها.
عندما يتعثر لسانه بالحديث عنها, يعانق الفخر كلماته, يشعر بأنه على سحابة السعادة كونها والدته, كيف لا!، لطالما تكبدت شقاء الطريق وحدها في تربيته رفقة شقيقته التي تكبره بسنتين.
امها “مريم”.. هي الأخرى، لطالما ردد كثيراً لخطيبته مريم وهو يقول: “ربما شباكك الأولى التي وقعت فيها هي اسمك”. عندما ناداكِ أحدهم ذات يوم في ساحة الجامعة”
علاقة أحمد بأمه تتضح أكثر من هذا المقطع قبل أن يفترقا نهائيا ذلك الصباح وهو متوجه إلى جامعته، نتابع ذلك من خلال المقطع السابق، بينما يوضح المقطع التالي حجم الحب الذي بينه وبين أمه التي تحملت الشدائد لتربيه هو وأخته:
“نهض أحمد من مكانه ليقبَل جبين جنته.
– خفت أن يفوتك الوقت, ستقطع مسافة لا بأس بها حتى تصل إلى منزل يوسف, ومن هناك إلى الجامعة”.. قالت والدته وهي تبحلق في عينيه بحنو, وكأنها تقول له أقترب أكثر, تحدث أكثر, لعلي أسجل لك حديثاً في ذاكرتي.
– سأصل يا جنتي بعون الله, سأصل, فقط أدعي لي”. قال أحمد”.
2. العلاقة بين أحمد وخطيبته مريم
تعرّف أحمد على مريم في الجامعة وأرتبط بها، وعندما وقع في الأسر بعد الحرب كان قد تلقى منها رسالة مكتوبة، ورد عليها برسالة مكتوبة. كان للرسالة دور مهم في رسم العلاقة بينهما أمام المروي له، فهي ليست منجزا ضمن حكاية القصة بقدر ما هي تقنية سردية توصلنا لطبيعة العلاقة دون الوقوع في المباشرة في السرد، و لعل ما فعلته الرسالة هو أنها عرفتنا بشكل مميز بالعلاقة بين أحمد وبين خطيبته، وللمزيد من تفعيل حجم تأثير موت احمد مغدورا فإن الراوي قد رسم تلك العلاقة بينه وخطيبته مريم بقدر عظيم من الطهر؛ حيث كانت مريم لعدة سنوات توقظه كل صباح ليصلي الصبح في المسجد.
3. علاقة احمد بصديقه يوسف:
نتابع شخصية أحمد من خلال صديقه يوسف، القصة قدمت من وعي صديقه يوسف بعد سنوات من موته، وكنا نتابع عبر العودة الزمنية العلاقة بينهما وطموحاتهما، لنتابع بداية القصة من وعي يوسف صديق احمد في لحظة زمنية بعد موته بفترة:
“(أ) الساعة تقف في مخيلته على ساعة الحزن إلاَ دقيقة صمتاً على روحٍ غائبة (ب) يتململ في فراشه، لم يستطع النوم البتة، لم يعتاد المكان بعد أو رُبما لم يعتاد البلاد برُمّتها دون رفيقه. ينهض من على السرير وهو يتأفف، يزيح الستار على الجانب الأيمن ثم يفتح النافذة. يتكأ على قاعدتها. يتأمل اتِّساق القمر وهو في قلب السماء وكأنه المرة الأولى التي يراه فيها. أصوات حفيف الشجر والرياح تلفح وجهه (ت) يُخرج سيجارة من علبة سجائره. يقرَبها من ثغره. يشعلها من لهيب قلبه الذي يكاد يصل إلى هناك, أو ربما بلهيب قداحته. لم يكن يعرف من تسابق على إشعالها!.(ث) يشرد، تأخذه ذاكراته قبل سنوات، تستقر به في يوم تخرجه برفقة صديقه أحمد….“.
