يستكمل الباحث والأكاديمي الأردني الدكتور أحمد زهير الرحاحلة مشروعه النقدي المتخصص في الأدب الرقمي، من خلال إنجاز الجزء الثاني من “نظرية الأدب الرقمي: الأدب الاصطناعي وقضايا الحساسية الإلكترونية”، بالتعاون مع دار فضاءات للنشر والتوزيع والتي صدر عنها أيضا الجزء الأول من الكتاب والذي حمل عنوان “نظرية الأدب الرقمي: ملامح التأسيس وآفاق التجريب”.
ويأتي الجزء الثاني من النظرية على نحو أكثر التفاتا وعناية بالتحولات الحقيقية نحو التكنولوجيا وتطبيقاتها المتجددة، ويحاول الكتاب التأسيس لوجه مختلف من العميلة الإبداعية الرقمية، على المستويين النظري والتطبيقي، ويعاين كذلك ما يسميه الحساسية الإلكترونية والتحولات المرافقة لها، على مستوى آليات البناء الإبداعي الرقمي، وتشكيلاته الأبرز، فإذا كان الجزء الأول يحاور الأدب الذي يقتحم عوالم التكنولوجيا، وينتفع من تطبيقاتها، فإن الجزء الثاني يعاين التكنولوجيا والتطبيقات الرقمية التي تسعى لاقتحام عوالم الأدب، وتحاكي المبدعين والأدباء في إنتاج نصوص تسعى لإرساء ملامحها الخاصة، والتأسيس لما يقترح الكتاب تسميه الصناعة الأدبية الإلكترونية، والأمر ذاته فيما يتصل بالاشتغال النقدي الأدبي، والتأسيس لحالة رقمية من النقد والتحليل الأدبي، تحاول فيه الآلة والبرمجيات أن تقوم مقام الناقد والمبدع على حد سواء.
يؤسس الباحث لهذا الجانب من نظرية الأدب الرقمي من خلال مدخل إلى مصطلح جديد يدخل فضاء هذا الاشتغال هو “الأدب الاصطناعي”، ويطرح جملة من الأسئلة التي تعاين أبرز التحولات التي يشهدها الأدب الرقمي، ويتلمس الحدود التي بلغها تمازج التكنولوجيا وتطبيقاتها مع الأدب عبر مفهوم الأدب الاصطناعي، ويعرض لأبرز القضايا المتصلة بهذه الحالة، ولأبرز معوقاتها وتحدياتها، ويجيب عن سؤال الجدوى والغاية منه، ويرصد السلبيات والمخاوف والهواجس المتعلقة به من قبل رافضي التمازج بين الأدب والتكنولوجيا.
يضح الباحث تعريفا لمصطلح “الأدب الاصطناعي” مفاده أنه: فرع من فروع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومجاله تلك الأنواع والأجناس الأدبية التي تقوم بإنتاجها الآلات الذكية والبرمجيات المستندة إلى ذكاء صناعي، وغايته إنتاج أعمال أدبية قائمة على المحاكاة والتقليد للسلوك الأدبي البشري، من خلال تحليل أشهر الأساليب الأدبية الإنسانية، وتخزينها، ومعالجتها، واسترجاعها آليا.
وتكتب د.زهور كرام في تقديمها للكتاب عن هذا المحور: إنه استعمالٌ قد يُربك الفهم لدى البعض، خاصة أولئك الذين يرفضون مفهوم “الأدب الرقمي”، ويعتبرونه صناعة تقنية، لا تمت بصلة إلى الموهبة والإبداع والإلهام والرمز. ولعلها أسئلة ذات شرعية، لأن الأمر لا يتعلق بمجرد تطبيق تكنولوجي، أو ممارسة تقنية محضة، أو لعب إلكتروني تصنعه البرمجيات، وتُحدد مداه، ولكن الأمر له علاقة بعناصر متداخلة ومتكاملة، تُبدع في صناعة الرمز المفتوح على التأويل. غير أن الباحث باستعماله لهذا المصطلح، يأخذ القارئ إلى منطقة جديدة من التفكير والتجريب والمغامرة في نوعية هذا الأدب الذي يتشكل على قاعدة مختلفة عن قاعدة الأدب المألوف
ويورد الكتاب مجموعة من الأمثلة والشواهد التطبيقية من الشعر والسرد والنقد الذي كان عماده توظيف الذكاء الاصطناعي، ثم يلتفت إلى معاينة حضور نظرية اللعب بين الأدب الورقي والأدب الرقمي، وتتبع التحولات التي شهدتها النظرية على مستوى الرؤيا والتشكيل، على نحو يرصد تأثيرات التطبيقات التكنولوجية والوسائط الرقمية في تطور الصلة بين الأدب والألعاب، من خلال نماذج مختارة، وتحليلات وافية، وانتهى إلى أن اشتراك الأدب الرقمي والألعاب الإلكترونية بالأدوات والوظائف قد أدى إلى تحقيق مستويات كبيرة من التفاعل والتواصل على المستويين النظري والإجرائي بينهما، مما أوجد أجناسا أدبية هجينة تجمع بين الأدب واللعب على مستوى النوع والخصائص، وهو ما يدلل على أن بعض الأنواع الأدبية قد دخلت طورا جديدا من أطوار التجريب بتأثير التطبيقات التكنولوجيا تحتاج إلى رصد نتائجها على الأدب.