يشرع موقع بلد الطيوب في نشر سلسلة (للتاريخ فقط) للشاعر “عبدالحميد بطاو“، والتي يروي فيها الكثير من الأحداث التاريخية والسياسية.
الحلقة: 30/ وقـفــة شــامــلة
كنت في منتصف أبريل من عام 1942م قد ولدت في حى (الجبيلة) بدرنة وهو من الأحياء الفقيرة بالمدينة وأناسه طيبون بيوتهم مفتوحة طول الوقت وقلوبهم أيضًا.
قضيت سنوات طفولتى الأولى متنقلين من بيت الى بيت حسب قدرة الوالد على الأيجار حيث سكنت بمعظم شوارعها ولعبت بساحاتهاا لترابية ومع أطفالها المشاكسين الشرسين تعلمنا حروف الأبجدية الأولى بالكتـّاب الذى فتحه (الفقيه على الزليطنى) بجامعها ثم بزاوية بن عيسى الملاصقة للجامع وسط الجبيله كما تعلمنا الأدب والخوف في حضرة عصاته و(فلقته)التي لا ترحم أحدًا والتي علمتنا الكثير مع كل جلدة من جلداتها.
لم أولد وبفمى (ملعقة من ذهب) كما يقولون، بل ولدت وأنــا أعانى حمـلا ارتعشت من ثقله اكتافي الطرية وكان سببًا في معاكسة الظروف لي مستقبلا، فما أن بلغت مرحلة الصبا الحادية عشر حتى تسلمت (قـفة كبيرة من سعف) كنت أقف بها على مدخل سوق الخضار بالبياصه الحمره بانتظار زبون من اغنياء درنة يحمـّلنى مايشتريه من خضار وفاكهة ويرسله معى لبيته مقابل(قرشين صاغ) كان لهذا المبلغ قوته الشرائية في أول الخمسينيات وكانت هناك ثقة بين الحمال وصاحب المال، كم ااشتغلت نادلا في مقاهى المدينة المعدودة ودخلت العمل بالدولة أواخر عام 1955م (كنت يومها أصغر عامل يعمل لدى الدولة)كنت أمسح الزيوت التي تسيل على جوانب (المواكين) التي تولد الكهرباء للمدينة.
أما عن الدراسة فقد كان ضغط الظروف أكبر من أن يسمح لي باستكمال (المرحلة الأعدادية) حيث تركت الدراسة وأنا في السنة الثالثة الإعدادي (لا يخجلنى هذا الآن)، تداخلت الكثير من المحطات في حياتى بفعل الظروف أو الصدف أو تدخل الآخرين وكنت أجد نفسي غالبًا وسط الحدث الذى كنت أحاول تحاشيه فأشعر بالحرج والارتباك، ولكننى الزم نفسي بأن أخرج منه بأقل خسارة ممكنة لى ولمن يشاركوننى حتى يكون خط الرجعـة مفتوحـًا في حالة حنينهم للرجوع ولما انتصرت على الكثير من مظالمى التي بليت بها وأردت الأنتقام من الظلمة رأيت يد والدى ترتعش في وجهى وهو يهمس لي بإيمان مطلق (لا تكافي.. لك مكافي) ومن حينها صرت غفورًا لكل من ارتكب سيئة في حقى ولم أعد أقف كثيرًا أمام أخطاء الآخرين معى كانت المرأة نقطة ضعفي (لاتسألونى كيف) ولذلك منّ الله على بثمان بنات (جميعهن متزوجات الآن).
نعم تعبت يشهدالله من ظلم الآخرين وكانت ضرباتهم تأتى دائمـًا حينما توشك أن تنعدل أمورى، ولكننى أرفض الانكسار وأبدأ من جديد لم أحمل في قلبى حقدًا ضد أحد مهما ظلمنى يشهد الله فقط كنت ارفض ودون مساومة أى شيء غير مقتنع به ولا أساير على حساب قناعاتى أو مبادئي التي اعتبرها من أولويات تحقيق كينونتى ونظرًا لتواؤمى مع نفسى بهذا الشكل فقد وقفت في بداية العام الماضي 2012م وتأملت شكلى وحالتي البدنية ورضيت عن نفسي تمامًا حتى أغرانى شيطان الشعر بكتابة نص نشرته على الفيس بوك أقول فيه وأنا أعرض صورة فوتوغرافية لي متباهيـًا أنظر في الصورة:
هـيــّا تـأمـّـل
هل هـذه صورة كهل في السبعين
هل تبصر شـيبـًافي الرأس
أو أى تـجـاعيـد في الوجـه
أو أيـة تشـويه
من تشويهات الزمن بهذا التكوين
هذا أنا ذا في السـبعين
نعم والله في السبعين
لكـنى عشت حياتى كمـا أبغـى
لم يقـهرنى ظـلم الناس
ولم يسـحقنى هـول الزمـن
ولم يخـدعنى الـزيف
لأركـض خـلف سـراب
أو أدخـل طابور المنتظرين
كنت قـنوعـًا
أرضـى بما قسـّمـه اللـه
وأضـحك من أحلام الطـّمـاعين
أغضب أحـيانـًا
لكنى لا أحمل حـقدًا في قلبى
لا ألزم نفسي بمسايرة الناس
وأرفض
ما لا يقنعنى في نفس الحين
ولهذا هاأنا ذا في السبعـين
لا يـوجد في رأسى شيب
لا تجاعيد في وجـهى
أضحك مـن أعمـاقى
وأفـضـفـض عن قـلبي
وأنام قـريرالعـين
ربما في هذه المقطوعة اختصرت عرض حياتى وسلاستى في معاملاتى اليومية مع الآخرين.
3 تعليقات
شكرا شاعرنا عبد الحميد..امتعتنا واحزنتنا…يوميات بها الكثير من التاريخ..مزيج من العبر والقصص والمواقف..تاريخ رجل لم يساوم ولم يضعف رغم كل الظروف ..اطال الله عمرك ومتعك بالصحة..
نشكرمرورك الكريم
.شكرا شاعرنا عبد الحميد..امتعتنا واحزنتنا…يوميات بها الكثير من التاريخ..مزيج من العبر والقصص والمواقف..تاريخ رجل لم يساوم ولم يضعف رغم كل الظروف ..اطال الله عمرك ومتعك بالصحة.