حوارات طيوب عربية

نجلاء الرسول …أتوحّد مع الكلمات وأنسى اللون !

حاورها / مهنّد سليمان

نجلاء الرسول

انبثاق الألوان كالحلم من رأس غيمة يوحي أن نبوّة الكلم لازالت تفت في عضد الزمن لتكون النور والضياء،تُبشّر بما في الصدور تقوّض العاديّ في إيقاع الأيّام،إن اللون المسكوب على بياض اللون موتٌ نجا من موته…
ونجلاء الرسول رسّامة عرفت كيف تبوح وتهمس في أذن السماء وشاعرة أطالت شّعر القصيدة فتعثّر بها الصعاليك وأولئك اللذين لا مأوى لهم، فما أن يهتدوا إلى عناوين بيوتهم حتى ترتبك البوصلة بين أيديهم ثانيةً، إننا إزاء كل ذلك البخور حيث ينطلي علينا بذخه بمحض خشوع،
ما أن تقع عينك على لوحة حتى تشتد فرائصك وتنغمس روحك في أُتون ألوانها الغاوية، امتزاج مدهش يرتقي إليه بعض المبدعين بين الفرشاة والقلم والإزميل، الوقت يبدو قصيرًا والانجاز يسابق الزمن يلاحقه يمسكه من تلابيبه ويطبق على رأسه …الهروب طريق وعر يشقه المبدع وعلى جنباته يترك رائحة لحمه المحترق ونسيم روحه الذي يغمر الأفق، ونجلاء الرسول مبدعة تكتفي بألا تكتفي فهي ما أن دهنت الجدران بالأزرق والأحمر وانتهكت صمم الفراغ حتى امتشقت القلم والورقة وراحت تترجم أنين الأفق بمجاز مطلق وتعيد رسم الدائرة المفتوحة بأنامل تندى صدىً …حوارنا سيكون مع الفنانة التشكيلية والشاعرة السعودية نجلاء الرسول.

كيف تزاوجين بين ما تمليه اللوحة من خطوط وتعاريج وبين لغة القصيدة ؟
لم أدرس الفن كنت أحسه
هكذا أتفاعل مع الألوان مع الأروح والكون والكون الموازي الذي يؤدي دوره ويحجزني هناك .
أتغلب على مصاعب الحياة وأرسم وتغلبني الحياة فاكتب هذه الأضاد تجعلني أكثر مرحا .
عادة لا أزاوج ولا أخلط فالكلمات لها وزنها الثقيل في قاموسي أما اللون هو المرح الغائب الذي يسكن هناك في ضفة
لا يعرفها أحد.


للقصيدة صوت البحر وأنّةُ الأنثى الثكلي، هل ما لا تسكبينه بالألوان تُلقينه على صدر القصيدة ؟
الكلمات لها سياق جبار يؤثث لرؤيا ما , انفتاح المعنى على الضوء .
أما اتجاهات الفن هي اتجاهات سوريالية تخبرك عن حالة الفنان وهو ينشئ شخصيات متعددة ذاتية جدا حيث أراني بكل الشخصيات وبكل المشاعر والأفكار .
أحيانا أكمل حياتي بطعم متنوع وحالات تنسجم مع ذاتي التي تحب فكرة الولادة في الأشياء.
وأحيانا أتوحد مع الكلمات وأنسى اللون .
نعم أكتب عن الفن بكلماتي ككيان مستقل أصور المشهد بريشة الفنان وحين أرسم أتغير جذريا وتظهر شخصية أخرى أحبها وأحب صخبها.


خلال العقود الأخيرة شهدت الحركة الثقافية في السعودية انتعاشًا وتفاعلاً ملحوظًا، إذ برزت أقلام واعدة في مجال الرواية والقصة والشعر وكذلك الفن التشكيلي، ماهي رؤيتك للمشهد الإبداعي اليوم داخل السعودية ؟
المشهد في السعودية مشهد نامي ينقصه الكثير, الانفتاح الذي حصل أثر في اللون نوعا ما لكنه لم يخرج عن المألوف في أغلب أحيانه قلة قليلة مؤثرة تجريبين بقوة .
بالنسبة للأدب وأخص بذلك الشعر فأنا لا أقرأ إلا هو ولا أهتم إلا به ولا أبحث إلا عنه أراه في بلدي مازال مقولبا بقوالب كلاسيكية تحكمها الأعراف والفكر الايدلوجي بقوة .
قلة من تحاكي اللامتوقع وهي غير مستساغة بالغالب فلازال فكر الأغلبية متموضع حول القافية ولا يلتفت لأشكال الشعر المختلفة وأحيانا يتم الخلط بين الشعر واللا شعر .


