حوارات

فرج الترهوني: أعتقد أنني قد اقتنعت بأن الوقت قد حان للاستقالة من هذه الهواية الماتعة

الطيوب | حاوره: رامز رمضان النويصري

المترجم فرج الترهوني
المترجم فرج الترهوني

لأهمية الترجمة في حياة الشعوب، نجد عجلة الترجمة في الدول المتقدمة تعمل بكامل قوتها، لتقدم ترجمات في جميع المجالات والمعارف والعلوم، هذه الدول تخصص البرامج والمنح وتساعد المؤسسات القائمة على الترجمة، لإيمانها بأن الترجمة تقدم للمجتمع تجربة جديدة، مهمة في التسريع من عجلة التطور.

في العام 2017، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن تخصص الـ30 من سبتمبر من كل عام ليكون يوماً عالمياً للترجمة، وعياً بأهمية هذا العمل.

بهذه المناسبة، التقت طيوب، المترجم الليبي “فرج الترهوني”، الذي قدم للمكتبة العربية والليبية عديد الترجمات، في حديث عن أهمية التجربة للمجتمعات الإنسانية وتقدم الأمم، وأسباب تعطل هذه العجلة في حركة المجتمع الليبي.

دعنا نعود للخلف قليلاً، لنتعرف إلى بدايتك مع الترجمة؟

أنا خريج الأكاديمية البحرية الملكية (بريطانيا) التي التحقت بها عام 1967، وهناك بدأت علاقتي الحميمة باللغة الأجنبية، وبعد تخرجي والتحاقي بالخدمة استهوتني عملية الترجمة والتعريب في تخصصي وهو الاتصالات، فقمت بترجمة وتعريب بعض الكتب المهنية، ومن هنا كانت البداية.

بعد استقالتي من الخدمة في نهاية القرن 20 وبحكم علاقتي الوثيقة والتفاعلية بالوسط الثقافي والأدبي في ليبيا، شرعتُ في ترجمة بعض النصوص والقصص القصيرة في ليبيا وخارجها لمنابر ثقافية مختلفة، وترجمت بانتظام لمجلة الثقافة العالمية التي تصدر في الكويت، فانفتحت شهيتي للترجمة وازداد تعلقي بها، ثم كان أن عثرت على نسخة مترجمة لرواية مائة عام من العزلة لمركيز، وكانت الترجمة سيئة للغاية، وعندها رأيت أن بإمكاني الولوج في مجال الترجمة الأدبية وتحقيق إنجازٍ ما!

مسألة الترجمة السيئة هذه، تقودنا لسؤال: عن الأمور الواجب توفرها في المترجم، خاصة الترجمات الإبداعية؟

ممّا لا شك فيه أن عمل المترجم يتطلّب مهارة ما، فامتلاكه لحصيلة لغوية جيدة، والتمتع بحسّ أدبي مقبول يمكّنه من اختيار مفرداته بدقة وعناية، كما أن امتلاكه لناصية اللغة في النص المُستهدف، لها كلها دور كبير في ظهور العمل بشكل لائق ونيل رضا القارئ، فلا يكاد يشعرُ أحيانًا أنه يُطالع عملاً مترجمًا من لغةٍ أخرى.. ومن هنا نتفقُ على ضرورة إتقان اللغتين وبالأخص اللغة الهدف، فبدون ذلك لن تستقيم الترجمة ولن يستطيع القائم بها توصيل فكرة ومضمون العمل الأصلي إلى المتلقي، ومن خلال تجربتي أرى أنه ليس بالضرورة أن يلمّ المترجم إلماما تامّا بلغة الأصل فيمكنه دائما الاستعانة بالقواميس الكثيرة التي نعتبرها أسلحة المترجمين التي لا غنىً عنها، بالإضافة إلى إمكانية الاستعانة بما توفّره التقانة الحديثة من إمكانات هائلة في هذا المجال. الأمر الثاني هو ضرورة سعة اطلاع المترجم على الآداب العالمية وثقافته العامة التي يجب أن تكون في مستوىً مناسب لإنجاز المهَمة بأكبر قدْرٍ ممكن من الأمانة والجودة.

بعض ترجمات الأستاذ فرج الترهوني
بعض ترجمات الأستاذ فرج الترهوني

سؤال: من يختار الكتاب المترجم، أنت أم الناشر؟

مسألة اختيار الكتاب المترجم معقدة بعض الشيء ولا تحكمها لوائح محددة، ففي الغالب، تقوم دور النشر باختيار الموضوع وتكلّف المترجم بالعمل، وقد يقترح المترجم على دار نشرٍ يتعامل معها ترجمة عمل ما يروق له ويوافق الناشر أو يرفض وفقا لمستوى العلاقة بينما، وفي معظم الأحيان فقيام المرء بترجمة عملٍ ما ومن ثمّ طرحه على سوق النشر تعدّ مخاطرة كبيرة قد لا تلقى قبولا، ومن ثم يضيع الجهد المبذول هباءً.

