إيمان معبد
آلهة الحرب “بارثينوس أثينا” و التي تعنى – العذراء – منحوتة العاج و الذهب، هذه القطعة الشامخة المُهيبة في وقفتها و الدقيقة في تفاصيلها، تتدلى خصلات شعرها على يدها اليسرى التي تحمل بها درعاً منيعاً و باليُمنى الممدودة تحمل تمثال “نايك”، تثني ركبتها اليُسرى وتميل بوزنها نحو ساقها الأيمن و تبدو فاتنة و هي تلتحف لباسها الأنيق.
و مع كل ما يملك اليوناني “فيدياس” من إحساس الفنان، إلا أنه حمل الإزميل والمطرقة بين يديه وانهال على العاج بالطرق، طرقة تلو أخرى حتى تجلت المنحوتة بكامل روعتها.
فالألم الواقع قد يخلق جمالاً في الواقع!! كما فعل فيدياس ببارثينوس الجميلة.
ثمّة كائن مبهر آخر، ينشأ بمسقط رأسي يُسمى “زهرة الرمال”، تنمو في جوف الصحراء، تتحدى المناخ القاسي، وتقف أمام تغيراته ببسالة، لتصبح في النهاية تحفة أخّاذة الجمال.
تجتمع حبّات الرمال الناعمة فوق بعضها البعض مكوّنة أشكالاً بلّورية مختلفة الأحجام، وتستمر في النمو طالما لم يتم نزعها من أحشاء الأرض، أما إذا انتزعت من رحم أمها فذلك لا يضيرها لأنها تعيش خارجه صلبة إلى الأبد.
ومجدداً بمسقط رأسي ولدت فتاة تدعى “المُحاربة”، تجدها تحمل حزمة الحطب فوق رأسها فجراً، ثم تحمي التنّور صباحاً، وترمي الرغيف تلو الآخر بكلتا يديها القويتين.
تُطعم الأولاد وتُخيط الثياب وتعمل طول اليوم بالتجارة هُنا وهُناك، حتى يأتي المساء فتفرق شعرها ضفيرتين وترتدي رداءها الملّون مكحلةً عينيها الثاقبتين. تلُوكُ السِواك بأنوثةٍ طاغية، لا تستسلم أبداً لظروف المكان ونكسات الزمان، ولا ينحني ظهرها إلا إذا أرادت أن تسقي نخلة، ولا يُكسر عودها إلا إذا صعدت عبرها الأمجاد.
ومهما تعددت الصور واختلفت المصاعب فإن سُنة الألم في الحياة واحدة، تجده مشابهاً للأمل في حروفه معاكساً له في معناه، مع مرور العمر وتخطي الصدمات نجد أن الألم خلق منّا أيقونة رائعة، وكما قالت الطبيبة إليزابيث كوبلر: الأشخاص الجميلون لا يأتون من لا شيء.