تصدر قريبا عن منشورات الجيدة، رواية “جامايكا” للروائي الليبي محمد الأًصفر. تبدأ الرواية من نهاية الستينيات وتغير نظام الحكم في ليبيا من مملكة إلى جمهورية وتغير النشيد الوطني والعلم، الأمر الذي لا يتقبله ولد في الصف الخامس الابتدائي فيمتنع عن ترداد النشيد الجمهوري بسبب تغير المقام الموسيقي الذي تعود عليه، وتتم معالجته في زاوية صوفية عبر تدريبه على آلات الإيقاع وينخرط في المدرسة في الفرقة الموسيقية كعازف على الدرامز.
يشهد الولد زيارة جمال عبدالناصر لمدينته بنغازي في أواخر عام 1969 ويعاصر مع والده بناء تمثال جمال عبدالناصر في بنغازي الذي يهدم بعد سقوط نظام الحكم في ثورات الربيع العربي.
تدور أحداث الرواية في بنغازي وفي حي شعبي اشتهر بالموسيقى والغناء اسمه حي المحيشي، كما هناك أحداث في الصين والتبت واميركا وجامايكا، ويوجد في الرواية حضور قوي لنجم الريغي بوب مارلي وأغنيته “الحرب” وكذلك لعازف الدرامز في فرقته كارلتون باريت، وتتناول الرواية أيضا الصراع الاميركي الليبي في الثمانينات وما نتج عنه من إسقاط طائرات لوكربي وأيضا طائرة ركاب ليبية، أيضا يوجد في الرواية شخصية كوميدية من بنغازي وقرد لعبة عايش الثورة الثقافية في الصين ومهندسته صنعته كي يعزف لحن بوب مارلي وأغنيته الحرب.
رواية مكتظة بالأحداث تقدم مدينة بنغازي وما بها من أحياء وفعاليات وما شهدته من أحداث متنوعة لتتواصل الأحداث في النهاية إلى ما بعد 2016 أو 2017 حيث تبدد حلم الثورة وسط الصراعات المحلية والخارجية.
ننشر هنا مقطعاً من رواية خصصه المؤلف لـ“المدن”…
يسألك أبوك من جديد عن اللحن الذي يعزفه القرد، اللحن الذي لا يتغير، هل له أغنية أصليّة، فتقول له نعم، إنه لحن من أجل السلام، هو لحن أغنية الحرب لبوب مارلي. وتحكي له بعض ما تعرفه عن الفنان بوب مارلي، فيهزهز رأسه موافقا ومستمتعا بالحديث فتضيف قائلا وأنت سعيد لتجاوبه وتحمسه لحديثك: يا باتي هو الشاب الأسمر الذي بشعره ضفائر كثيرة وعلى رأسه قبّعة صوف واسعة كالقصعة ولديه لحية ويدخن السجائر الغليظة ويرقص أثناء العزف على القيثار والغناء صحبة أفراد فرقته المرحين رغم تقاسيم الحزن المرتسمة دومًا على وجهه. يقول لك أبوك أعرف صوره على الأشرطة يغنّي بالإنكليزية، يعني هو أميركي تقريبا. تقول له ليس من أميركا الشمالية التي بها الولايات المتحدة الأميركية وكيندي ونيكسون وريغن ومحمد علي كلاي، هو من أميركا الوسطى وبالضبط من جزيرة جامايكا في البحر الكاريبي، جنوب كوبا وغرب جمهورية هايتي،وتضغط بإصبعك على موضع في خريطة العالم المعلّقة في غرفتك هنا بالضبط! يقول أبوك قلت غرب هايتي، هايتي! زمان أيام الملك سيدي إدريس كنا نسمع بها كثيرا في الراديو، فتقول له نعم هايتي تلك البلاد التي بفضلها بعد فضل الله نالت بلادنا الاستقلال، مندوبها في الأمم المتحدة السيد”إيميل سان لو” صوّت لصالح استقلال ليبيا، استقلال يصفه بعض مدرسينا بالمزيف. بصراحة نحن لا نصدق المدرسين إلا في موادّ الرياضيات والعلوم والزراعة