في المقطع السابق تابعنا بداية القصة، حيث يتم تصوير يوسف وهو يعيش قلقا وألما، بينما في (ب) نتابع تململه في فراشه، ثم في (ت) إشعال السيجارة تمهيدا لإبراز القلق، ثم في (ث) نجد العودة الزمنية التي ترسم بداية يوم الأزمة الكبرى في حياة يوسف. تمّ توظيف الشخصيات في القصة لوضعنا في المزيد من الألم كما تمّ رسم البنية الأسرية المتوازنة من الأم والأخت والخطيبة مع الصديق لجعل ازمة فقد أحمد أكبر وأكثر شدة، لنتابع المقطع التالي حيث اصيب أحمد برصاصة طائشة:
“ (أ) لا يزال أحمد منهمك بين أوراقه. (ب) خرج يوسف بعد مرور ثلاثة دقائق تماماً وبيده كوبين من القهوة. زحمة سير كعادة بداية كل أسبوع، لم يتمكن يوسف من عبور الطريق مباشرة، (ت) وفجأة ودون سابق إنذار، يتعالى صوت الرصاص، كما تعالى النبض في قلب يوسف حينها, لتسقط بقايا الرصاص تحت أقدامه، أصاب الذعر قلبه، لم يعد يعرف هل يعود للوراء أو يتجه لسيارته وأحمد، (ت) يشتد الرصاص, يهتز المكان نتيجة المدفعيات الثقيلة، لتستقر أحد الرصاصات في رأس أحمد, يشتد الصوت أكثر؛ لينخر الرصاص قلب الأخير, (…) (ث)سُرعان ما ملأت الدماء السيارة، الياقة البيضاء باتت مشبعة باللون الأحمر، صرخ يوسف وهو يهز بجسد رفيقه”
تم رسم الصورة الدرامية لموت أحمد من خلال وضعنا في المشهد في (أ) و(ب) ثم نجد بداية الحدث والرصاص في (ت) وهو ما أدى إلى صابة أحمد برصاصة في الرأس وأخرى في القلب. نجد في (ث) صورة السيارة مليئة بالدم. الراوي يفعّل المزيد من التوتر الدرامي من خلال رسم ما حدث ليوسف وهو يحمل صديقه أحمد للمستشفى وانتظاره هناك، ثم موت أحمد في نهاية القصة.
4.2 تقنيات السرد في القصة
– أولا. تقنيات السرد في مدخل القصة:
يبدأ الراوي القصة بالتأطير حيث يضعنا في الزمن ليلا قبل الفجر، يوسف متوترا كعادته بعد موت صديقه، ولا يجد النوم لعينيه سبيلا، ويستخدم مع التأطير الاشتغال على الحواس من خلال توظيف حواس مناسبة لحالة الشخصية يوسف.
في المقطع التالي وهو المقطع الأول في القصة يحدد الراوي الزمن بكونه الثالثة ليلا، ويزيد من الفعل بتوظيف الاشتغال على الحواس مع التأطير كما سنتابع في المقطع التالي:
“(أ) إنها الثالثة بعد منتصف الليل، (ب) لا يسمع شيء عدا عقارب الساعة المعلقة على حائط في غرفته المظلمة، (ت) لم يعد يهمه الوقت. الثانية بعد الظهر هي ذاتها الثانية بعد منتصف الليل. (ث) الساعة تقف في مخيلته على ساعة الحزن إلاَ دقيقة صمتاً على روحٍ غائبة.
(ج) يتململ في فراشه، لم يستطع النوم البتة، لم يعتاد المكان بعد أو رُبما لم يعتاد البلاد برُمّتها دون رفيقه. (ح) ينهض من على السرير وهو يتأفف، يزيح الستار على الجانب الأيمن ثم يفتح النافذة. يتكأ على قاعدتها. (خ) يتأمل اتِّساق القمر وهو في قلب السماء وكأنه المرة الأولى التي يراه فيها. (د) أصوات حفيف الشجر والرياح تلفح وجهه.“
في (أ) المقطع الأول فيه تأطير، ثم في (ب) نفي سماع أي شيء عدا عقارب الساعة. الصورة السابقة فيها اشتغال على حاسة السمع، في (ت) الراوي يحدثنا عن شخصية يوسف ويعبر عن مشاعره بعد فقده لصديقه أحمد بسنوات. ويمضي الراوي وهو يصور لنا الحزن لكن داخل هذا الحزن نجد شيئا من حاسة السمع، وإن كان بشكل مجازي (من المجاز).
