أسماء مصطفى
_أنا سعيد جدا.. هذه البدلة الرسمية تمنيتها منذ العيد الفائت ولم احصل عليها.
احتضن أمه وقبلها.. فاحت رائحتها عندما اقترب منها ياسمين وعنبر وروائح اخرى جميلة جعلته يتمنى الا تنتهي تلك القبلة المشتهاة.. لكن ارتعاشة شفتيها وارتجاف يديها أقلقه وشغل باله، وجعله يدقق في قسماتها عله يسبر غورها ويعرف ما تدس ورائها.. كان من الواضح أنها خائفة.. بدا وجهها في تلك اللحظة كلوحة متقنة لفنان ماهر اشتهر بنقش الذعر وتجسيده.
أعطته تلك البدلة بسرعة.. وذهبت وهي تتلفت ورائها لتتأكد أنه لم يرها أحد!!
أستيقظ من نومه وهو يحاول أن يتمسك ببقايا دفء تركه طيفها الراحل.. ونظر حوله ببطء ليتأكد اين هو؟؟ ورأى تلك الغرفة الباردة الأركان الجامدة الملامح… الخاوية سوى من رفاقه.. غمغم وهو مغمض نصف عينيه:
_ما أجملها!! كم مرت من ليالي وانا أعاتبها لأنها لم تسمح لي بتمييزها ولو بالرائحة فقط.
كان اصدقائه ينظرون له بدهشة، وكأنه مجنون يهذي، لكنه لم يأبه لهم ولم يحاول ان يفهمهم.. المهم أنه شعر انها هنا.. تحوم حوله وتشعر بما يشعر.. حتى شجيرات الغضب التي نمت في صدره وترعرعت سنوات في جسده الغض لم تفلح في حرق لهفته لرؤيتها ووشغفه بقربها.
سمع صوت المشرفة تطلب منهم الخروج الى المكان المعتاد لاستلام ملابس العيد التي أتى بها المتبرعين والجمعيات الخيرية..
– غدا عيد….
كان يكره طقوسه وذلك الحب والحنان الذي يحوطهم به المسؤولين لحين انتهاء التصوير وتلك الهدايا التي يمنعون من فتحها حتى يكمل الزوار توثيقهم لأداء الواجب.. كم تمنى أن يكون عيده مع أسرة.. أي أسرة حتى وإن لم تكن أسرته.. ليرى كيف يكون العيد الحقيقي بعيدا عن ذلك السجن الكبير.. ذهب باستسلام مع رفاقه رغم إنه مازال راغبا في النوم لعله يسترجع ذلك الحلم ويبقى معها وقتا اطول.
بمجرد دخولهم الى تلك الغرفة الواسعة المكدسة بالملابس الجديدة أخذ يبحث عن البدلة التي طالما تمناها وحلم بأمه تشتريها له.. إلا إنه لم يجد واحدة مقاسه وكان صديقه أوفر منه حظا.. بارك له دون أن يتمكن منه ذلك الأسى الذي استبد به العيد الماضي.. واكتفى ببدلة خفيفة لم يدقق في مواصفاتها لأنه كان يتعجل العودة الى غرفته ليستعيد كل تفاصيلها.. وجهها.. شعرها.. فرحه بالبدلة التي اشترتها والقبلة التي منحتها.. رائحتها التي تمناها طويلا.. آه من تلك الرائحة التي لن يستطيع ان يصفها لأحد.. سيلملم ما تبقى من شذاها ويحتفظ به في خزانة روحه زادا لطريق لا مؤنس فيه إلا الوحشة ولا دثار غير قرس الحرمان.
تلك الليلة لم يكرر عتابه لها لأنه تأكد أن ذلك الخوف الذي لمحه في عينيها أقوى من الحب.
2020/6/23