شعرت لأول وهلة أن رأسي لم يكن على الوسادة هذا الصباح، بل إن جسمي لا يكاد يلامس الفراش، أظن بأني سابحة في الهواء، ممددة على اللا شيء،وعندما سرت نحو المرآة المشدودة إلى الجدار في غرفتي لم أشعر بصلابة الأرض، وطراوة الفراش، فأرجعت كل ما يحدث لي إلى عدم استفاقتي التامة من النوم، كان وقع ما رأيت علي شديدًا.. رأيت.. لا.. لم أرَ !.. نعم لم أرَ شيئًا مني في المرأة غير ملابسي، وبعض الحلى.. أين رأسي ويداي ؟!!.. أين جذعي وقدماي ؟ ! تحسست جسدي.. لم أشعر به, ولم أجدني.. ركضت إلى الباب.
– يا إلهي.. لو كنت لا أرى مني شيئًا فكيف سيراني الآخرون ؟!!
عدت إلى المرآة.. لا شيء مني. فقط هي حواسي الخمس موجودة.. ما جدواها بدوني.. لا أنا موجودة،ألم يقل ديكارت ” أنا أفكر إذا أنا موجود “؟ ! وتنفست بعض الصعداء.. وسرتُ نحو الباب.. ها هو سمير يدخل الحمام.. صرخت
– صباح الخير يا سمير..
إنه لا يسمعني.. ولا يراني، دلف إلى الداخل دونما إلتفاتة منه نحوي، إذن ماذا عسى أن أفعل، الكل لن يراني اليوم..
عدت إلى الغرفة فوجدت طارق يعبث بالحاسوب الخاص بي، لم يلتفت إلي، وأنا الواقفة بجواره.. قلت:
– أقفل الجهاز.. أعد الاسطوانة إلى مكانها،..
إنه لا يسمعني كذلك،.. ما هذا ؟!،إنه يتعامل مع الجهاز بمهارة العارف فائق الدربة.. متى أصبح كذلك وهو لا يفقه فيه شيء؟..صعقت عندما اكتشفت أن طارق يتناول الأفكار التي ترد إلى ذهني في تعامله مع الحاسب فلا أكاد أطرق الفكرة، إلا واجد أنامله تعمد إلى تطبيقها بشكلٍ فوري وسريع، قررت الهروب من محاولة إيجاد الحلول لكل ما يحدث لي، أسرعت إلى محل العم مصطفى، وبما أنه لن يشعر بوجودي فسأحاول الاستئناس بوجوده على الأقل، جلست على هواء الكرسي بجواره وقد تناول كوب الشاي بأصابعه المرتجفة، وأخذ يرشف منه.. هذا مستحيل لقد تذوقت طعم الشاي بالنعناع،..أجل بالنعناع وتزامن ذلك مع ارتشاف العم مصطفى للشاي..
– ما الذي يحدث لي؟!!
فررت من بعض التفسيرات المتواردة على ذهني, ورحت أصول وأجول في الشارع ممتطيًا الأفكار المجنونة المبعثرة في ذهني..، ثم انزويت في أحد المقاهي أنظر إلى الناس فخيل إليَّ أن كلَّ واحد منهم قد انفرد بشيءٍ مني،..، بل لقد تأكدت من ذلك حينما شعرت بتبعثري فيهم،.. فكيف السبيل إلى جمع شتاتي واسترجاع ما لي عندهم…؟!!
أطرقتُ أفكرُ في حلٍّ لهذه المشكل، وإذ بصحيفةٍ يوميةٍ لفتت انتباهي، ملقاةً على الطاولة، تركها صاحبها وقفاً خيرياً يتصدقُ به على روَّاد المقهى.. لا بأس سأقرأ الصفحة الأخيرة ما دمتُ لا أمتلك أصابعي الآن، إنها قصة قصيرة كُتبت داخل إطارٍ أسود.. بعنوان (حلول) للكاتبة حنان الهوني.