إذن فاختيار المترجم لعمل يروق له ويعكف على ترجمته بشغف هو ترفٌ لم يعد متاحا كما أنّ دوافع المترجم ورغباته وتفضيله للعمل لم تعد هي ما يحدد خياراته، بل هناك من يختارُ له الكتاب وهو الناشر الذي يشتري حقوق الترجمة، وهذا بالطبع عملٌ مؤسّسي يفوق إمكانات المترجم الذي يُصبح مرتبطًا بمن يكلفه بالترجمة، وليس له من خيارٍ سوى قبول العرض أو رفضه، وقد حالفني الحظ كثيرا في هذا الشأن، ونجحتُ في إقناع ناشرين متعددين بقبول نشر أعمال لي، باستثناء سبع ترجمات كُلّفتُ بالقيام بها هي بالترتيب، الحرب في زمن السلم لصالح الهيئة القومية للبحث العلمي، ورواية التحفة الفنية لصالح دار كلمة في أبو ظبي، ثم كتاب أهل الله، ورواية الشاطئ الرابع، ورواية المجنّد لصاح دار الفرجاني ومعهما كتابان سيخرجان إلى الوجود قريبا.

هذا يعني إن هناك علاقة بينك -كمترجم- وبين النص الذي تترجمه؛ كيف تصف هذه الرحلة؟

العلاقة بين المترجم والنصّ الذي يتعامل معه بسيطة ومركبة في آن واحد، فهي عند غالبية المترجمين، فيما أظن، لا تخرج عن تفهّم فكرة ومضمون النصّ المترجم والتعايش الكامل معه، وإحلال المترجِم نفسه، بطريقة ما، مكان صاحب النصّ والإلمام بالفكرة التي يريد توصيلها إلى المتلقي فيكون عونا له في ذلك بلغته التي يُتقنها…

ويتعيّنُ هنا أن يكون المترجم مقتنعا بجوانب مهمة في النصّ الأصلي مثل الموضوع والحبكة وأسلوب السرد للتعامل معه بموضوعية وسلاسة، وقد تخلّيتُ عن ترجمة عدة أعمال أدبية لم أستسغ فيها سلاسة الحبكة وفقا لمفاهيمي وشعرت بصعوبة نقلها إلى القارئ! وعندما أقوم بترجمة عملٍ ما، فإنه يستحوذ على جلِّ تفكيري، وأعايش حبكته وشخصياته وتطوراته في كل أوقاتي، ويظل مرافقا لي، مثيرا وممتعا أحيانا ومزعجا أحيانا أخرى! حتى أنتهي منه.  

من وجهة نظرك، ما هي أهمية الترجمة في حياة الشعوب؟

لولا عملية الترجمة ما انتقل العلم والمعرفة وانتشرا بين شعوب الأرض فالترجمة مثل سفينة خيرية تنقل المعارف الإنسانية من مكان ما إلى ضفافٍ أخرى لتستفيد منها الإنسانية، والفارق بيننا وبين العوالم الأخرى هو مقدارُ الاستفادة القصوى من هذه المعارف، فظروف المنطقة العربية وهبوط مستوى التعليم وارتباطنا بماضٍ سحيق فكرا وعملا يحدّ من استفادتنا من معارف الآخرين لأسباب عديدة.

إن الترجمة هي نقل للمعرفة بشتى أشكالها، وهي عنصر أساس في تلاقح الثقافات بين بني البشر، وأثبتت أهميتها في مسيرة الإنسانية على مرّ العصور.

بعض ترجمات الأستاذ فرج الترهوني
بعض ترجمات الأستاذ فرج الترهوني

بالاعتماد سؤالنا السابق، كيف تقيم تجربة الترجمة في ليبيا؟

لا تزال عملية الترجمة في ليبيا في مهدها، وبالرغم من محاولات الترجمة الخجولة التي يقوم بها البعض -وأنا منهم- فلا توجد حركة ترجمة حقيقية في ليبيا، ولا يمكن حتى الجرأة على مقارنتها بجيراننا العرب شرقا وغربا، فالبون شاسع والمقارنة ليست في صالحنا، ولذلك أسبابٌ عديدة أهمها تردّى الوضع الثقافي والأدبي والفني في البلاد لستة عقود الآن، بالإضافة إلى أسباب سياسية واجتماعية تضع قيودا على حركة النشر وحرية الكلمة، كذلك فوضعُ التعليمِ المنهار بشكل فضائحي يعترف به الجميع، وينعكس ذلك في أن غالبية الليبيين لا يقرأون الكتب، مترجمة أو غير ذلك، فذلك أمرٌ غير متأصل في ثقافتنا العامة، وهذه كارثة معرفية حقيقية، فالتعليم وهو الأساس لنهوض الأمة يركّزُ على الكَمّ وليس على الكيف، ولا توجد بوادر على الوعي بهذا الخلل الكبير ومعالجته. باختصار نحن شعب أمّيّ الثقافة.

