قصة

مناشير الموت…

الإهداء..
إلى إبني “فراس”،
عساه حين يكبر، ينسج حكايته كيفما تراءت له..

من أعمال التشكيلية والمصورة أماني محمد
من أعمال التشكيلية والمصورة أماني محمد

اصطحبت إبني في ذلك اليوم، إلى أحد المحال التجارية لابتياع بعض الحاجيات الضرورية، ومنها قناديل الإضاءة، قبل أن يطبق الظالم أجنحته على القرية في تلك الأثناء، كانت طائرة معادية، تشق السماء باتجاه الغرب غازلت الشمس جناحها، وهي تنحرف شمالا.. وغابت عن الأنظار عبر الأفق الازرق.. فجأة جاء ذلك الصوت الرهيب.. كان لقنابل اعتاد العدو أطلاقها لبث الرعب، وإثارة هلع، وخوف الناس تلاه ما يشبه انفجار مفرقعات الألعاب النارية، وتطايرت أوراقا هائلة مضمخة برسومات ومناشير للعدو تارة تحذر، تنذر، وتتوعد وأخرى وفي مكر ودهاء خبيثين ترسل إشارات لطمأنة الأهالي زاعمة أنها أتت لأجلهم، لتحريرهم من الطغيان!! انتشر الأطفال.. والكبار في ساحة الحي متزاحمين، متدافعين، يلتقطون مناشير الموت كان إبني يراقب المشهد في ذهول، احمر خده من شدة قيظ الشمس، التي صوبت أشعتها الحارقة إلى رؤوس الناس، المكتوية بفاجعة الحرب اللعينة.

صار يصيح: الطائرة يا أبي.

أجهش بالبكاء هدأت من روعه وأسرعت خطاي إلى البيت، كانت جيوش قلق أمي في انتظارنا، في حالة تأهب، خوفاً علينا تناولنا الغداء الذي أعدته أمي على كانون متهالك كسى لمعان الطنجرة التي صارت تندب حظها لندرة غاز الطهو بالسواد.. قدمت لنا أختي وعلى عجل جرعات ثلاث متتالية من الشاي.. سويعات قليلة، وأرخى الليل سدوله، مثقلاً بآهات ظالم حالك.. سريعا بدأ الطيران الحربي المغير يجوب السماء، لكن دون ضجيج إذ يبدو أنه اكتفى بطلعات مكثفة ترقب كل شيء، بدءً من فوانيس النجوم المعلقة في سماء البلدة وصولاً لأنفاس سكانها على إيقاع الترقب وانتظار المجهول، وما سيحمله من مفاجآت، ذاب الوقت فشرع الليل بحزم أمتعته للرحيل، ممتطيًا هروبه، من الشفق الأبيض، الذي نثر تباريح نوره رميت علبة سجائري، بعد أن نفثت سم آخر سيجارة في رئتي، وارتشفت رشفة من الشاي، وقمت أهيء نفسي للصلاة كانت أمي ماتزال جالسة على حصيرتها ترتل آيات بينات من الذكر الحكيم.

خريف 2011

مقالات ذات علاقة

في بيتنا

هدى القرقني

مِثل جُذُور الفِطْر

عبدالحكيم الطويل

ألواح يوهسبيريدس

محمد العنيزي

2 تعليقات

حسين بن قرين درمشاكي 18 يوليو, 2020 at 15:05

قصتي ((مناشير الموت)) من مجموعتي القصصية ((أنا وأبي)) ..شكرا لموقع بلد الطيوب الراقي.. وتحايا عطرة للأغرين الشاعرين المبدعين أ/رامز رمضان النويصري وأ/كريمة الفاسي على كرم وسخاء النشر..كل الود والإحترام

رد
المشرف العام 19 يوليو, 2020 at 06:58

نشكر مرورك ومتابعتك
ونقدر جدا كلماتك الداعمة

مودتي

رد

اترك تعليق