المقالة

الشعر والموسيقى

من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي
من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي

رغم أن شعراء المحكية اهتموا بتقديم النص الشعرى على منصات متعددة وبآليات مختلفة بأكثر من شكل وبطرق تعبيرية متنوعة سواء كان النص مقروءاً أو مكتوباً من خلال الإيماءة و الإشارة والرمز والبياض والتلويح بالصوت أو الأصابع ؛ إلا أنهم لم يستنفدوا أشكال القول والتعبير ، فمن ضمن المنصات المهمة في حياة النص المحكي احتلت الموسيقى محطة مهمة ومؤثرة في ثقافة متلقي هذا النوع من الشعر ، الموسيقى في التجربة المحكية أنتجت ألحاناً مميزة ستشكل حتماً إضافة نوعية على الإرث الفني المحلي والعربي كما أعتقد .

الملحن والموسيقي تامر العلواني لم يكن وافداً عابراً على تجربة الشعر المحكي بل صار اليوم جزءاً أصيلاً من التجربة ورافداً مهماً لاستمرارها بشكل إيجابي ، فعلاقة موسيقى العلواني بالنص المحكي كشفت عن زوايا حديثة لقراءة الشعر وفضحت أبواباً لم تكن مرئية فيما سبق ، موسيقى العلواني صارت تشير إلى معان تغيبها القراءة الصامتة والإلقاء العابر ، باتت أشبه بإيماءة الدنقلي أو تلويح العالم أو صيحات الرقيعي ، وأظن أن أهم أسباب هذا الانفتاح لا يتعلق بوجود منبر إضافي لقول الشعر فحسب وإنما كان وراءه إحساس مثالي لملحن يعرف جيداً أسرار تلقي الشعر قبل أن يحوله إلى نص غنائي ، من هنا سنتحدث عن الإحساس كمحرك فاعل في عملية تغير ملامح الحلم أثناء تحويل الشعر إلى موسيقى ، فإحساس العلواني الواعي بخيال النص يدعو الكلمات إلى حفلة راقصة على سلم موسيقاه ، وعيه بإيقاع النص ينعكس على خياره لاختيار الإيقاع الموسيقي المناسب ، موهبته تؤهله لتشكيل لحنه بناءً على انفعاله في مرحلة التلقي ، إنه دون شك التوافق بين ما نحس به و ما نتخيله أو ننتجه  .

المثير في تجربة الملحن تامر العلواني أنها لم تتأسس داخل معاهد الموسيقى ولا تحت الوصايا الأكاديمية بل نشأت في حياته بالتوازي مع ممارسة أكثر الأعمال نبلاً وتعقيداً في ذات الوقت ، ويكفي أن يكون اللون الأحمر مصدر هذا التعقيد لترتبك علاقتك بالأشياء من حولك ، أن تكون طبيبا جراحا تنكشف أمامه الجراح وتبحث عن تضميدها لمحاربة الآلام لتكون في وقت آخر السبب في حدوثها بلحن موجع يحمل معاني مؤلمة ، أن تقاسم مريضك صراخه حينما تهاجمه آلام الجراحة لتستفز في مقام آخر صرخات متلقيك وتبتز عاطفته أثناء استمتاعه بجملة موسيقية لم يسمعها من قبل رغم اعتقاده بأنها من إنتاج مشاعره ، يكفي أن يكون مشرط الجراحة الحاد في حياتك مصدراً للخلاص من الوجع وتكون ريشة العزف على أوتار العود سبباً لإمتاع الآخرين واحتفائهم بآلامهم .

يكفي أن تكون جراحاً وملحناً في الوقت نفسه وتكتسب إحساساً يشبه إحساس تامر العلواني لتعيد إنتاج هذا العالم المضطرب عبر جملة موسيقية مدهشة .

مقالات ذات علاقة

سالم الغائب الذي كان صديقي، وعاد بي إلى طفولتنا!

محمد قصيبات

مثقف السلطة

المشرف العام

مقتل عبدالسلام المسماري: الخوف يعود إلى ليبيا

هشام مطر

اترك تعليق