السبب الآخر، وهو بالأهمية نفسها، هو عمليّة النشر، فمن الطبيعي أن دور النشر تُحجم عن نشر الكتب بسبب ارتفاع تكاليف النشر، واحتمالية ألا تجد المطبوعة رواجا كافيا، لتجنّب الخسائر المادية، وذلك كما يعبّر عنه البعض لأن “أمة اقرأ لا تقرأ” وبالرغم من أن حركة النشر الإلكتروني أثّرت سلبا على عملية نشر الكتب الورقية، إلاّ أنني أجزمُ أن هذا لا ينطبق على ليبيا، لأن قليلا من الليبيين يقرأون أصلا، وحتى إن فعلوا يكون مبتغاهم الكتب الدينية.

ما رأيك في المقولات التالية: الترجمة خيانة للنص / الترجمة كتابة أخرى للنص / الترجمة وجهة نظر المترجم!

لا أومن بمسألة أن الترجمة خيانة للنص، فلا بُد من التذكير أن إخراج النص من منظومته اللغوية الأصلية ونقله إلى منظومة لغوية مختلفة كثيرًا ثقافيًا ومفاهيميًا، ليس بالأمر اليسير، ودائما ما رأيتُ أن الكتابة والإبداع عمليّة أسهل بكثير من خوض الترجمة بمعاييرها وشروطها القاسية على القائم بفعل الترجمة. وأرى أن النص المترجم هو إعادة خلق للنص الأصلي في لغة جديدة. أي أن الترجمة كتابة أخرى للنص

ما هي مشاريعكم القادمة؟

أعتقد أنني قد اقتنعت بأن الوقت قد حان للاستقالة من هذه الهواية الماتعة، وبالرغم من أن المادة ليست السبب في قراري، فلم أستفد ماديا إلاّ في أقل الحدود ويعاني من هذا الوضع الكتاب والمترجمون كافة، وحاليا أنا في طور تعلّم اللغة الإسبانية، وهي كما تعرف لغة أدب رفيع، وإن شعرت براحة معها، فربما أترجم عنها عملا واحداً فقط، إن سمحت الظروف.


قائمة بالأعمال المترجمة للأستاذ فرج الترهوني:

ــ كثبان النمل في السافانا/ رواية/ تشنوا أشييبي/ الناشر المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب/ الكويت

ــ الحرب في زمن السلم/ اجتماع سياسي/ ديفيد هالبرسام/ الناشر الهيئة القومية للبحث العلمي/ ليبيا

ــ فتيات في حرب/ قصص قصيرة/ أشييبي وآخرون/ الناشر مجلس الثقافة العام / ليبيا

ــ إعدام المجند سلوف/ رواية/ ملف تحقيقي/ الناشر مجلس الثقافة العام / ليبيا

ــ ترجمان الأوجاع/ رواية/ جلومبا جاهيري/ الناشر مجلس الثقافة العام / ليبيا

ــ فتاة الوشاح الأحمر/ رواية صينية/ الناشر دار كلمة، أبو ظبي

ــ التحفة الفنية / رواية / أنا إنكويست/ الناشر دار كلمة، أبو ظبي

ــ الأخبار من بارغواي/ رواية/ للي توك/ الناشر دار كلمة، أبو ظبي

ــ موت فيشنو/ رواية من الهند/ مانيل سوري/ الناشر دار كلمة، أبو ظبي

ــ أعمدة الملح/ رواية/ فاديا فقير/ الناشر دار إلكا، العراق

ــ لعبة الموت والحياة/ رواية/ مو يان/ الناشر دار إلكا، العراق

ــ الشاطئ الرابع / رواية/ فرجينيا بايلي/ الناشر دار الفرجاني

ــ أهل الله/ اجتماع سياسي/ أغنس كيث/ الناشر دار الفرجاني

ــ المجنّد/ رواية قصيرة/ غيبريسوس هايلو/ الناشر دار الفرجاني

ــ بنغازي الفشل الذي دفع أميركا إلى الحافة/ إيثان تشورن/ الناشر دار الفرجاني

ــ حرّة بلوغ الرشد عند نهاية التاريخ/ مذكرات شخصية/ ليا يبي/ تحت الطبع/ الناشر دار الفرجاني

مقالات ذات علاقة

رمضان الشيباني: الليبيون يعتبرون التراث المنتشر في ليبيا لحضارات وشعوب وافدة لا علاقة لهم بها!

مهند سليمان

التشكيلي الليبي عمران بشنة: الفنان العربي لايزال يرفض النقد الحقيقي

المشرف العام

الحكاية أمٌ شرعية للرواية سالم الهنداوي: أظفر بقيمة الكتابة في مواجهة العبودية السياسية

المشرف العام

2 تعليقات

محمد سحيم 3 أكتوبر, 2023 at 20:20

شكراً لبلد الطيوب على هذه الفسحة والرفقة والمحاورة الجميلة مع الأستاذ الرائع فرج الترهوني، وأرجو أن يفكر في الاستراحة بدل الاستقالة، فلربما تشحنه الاستراحة بطاقة كافية للانطلاق من جديد.
تحياتي للموقع والمحاور والأستاذ فرج الترهوني.

رد
المشرف العام 4 أكتوبر, 2023 at 04:32

نشكر مرورك الكريم

رد

اترك تعليق