في (ج) يمضي الراوي في تصوير الشخصية خارجيا، ويناقش أسباب تململه في الفراش، ثم في (ح) يصور لنا الراوي فعل الشخصية ، وكل من المقطع (ج) و(ح) فيهما بعد تصويري سينمائي أو ما يمكن وصفه (صورة بصرية متحركة)، في (خ) يضع الراوي الشخصية في وضع رؤية ويصور لنا ما يراه من أتساق القمر في قلب السماء. القمر وصورتها تعكس ذلك الوجد والأمل الذي يعيشه يوسف متذكرا رفيقه الراحل، ثم نجد نهاية المقطع في (د) صورة سمعية لمسية؛ حيث نسمع اصوات حفيف الشجر وكذلك نشعر مع الشخصية بالرياح التي تلمس وجهه.
المقطع الثاني المكون من جزئين يقوم بالربط بين لحظة الحاضر حيث يوسف يعيش الآرق ويوم الحادث الذي مات فيه أحمد قبل سنوات:
الجزء الأول: (أ) يُخرج سيجارة من علبة سجائره. يقرَبها من ثغره. يشعلها من لهيب قلبه الذي يكاد يصل إلى هناك, أو ربما بلهيب قداحته. لم يكن يعرف من تسابق على إشعالها!. (ب) يشرد، تأخذه ذاكراته قبل سنوات، (ت) تستقر به في يوم تخرجه برفقة صديقه أحمد. (ث) كان أحمد الأخ الذي تبنّاه يوسف من دار الحياة، بعد تعب سنين. أخيراً اليوم أحمد ويوسف خريجين من قسم الهندسة المعمارية.
الجزء الثاني: (ج) نهض أحمد في فزع خوفاً من أن يُداهمه الوقت. أخذ هاتفه المحمول من تحت وسادته, (ح) لا تزال الخامسة صباحاً. مكالمة فائتة من خطيبته المنهمكة بالتجهيز لحفل زفافهم. (خ) إنه العاشر من الشهر الجاري. (د) لم يشعر أحمد برنين الهاتف الذي يعرف الغرض منه مُسبقاً. (ذ) اعتاد أحمد الاستيقاظ كل فجر على اتصال خطيبته؛ ليتجه للمسجد المقابل لمنزلهم“.
يصور الراوي سينمائيا ما يقوم به يوسف وهي أفعال تدل على الألم والتوتر، ثم نجد في (ب) بداية النقلة الزمنية للماضي، ثم في (ت) تحديد (تأطير) زمني بيوم محدد هو يوم تخرج يوسف ورفيقه أحمد، ثم في (ث) يعرفنا الراوي بأحمد باعتباره الصديق الوحيد الذي خرج به يوسف من الحياة، وهذا العنصر واحد من عناصر متعددة تشتغل لتجعل موت أحمد فاجعة رهيبة، بينما نتابع في الجزء الثاني في (ج) نقلة مباشرة إلى صباح يوم التخرج ذلك ونجدنا مع أحمد؛ حيث نتابع نهوضه السريع . يؤطر الراوي الحدث زمنيا في (ح) يضعنا في إطار حدث آخر يجعل من موت أحمد فاجعة كبرى، فهذا الأسبوع هو أسبوع تخرجه وأسبوع زواجه من مريم.
في (خ) تأطير زمني (تاريخي) من الراوي، بينما نتابع في (د) فعل متواتر أو حدث يقدم بصيغة التواتر؛ حيث تعود أحمد أن يقوم كل يوم على اتصال من خطيبته مريم توقظه للذهاب للصلاة في المسجد، وهذه إضافة أخرى جعل فاجعة موت أحمد أكبر حجما؛ فهو شاب ملتزم أخلاقيا يُقْتل في يوم تخرجه وفي أسبوع زواجه، ها الزواج سيكون من فتاة نقية توقظه للصلاة كل يوم.