في مجموعتك الشعرية الأولى(كان شيئًا يشبه الإيقاع)ارتفعتِ بأناكِ حتى حدود السماء، هل الأنا أداة ضرورية للمبدع كي يخاطب بها العالم ؟
الكاتب عادة يؤثر ويتأثر خاصة في بداياته والتي تكون دوما متواضعة ومع مرور الوقت وتعميق التجربة وما تحيكه المعرفة والتطلع يساعد كثيرا في الخروج إلى عوالم أخرى أكثر حرية .
كانت الأنا ضرورية وقتها في المجموعة بالنسبة لي والأن أفكر بالأخر, الشعر الكوني والإنساني.
عادة أخالط الأشعار التي أحبها انطلاقا من قصيدة النثر المكثفة والتي أقرأ لها دوما ريلكه ولوركا وسان جون بيريز ورامبو وبدلير وأيف بنفوا وغيرهم من شعراء الغرب فهذا اللون هو ما يناسب شخصيتي المتمردة والتي أربيها على الحرية .

واقعنا العربي وربما العالم صارت تطغى عليه مفردات المادة وتوحشّ الألة، هل تجدين بأن الفنون والآداب وسيلة تضمن للمبدع هروبًا لائقًا وبأقل الخسائر؟
الشاعر عادة متمرد مجنون خارج عن التقاليد ومناضل بحياته. ما يراه من بؤس العالم ينعكس عليه بقوة لذلك يكتب ليس رفاهية إنما واقع ملموس قد لا يصرح بموافقه لكنه يكتب بخبث ولؤم لا يشكل له المكان أو الزمان حاجزا ومن وجهة نظري وشخصيتي فأنا مسالمة جدا أتقبل الرأي والرأي الآخر أنشر رسائل المحبة والسلام والإنسانية لذلك لا أرى مستحيلا مع الحياة فالإيجابية أمر ضروري لنتطور لنعمل على ذاتنا ونحقق إنجازاتنا بهدوء.


الغواية جسر يسوق صاحبه نحو الخطيئة وبالخطيئة يمسك المرء بمفاتيح المعرفة، معرضك الفني الأخير في جدة حمل اسم (غواية) هل قادك الصراخ بالألوان لتبني الشعر ؟
الشعر والفن ليسا عملا أو دراسة او مشروعا إنما هما شهب سماوية لا دخل للشاعر أو الفنان بها فالشاعر يولد شاعرا والفنان يولد فنانا دوره هو صقل موهبته والعمل والبحث المتواصلين لتحقيق نشوته الدائمة .
معرض غواية كان وسيلة لي للتعبير عن جنون حر غواية العالم الآخر الذي انفصل به عن الواقع وأعيشه دفعة واحدة في تجربة امتدت سنوات طويلة فليس الهدف أن أرسم فقط إنما أعيش تجربة ما وحين تنتهي أعرضها مثلها مثل الشعر تجارب لا تتوقف فحين نظن بأننا وصلنا نكون انتهينا .

كلمة أخيرة…
كالرسول الذي لم يؤمن به أحد
لتكن كل ما تريد
بطل الرواية الذي ما طعن في المشهد الأول
لتكن اللون الداكن في الشجر
حين يمر الموت وهو يبحث عن الضحية
لتكن سوء الفهم دوما
وموجة الصداع في رأس قبرك
لتكن كل ما تريد
في فلمك الوثائقي الأخير
وليكون الموت أخف
إن لم يكن هناك من يشبهنا.


نجلاء الرسول، شاعرة وفنانة تشكيلية سعودية صدرت لها مجموعة شعرية بعنوان ( كان شيئا يشبه الإيقاع ) عام 2010.
شاركت بمعارض محلية ودولية وأقامت معرضها الشخصي الأول بجمعية الثقافة والفنون في مدينة جدة تحت عنوان ( غواية ) عام 2017.

مقالات ذات علاقة

الموت على أهداب الشمس

زياد جيوسي (فلسطين)

بين قوسين..!!

الفنانة التشكيلية خديجة الحطاب .. لوحاتي توّثق الأمل وثقافة حب الحياة

المشرف العام

اترك تعليق