تاريخ

عن سلطان التبو – دَرْدَيْ

قبائل التبو (الصورة: عن الشبكة)


تعتمد قبائل التبو في تحديد مرجعيتها الاجتماعية على تداول المشيخة (السلطنة) بين القبائل المعروفة، والشيخ أو السلطان (دَرْدَيْ dardai) الذي يؤول إليه التحكيم يصبح مرجعاً لجميع القبائل، وإليه تعود من أجل الفصل بين النزاعات والاستشارة، فهو من الناحية الواقعية أقرب إلى القاضي، إذ لا يمارس غير ما ذكرنا من سلطات، ما لم يتميّز بكاريزما شخصية تؤهّله لقيادة شيوخ وأعيان القبائل وتمنحه سلطةً تُقابل بالولاء من أبناء التبو، كالسلطان شهاي مثلاً، ولا يتمّ استبدال السلطان إلا بعد وفاته، بينما يتوافق الجميع عادةً على تسمية خلفه في وقت مبكّر، فإذا انتقلت السلطنة إلى قبيلة أخرى يصبح شيخها سلطاناً لجميع القبائل وهكذا.

وينحصر تداول المشيخة بين ثلاث عائلات من قبيلة تمارة، هي:

– لاي دُگا (أحفاد لاي).

– أَرْدِي دُگا (أحفاد أردي).

– أَرَمِي دُگا (أحفاد أَرَمِهْ).

وكان الأتراك العثمانيون قد سعوا للسيطرة على التبو باعتبارهم أوّل من يتوطّن جنوب فزّان التي كانت تحت سيطرتهم، كما أن انصياع قبائل التدا يفتح الطرق أمام قوافلهم لاختراق مجاهل إفريقيا، وحاولوا بادئ الأمر أن يعيّنوا مندوباً عنهم برتبة «قائمقام»، ولكن التبو رأوا فيه بديلاً عن شيخهم أو سلطانهم القبلي الذي جرت تقاليدهم على اختياره من بينهم، فرفضوا القبول بهذا الأمر، واقترح الأتراك في هذه الحالة أن يختار التدا بين القبول بشيخ من بينهم يكون معيّناً من حكومة الولاية في طرابلس، أو التدخل العسكري لإجبارهم على ذلك. ولم ينته التوتّر بين التبو والأتراك إلا بعد أن قام التدا بالانفتاح على الحركة السنوسية وأصبح معظم مرتفعات تبستي يدين لها بالولاء، فشكّلت لهم بذلك نوعاً من الغطاء الديني والحماية الضمنيّة.

وبعد موت السلطان شهاي (وهو من قبيلة تمارة من فرع التدا) واجه خلفه صالح توتراً مشابهاً مع الفرنسيين الذين كان يفضّلون تعيين الولاة من قبلهم وبمعرفتهم مباشرةً، ولكن إصرار التدا على اتباع تقاليدهم، بالإضافة إلى منعتِهم واحتمائهم الدائم بمرتفعات تبستي، من جهة، وعدم إثارة الدردَي لقلاقل كبرى في وجه الفرنسيين، من جهة أخرى، جعل هذا التوتّر ينتهي تدريجياً إلى رضوخ الفرنسيين والتغاضي عن اختيار التدا.

ويعتبر عداء التبو لكل سلطة مركزية (سواء في فزان أو طرابلس، أو في الجنوب) سمةً مميّزة لهم على الدوام، وهي جزء من تقاليد المنعة والاستقلال التي حافظوا عليها عبر التاريخ. وعلى سبيل المثال، فإن باشا طرابلس علي باشا بن محمد (حكم بين سنة 1754 وسنة 1793) حاول إخضاع التبو لسلطته لكنه فشل، فأرسل لهم سنة 1788 حملة تأديبية ألحقت بهم الهزيمة، ليعودوا إثرها إلى الاحتماء بمرتفعات تبستي ومناوأة الباشوية من جديد. ثم قام يوسف باشا القرمانلي (حكم بين سنة 1795 وسنة 1832) بإرسال حملة تأديبية كبيرة ضدّهم لاستئصال شأفتهم، ووصلت حملته إلى مرتفعات تبستي سنة 1805 إلا أن التبو ألحقوا بها هزيمة نكراء وقضوا على معظم جنودها.

مقالات ذات علاقة

الحدود الليبية التونسية

بدرالدين المختار

كان يناير يسمى عندنا “يِـنّـار”

بدرالدين المختار

«العرافة الليبية».. أسطورة في عالم الدين والفن

لينا العماري

تعليق واحد

اليوم الوطني للثقافة التباوية – طيوب 16 سبتمبر, 2020 at 07:01

[…] عن سلطان التبو – دَرْدَيْ […]

رد

اترك تعليق