ثانيا. تقنيات السرد في نهاية القصة:
يصور لنا الراوي وضع يوسف وقد أصيب صاحبه أحمد برصاصتين طائشتين، ينطلق به للمستشفى وهو في حالة غاية في التوتر. قام الراوي برفع التوتر الدرامي ورسم الحزن والألم والأمل عند يوسف وهو ينتظر صديقه، ثم صوّر لنا موت صديقه وصعوبة الأمر عليه:
“(أ) تكوم يوسف كطفلٍ صغيرٍ تائه، وصل أحد زملائه بعد قليل، دخل يوسف في حالة هستيرية. (ب) لا يوجد ألم أعظم من ألم الفقد، موت أقرباء قلوبنا يقتل الحياة فينا فور موتهم. (ت) رصاصة الفقد التي خلفها موت أحمد في قلب صديقه تُعادل الخمس وعشرون رصاصة التي تسببت في قتله. (ث) صرخ يوسف وهو يشتم الحرب والرصاص والساسة دون أن يبالي بأحد، (ج) حتى تكاد تجزم إذا ما رأيته بأنه في نوبة جنون، ولكنه في نوبة ألم, تكاد تجتاز الجنون أضعافاً.“
نحن أمام صورة سينمائية لوضع يوسف بعد تأكيد الطبيب موته. في (أ) صورة غاية في الألم لحالة يوسف الذي تكوم كطفل، ثم في (ب) الراوي يتأمل في مسألة الفقد التي يسببها موت الأحبة، وفي (ت) يناقش الراوي متأملا في كون موت أحمد رصاصة فقد لرفيقه الحي تعادل الخمس وعشرون رصاصة التي نالت صديقه. بينما في (ث) و(ج) تفعيل أكبر لحالة يوسف وما يشعر به وكل هذا يدخل في نسق بناء الأزمة التي قامت عليه هذه القصة وهي توظيف كل ما في النص لتحقيق أكبر قدر من السب لتلك الحالة من استخدام السلاح العشوائي، وذلك الموت المنتشر في مُدننا وقُرانا. لنتابع المقطع التالي في نهاية القصة:
“… وطأ خياله الفقيد وهو يكتب على الشاطئ: “متى سنقتل راء الحرب؟!”.“
5.2 خلاصة
القصة في مجملها تصور آثار استخدام السلاح عشوائيا وأضرار الحروب، قدمت تلك الرؤية في الحروب وسوء الحروب من خلال حكاية فيها شخصيات مترابطة أسريا وعاطفيا، حيث قام الراوي بتصوير حدث موت أحمد برصاصة طائشة في لحظة شديدة الخصوصية له ولأسرته وصديقه؛ وذلك لجعل حدث موته أكثر فعلا على متلقيه وليخرج الراوي بالنص من المباشرة التي قد تفتك بالنصوص التي تتناول قضايا كبرى مثل قضية هذه القصة.
القصة مميزة والكتابة طيبة وهي ذات قيمة فنية واخلاقية، تمكنت القاصة من خلال تفعيل كل الأدوات الممكنة من جعلها قصة حية، عبر رسم شخصية إنسانية فاضلة دون الوقوع في المباشرة في السرد، كما استطاعت من خلال عين الصديق يوسف المرافق لأحمد، أن ترسم التوتر والخوف والقلق، ثم البكاء عند موت أحمد بالرصاصة الطائشة.
وقد كانت مميزة أيضا في توظيفها لتقنيات السرد لصالح اللحظة الدرامية، فكانت توظف التأطير والاشتغال على الحواس باقتدار وكذلك كان لحضور التواتر زمنيا وغيرها من التقنيات دورا في تفعيل دراما السرد التي كانت مرتفعة أصلا بكم الحدث المميز وبحكم ترابط الشخصيات وتفاعلها لتحقيق الذروة للحدث المتمثلة في جعل موت أحمد مؤثرا أكبر ما يمكن ومن خلف هذا كله جعل قضية استخدام السلاح القتل في وضعها الطبيعي ككارثة مجتمعية وأزمة حقيقية تعيشها بلادنا.