حيث لا كذب ولا تدليس، بقية المواد غير العلمية يمكنهم أن يكذبوا لظروف معينة اختاروها هم أو فرضت عليهم ونحن الطلبة لا نمص أصابعنا نحن نفهم كل شيء، يعني نحن نصدق كتب المكتبات أكثر من كتب المدارس، فمثلا أنا قرأت كل المعلومات عن هايتي ودورها في استقلال ليبيا في مكتبة نادي الهلال، ما عرفته عن هايتي من كتب المكتبة لم يقله لنا المدرسون ولم نجده في الكتب المدرسية، وتفرجنا في مكتبة نادي الهلال أيضا على شريط سينمائي للموسيقار بوب مارلي وبه أغنية الحرب التي يعزف القرد لحنها كلما ضغطنا على زرّه، وعرفنا أن موسيقى الريغي التي عُرف بها بوب مارلي مزدهرة في كوبا وهايتي وجامايكا والدومنيكان وكل منطقة البحر الكاريبي. هل تعلم يا أبي أنّ القرد بعزفه لحن الحرب يعطينا دروسا في السلام؟ وهل تعلم أنّني أخذت لعبة القرد في عيد الأضحى الماضي إلى حديقة الحيوانات وشغلتها أمام قفص القرود؟ آه، لا أريد أن أصف لك سعادة القرود، لقد توقفت كلّها عن اللعب حين سمعت القرد ورأته يعزف وتجمهرت أمام القفص تنصت وترى القرد عن قرب وبعدها بدأت ترقص على اللحن ويعانق بعضها بعضا، ولم تخرج من بهجتها هذه إلا بعد أن نفدت البطاريات وتوقف القرد عن العزف.
أراد أبوك أن يخرج من الغرفة للصلاة فقلت له انتظر مازال لدي كلام، وواصلت قائلا عندما عرض نادي الهلال شريطا سينمائيا لروّاد مكتبته من اليافعين عن دولة هايتي تذكرت عيد استقلال ليبيا في 24 ديسمبر عام 1951 ووجدت ما تقوله السينما أصدق ممّا يدرسوننا إيّاه في كتب المدرسة، في السينما لا يوجد مدرسون، يوجد أناس نحبهم.
سيرة ذاتية:
محمد الأصفر كاتب ليبي من حي المحيشي الشعبي بمدينة بني غازي، بدأ الكتابة في نهاية تسعينيات القرن العشرين. عمل قبل ذلك معلم ابتدائي وإعدادي ولعب كرة القدم في نادي السواعد ثم تاجر شنطة حيث طاف عدة دول عربية وأوروبية وأسيوية، ولم يكن الهدف من التجارة الربح المادي إنما إشباع هواية السفر ورؤية العالم والتفاعل معه. بعدها انخرط في عالم الكتابة وأول نص طويل نشر له في جريدة رسمية هي “الجماهيرية” كان بتاريخ 18-7-1999 بعنوان: “من مذكرات شجرة“.
كتب في الصحافة الثقافية بمعظم المطبوعات الليبية وكذلك المطبوعات العربية والأجنبية.. صدرت له مجموعة روايات وقصص عن مؤسسة الانتشار العربي بيروت ودار الحوار سوريا ودار الحضارة العربية ودار ليبيا للنشر ودار الحسام مصر ودار الجيدة الأردن ودار أبييدي المملكة المتحدة ودار ميسكلياني تونس.
روايات:
المُداسة – تقودني نجمة – نواح الريق – سرة الكون – شرمولة – شكشوكة – يانا علي – عسل الناس – ملح – فرحة – وزارة الأحلام – بوق – علبة السعادة – تمر وقعمول – مذاق الريشة – جامايكا – وصية خيال.
مجموعات قصصية:
“حجر رشيد” عن مجلة المؤتمر الليبية، “حجر الزهر” عن مجلس الثقافة العام ليبيا. ترجمت بعض أعماله إلى الانجليزية والاسبانية والفرنسية
محل الإقامة الحالي – بون ألمانيا منذ أكتوبر 2015.
* نشر المقال بجريدة (المدن) الإلكترونية، الأربعاء 1 يوليو 2020