تشكيل

كلام العيون والشفاه في لوحات حميدة صقر

قراءة شخصية لبعض لوحاتها

يسري عبدالعزيز

قبل أن ابدأ حديثي دعونا نتفق ان قدرات المرأة على الحديث بعينيها وشفتيها دون ان تنطق بحرف واحد تفوق قدرات الرجل بمراحل.. ربما ولأجل ذلك اختارت الفنانة التشكيلية “حميدة صقر” وجهي امرأتين في لوحتيها المرفقتين لتنطقهما بحديث الصمت… وإذا كنا جميعا نعلم ان نظرات العين تنقل ما تنطوي عليه نفس صاحبها وان قراءتنا لما وراءها لا تتم إلا برؤية هذه العين والتمعن في نظرتها.. فماذا لو كانت هذه العين مغمضة كما في إحدى اللوحتين.. هل يمكن لنا ايضا وفي حالتها هذه ان نقرأ ما وراءها؟ سنرى امكانية ذلك بمحاولة التواصل مع الخطوط البسيطة والعميقة في آن واحد والتي انجزت الفنانة بهما لوحتيها واكتشاف ما وراء كل لوحة من خلال ما ينطق به وجه المرأة كما رسمته في كل لوحة منهما.

في اللوحة الأولى: ماذا توحي لنا عينا المرأة المفتوحتان؟

من أعمال التشكيلية حميدة صقر

لن نحتاج لنظرة معمقة لنرى الحزن والأسى الظاهران بوضوح في نظرتها… عينان تحدقان في اللا شيء.. تنظران ولا تنظران.. تبدوان وكأنهما تتمعنان في الخارج.. ولكنهما في الواقع تتمعنان في داخل صاحبتهما فتعكسان ما فيه من حزن وألم شديدا الوقع على نفسها لسبب ما لا نعلمه.. وهي وفي نفس الوقت تحاول أن تكبت دموعها فتمسك بها وتمنعها من الانسياب على خديها حتى لا تظهر لحظة الضعف التي تمر بها.. ولكن هيهات ان تستطيع ذلك.. فالشفتان اللتان يميل طرفاهما نحو الأسفل هما ايضا يؤكدان ما توحي به العينان من حزن دفين ومن لحظة ضعف انساني تحاول صاحبته اخفاءه عن الأخرين دون أن تنجح في ذلك.

وفي اللوحة الثانية: ماذا توحي لنا عينا المرأة المغمضتان؟

من أعمال التشكيلية حميدة صقر

العين المغمضة في هذه اللوحة والتي رسمتها الفنانة بخط بسيط تحيطه الظلال بدرجات لون مختلفة تحدد البروز والتقعر في الجفن تقول ما لا تستطيع العين المفتوحة قوله… هذه السيدة هي ايضا يبدو انها تعانى من شيء ما.. ولكنها تقابل ذلك برأس مرفوع غير راضخ لما اصابها.. وبعينين مغمضتان حالمتان بوضع آخر يتجاوز الواقع تظهران اللامبالاة بأثره على نفسها بأنفة وكبرياء الأنثى القوية التي لا تلقي بالا للصغائر ولا تمنحها فرصة للتأثير عليها..

الشفتان وان لم تظهرا هنا بوضوح واكتفت الفنانة بتحديدهما بخط للفم ينحني إلى الأعلى من جهة كابتسامة فرح وإلى الأسفل من الجهة الأخرى كتعبير عن الحزن وبما يعني ان صاحبتهما امرأة واقعية متوازنة نفسيا في جميع حالاتها ولا تنساق وراء المبالغة في الفرح أو الحزن عندما يلمس أحدهما نفسها المترفعة.

هكذا وباختصار رأيت اللوحتان.. امرأة تحمل في داخلها ضعف الأنثى المسالمة والراقية.. وأخرى تحمل في داخلها قوة الأنثى التي هي ايضا مسالمة وراقية.. (وهما حالتان تتناوبان على نفس كل امرأة).. وبين جمال رسم ضعف الأولى… وجمال رسم قوة الثانية.. تمايزت اللوحتان وباحتا بمكنون سرهما.

بقي أن اقول ان “حميدة صقر” تجيد بريشتها الرائعة وبخطوطها البسيطة السلسة وباللونين الأسود والأبيض مع اضافتها احيانا للون ثالث ليكمل التعبير بوضوح كامل عن مكامن النفس البشرية بواقعية وبأسلوب رسم هو في الواقع “السهل الممتنع ” فتشدنا لوحاتها بجمال مواضيعها وانسانية محتواها وروعة ريشتها.

حميدة صقر.. أبدعت فأحسنت.

مقالات ذات علاقة

المكان الذي لا يؤنث، لا يعول عليه

عدنان بشير معيتيق

معرض “هن” يكشف عن ارتباكهن رغم عدالة قضيتهن

أحمد الغماري

الخزافة ميسون عبد الحفيظ .. والخروج عن الاطر التقليدية

المشرف العام

اترك تعليق