يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…
22
طال جلوسه في عتمة السقيفة.. لم يبال لرائحتها الرطبة.. يبدو انه مر وقت طويل على تهويتها لآخر مرة.. فكر في ما آل إليه أمره وانتهى اليه مصيره.. فقد كل شيء يحرص الإنسان على امتلاكه:
بيته.
زوجته.
سمعته.
حاضره.
غده.
ربما سمعته اخر شيء كان يهتم لفقده.. أما زوجته فيعلم أنها تشعر بسعادة غامرة بعد أن تخلصت منه بتسرعه وغبائه.. إنه على يقين أنها تشعر بشماتة كبيرة نحوه وبراحة اكبر.
عليه الآن أن يفكر في أمر كبير التجار وفضوله.. عليه ان يجد له تفسيرا مناسبا ومرضيا لذهابه للكهل الغامض.. لن يقنعه اي تفسير.. الفضول سبب ما آلت اليه حاله.. سمع شيخ الجامع الكبير ذات جمعة يذم الفضول ويصف صاحبه بأقذع الأوصاف.. دلل على ذلك بآيات واحاديث كثيرة.. مشكلته أنه لا يتذكر مواعظ الشيخ إلا بعد فوات الآوان.
طال تفكيره.. مر وقت طويل لا يعلم مداه. جلبة ما فوقه في تمانحت البيت أخرجته من سرحانه.. لابد أنها قطة تبحث عن فأر غافل.. سيخيب ظنها وتبوء بالخسران.. لن تجد في بيت يملكه كبير التجار سوى رائحة العطن.. ازدادت الجلبة.. بقعة من ضوء تتحرك في تمانحت البيت.. يرى ذلك بوضوح من شقوق غطاء فتحة التهوية المغلق .
ارتجف فزعا.. لم يسمع بقطط تتجول حاملة سراجا.. إلا اذا كانت قططا تنتمي لأمة الخفاء.. نز عرقا ناتج عن خوفه أن يكون البيت مسكونا.. وإن كبير التجار يقدمه لقمة سائغة سهلة جاهزة لأمة الخفاء.. انه بذلك كمن يهرب من النار ليقع في الجحيم.. ربما قدمه قربانا لصفقة.. كثيرة هي صفقات امم الخفاء وغريبة… لا اظن انها بحاجة لقربان اعرج على كل حال.
استبعد هذا الاحتمال.. لأنه كان على يقين أن أمة الخفاء أذكى من ان تتخذ من بيت كبير التجار مرتعا للهوها وعبثها.. لا يروقها ذلك ولا يناسبها.. فللتجار – خاصة الأكثر ثراءا – حيلهم وأساليبهم الغريبة والمتقنة لحماية ممتلكاتهم من عبثهم.. ما استغربه أكثر هو سكونه وبقاؤه جالسا دون الإتيان بأي رد فعل لما يحدث فوقه.. حتى الهرب عجز عن التفكير فيه.
سمع نحنحة من حامل الضوء.. ما يعلمه عن أمة الخفاء يجعله يشعر بشيء من الراحة.. فلم يعتد منهم مثل هذا التصرف.. كما إنها نحنحة يعرف صاحبها.. شعر بحامل السراج يقف عند أول درجة في اعلى السلم..
نزل درجة..
بانت له بعض معالم حامل السراج.. انه اخر شخص يتوقع رؤيته.