عن تجارب نسائية ليبية في المشهد التشكيلي الليبي
الفن التشكيلي النسائي في ليبيا بدأت تتبلور ملامحه الجادة منذ فترة ليست بالقصيرة وتحديدا عندما فتحت دار الفنون نوافذها المشرعة على حدائق اللون وقصصه المفعمة بالجمال لكل المواهب الشابة بدمائها الجديدة من شابات كانت لَهُنَّ الريادة في هذا المجال , عندما كان المجتمع الليبي في امس الحاجة لترقية الذائقة البصرية إبان التحولات الكبرى من مرحلة الحياة التقليدية التي كانت ما قبل اكتشاف النفط بكل معاناتها الى البدء في مواكبة التطور المدني والعمراني الحاصل في العالم بأسره , وبتداخل الكثير من المفاهيم الوافدة من فعل تسارع إيقاع الحياة المعاصرة وتزايد التواصل مع مجتمعات العالم الاول واقتراب نمط الحياة في المجتمع من الحياة المعاصرة بكل ابجابياتها وسلبياتها وظهور اشكاليات أخرى من فعل السياسات الغير مدروسة من مؤسسات الدولة المعنية بقرارات تنقصها الاحاطة الكافية بالذائقة الجمالية في التربية الفنية للأجيال الجديدة كنشء يعول عليه و ما يحيطه من فضاء العيش الملائم للحياة السويّة كإنشاء للمباني و الحدائق والمنتزهات والساحات عامة ونمو مدن شبه حديثة على انقاض مدن عتيقة او على اجزاء منها او تجاور القديم مع الحديث بشكل غير متناسق بل اصبحت مشوهة وبالتالي انعكست على الحياة بأكملها , فكانت “ضرورة الفن” ليكون مصلحا اجتماعيا وسياسيا وثقافيا , لتهذيب الذائقة العامة ونشر مبادئ الجمال والحد من القبح الناتج عن هذه التحولات في المجتمع الليبي في ذلك الوقت والرقي بحياة افضل للجميع…..
… بالعودة الى بداية الحديث عن ما تبدله دار الفنون في ترقية الحساسية الفنية للفنان وتربية الذائقة البصرية للمتلقي ” المواطن ” أصبحت اليوم تظهر حالة من الوعي المجتمعي بالرعاية والاهتمام الاهلي الملحوظ من قبل قاعات عرض اخرى ومنظمات وجمعيات ثقافية وفنية وأصحاب ذائقة جديدة ولدت في رواق الدار , حملوا على اكتافهم مسؤولية التغيير لمفاهيم بالية وأخرى “مغلوطة” لذائقة شعب وحساسية اجيال وبالفعل تغيرت مع مرور السنوات الطويلة من تكريس مفهوم العرض للتجارب الناضجة والمؤثرة في الوعي الجمعي وجدان العقلية الليبية , انتشار فكرة الحراك الفني .وكأحد اهم عناصرها هو الفنان التشكيلي نفسه. وللمرأة الليبية الفنانة حيز كبير من هذا الحراك الذي ساهمت في رسمه , وصاحب المشهد التشكيلي المتنامي بوثيرة عالية جدا من نتاج مخرجات المؤسسات التعليمية التي تم انشائها في منتصف التسعينات من كليات فنون ومعاهد متخصصة في تدريس الفنون والإعلام وما نتج عنه من اجيال جديدة تتسم بملامح اصيلة تستقي قدرتها على الابداع من الموروث الليبي كهوية ثقافية متنوعة الاصول والأعراق والمصحوبة بدهشة الحداثة في اغلب التجارب والتي جاءت من هذه المؤسسات بفعل الصقل الجيد من هيئات التدريس التي كانت في اغلبها من فنانين اصحاب تجارب حقيقية بالإضافة الى مؤهلاتهم في مجال التدريس وخبراتهم في جميع حقول الفنون من فن الرسم والتصوير والخزف والتصميم والعمارة وغيرها , فأضفى فن الرسم الليبي الانثوي رهافة اضافية على الحركة التشكيلية فأصبحت بورتريهات الفتيات الجميلات اجمل وسيرة المدن العريقة بأزقتها وبيوتها ومساجدها وكنائسها ومرافئها اكثر رهافة واضحت تغني لحنها الاكثر انسجاما مع وقع الحياة المعاصرة بصوت نسائي مصحوب برهافة الانثى, منسجم مع نفسه ومع محيطه الاقليمي والعالمي ضمن خطابات الحداثة الفنية المعاصرة.
في هذا المعرض نوافذ تنوعت الاعمال المشاركة وكأنها اختصرت تاريخ فن الرسم منذ ان كان يحبو في بداياته الاولي مرورا بالمراحل الرفائيلية وما تبعها من مراحل لاحقة كالانطباعية والتعبيرية والتجريدية والحروفية وصولا الى الفن كمنتج فكري خالص بفلسفات الفنون المعاصرة حاملا معه مفرداته المحلية الاصيلة والتي تمثلت في لوحات مرسومة ومنحوتات وخزفيات وأعمال انشائية اخرى اقتربت اكثر من المنتج العالمي وتساوت مع المنتج الفني للبلدان المجاورة في المنطقة.
2020.02.05 م