قصة

لعنة الطريق السريع

من أعمال التشكيلية نجلاء الشفتري
من أعمال التشكيلية نجلاء الشفتري

كان سعد يدخن الأرجيلة، ويشرب (طاسة شاهي مرة في مقهى الكيش) وفي الساحة التي بجانبه بعض الشباب يتسابقون في سياراتهم بحركة دائرية مع الضغط على الفرامل، وقريبا منهم اجتمع بعض المعلمين يناقشون اعتصامهم من أجل مطالبتهم بزيادة رواتبهم، بينما على جانب الطريق تمشي فتاة في ارتباك شديد وهي تحاول الابتعاد عن مشاكسات بعض الشباب الجالسين عند ناصية الشارع، وحينما كان يقرأ منشورات النساء في مجموعة حلوات بنغازي على صفحة الفيس بوك التي دخلها باسم مستعار، وقد كان يضع “لايك” تارة ويعلق تارة وهو يقهقه بصوت عال، سمع صديقيه الجالسين بقربه يقولان :

الطريق السريع التهم الناس مثل الحرب تماما

الطريق السريع مسحور

فقال وهو يتساءل:

كيف تحول شارع البط الذي كانت تتمايل فيه أجساد النساء السمينات جيئة وذهابا إلى طريق ذهاب لا رجعة فيه ؟

نظر إليه صديقاه وهو يحك خده بظفر خنصره الطويل، وقال أحدهما:

لا تشبع من النساء

فرد:

وهل هناك في الدنيا أجمل من النساء؟

يستلقي الطريق السريع على الدائري الثالث ليكوّن أحد عروق الحياة في بنغازي التي تتربع على البحر المتوسط في جلسة نصف دائرية كغمضة عين حالمة، هذا الطريق الذي يصل بين البحر والبحر صار أشبه بالدوامات البحرية.

كانت الفتاة تمشي بمحاذاة الطريق لأن الرصيف مغلق بسبب تكدس القمامة و بعض مواد البناء لأحد البيوت، دخلت إلى شارع فرعي حيث يقع بيتهم في آخره وزادت خطوتها بينما ازداد اضطراب قلبها، كانت تتلفت يمينا وشمالا في ارتباك شديد، انتبه إليها أخوها الذي كان يجلس في محل الهواتف القريب من بيتهم فركض نحوها وشتمها ، بينما ازداد ارتباكها وسرعة خطواتها، وحين وصلا إلى البيت شدها من “إشاربْها” حتى سقط ثم خلب أصابعه في شعرها وظل يركلها، ولم تستطع أمها مساعدتها أو فكاكها منه.

ذهبت هدى إلى رحلة جامعية آملة ألا ينتبه إليها إخوتها بعد أن وافقت أمها التي لا حول لها ولا قوة، لكن الصور على الفيس بوك انتشرت مثل انتشار النار في الهشيم، ظهرت هدى وهي تجلس في تجمع دائري ينتصفه شاب يعزف الجيتار، كما ظهرت في صورة أخرى وهي تضع إحدى أطباق الفطور على الطاولة، قالت لها أختها بعد دوامة الضرب التي تركت أثرها على أغلب جسدها:

من أين لك الجرأة بالذهاب؟

لا أملك شيئا أفقده

الجامعة يا غبية الجامعة

كانت هدى تتحسس الكدمات و تغالبها دموعها، وقالت:

قرار واحد أتخذه بنفسي.

أن تتخذ قرارا هو أن تتحمل مسؤوليته ولكن كيف يصبح للآخرين الحق في اتخاذ القرارات بدلا عنك، فبعض القرارات تشبه دخول الطريق السريع، حيث يصبح السائق تحت رحمة السرعة المتهورة، الاجتيازات غير المدروسة والوقوف المفاجئ غالبا للدخول إلى جوانب الطريق عبر منحدرات أسمنتية من صنع المواطنين.

حين كان سعد يبعث صورة فتاة ذات نهدين بارزين مستلقية على سرير ومرتدية فستانا بفتحة على أحد جانبيه ؛ إلى أحد الشباب واعدا إياه بلقاء حميمي قريب بينما كانت ضحكته تهتز في صدره مثل صوت فرامل السيارات عند الاختناقات المرورية في السريع، جلس بقربه أخوه ليخبره عما فعلته هدى .

كانت الشمس في موعدها مع البحر فتوردت خجلا في إضاءة حمراء بهية ، ومدت أطرافها لتتشابك مع بنغازي ولعبتا “فتّحي يا وردة سكّري يا وردة” بعض الفتيات كنّ يلعبن في حلقات من هنا كيس مليان دبابيس .. من هنا شعري نازل على ظهري، مازال الشباب يدورون بسياراتهم، مازالت أسئلة الناس تدور حول لعنة الطريق السريع، تأخر السيولة، إضراب المعلمين، السلع المضروبة والمطعم الذي يبيع لحم الحمير.

دفع سعد الحساب وخرج غاضبا بينما الشاب الذي وعده باللقاء ظلّ يبعث صورا له في أوضاع شهوانية تتقافز على شاشة الهاتف دائرة تلو الأخرى، وبينما الصداع كان يتراءى في عيني هدى على هيئة دوائر إثر اهتزازها بشكل عنيف، مدت جسدها على السرير وتركت نفسها تنساب في غمضة عين حالمة.

مقالات ذات علاقة

تـجربة

الصادق النيهوم

جحا والخبز

محمد دربي

الـغـائـب

عبدالله هارون

اترك تعليق