بميدان الحبيب بورقيبة في تونس العاصمة جلست مع صديقي عبد الرحمن داخل السيارة نتبادل الحديث في ما نحن عازمون عليه من إنهاء كافة الأمور قبل أن نرجع في اليوم التالي إلي ليبيا مغادرين دولة تونس
فجأة وقف بجوار النافذة شخص غريب – في العقد الثالث من العمر تقريبا – أشار إلينا طالبا الحديث لبعض من الوقت.
فتحت نافذة السيارة وسلمنا عليه بإستغراب.
بادرت بالتحية:السلام عليكم.. نعم تفضل يا أخي
الرجل: وعليكم السلام.. أهلا وسهلا حضرتكم ليبيين بالتأكيد يا خوتي.
نعم نحن ليبيين تفضل يا أستاذ.
الرجل: والله أنا شفت في وجوهكم الخير.. بسم الله ما شاء الله عليكم، خوكم مصباح من مدينة…. بليبيا
عبد الرحمن: أهلا بيك.. أهلا ياخوي مصباح.. الله يبارك فيك، الناس كلها خير وبركة، أي خدمة يا خوي مصباح.
مصباح: والله أنا بنكلمكم في موضوع بسيط.. والصراحة متحشم منكم
لا.. ما فيش مشكلة تفضل إحنا خوت وفي غربة ما تتحشمش، خود راحتك، قول تفضل شن تبي
مصباح: والله أنا جبت الوالد من حوالي عشرة أيام وعملت له عملية علي عيونه عند الدكتور /… دكتور العيون المشهور في تونس أكيد تعرفوه، والحمد لله العملية نجحت وحالته كويسة وأمورة عال العال.
باه كويس.. الحمد لله علي سلامته، وربنا يعجل بشفائه إن شاء الله، وترجع إنت وإياه بالصحة والسلامة
مصباح: لكن في عندنا مشكلة بسيطة.
عبد الرحمن: يا ساتر.. إن شاء الله خير.
مصباح: إحنا اليوم الصبح جهزنا نفسنا للمرواح وتوا بنمشوا للمطار، طيارتنا بعد ثلاث ساعات والحاج قاعد في الرسيبشن بالفندق يستني فيا.
المشكلة أن الفندق ما زال يبي 48 دينار باقي حساب الإقامة، ونحن فلوسنا كملن الله غالب الحسبة ما طلعتش مزبوطة، غلوا علينا في العملية، وبعدين شرينا الدواء، الحاصل الفلوس تمن، والله حتي حق التاكسي للمطار ما عندي، مش عارف كيف ندير فيه.
عبد الرحمن: لا حول ولا قوة إلا بالله.. معقولة ياراجل علي خاطر 48 دينار ما همش طالقينكم ومسامحينكم فيهم؟
وجهت كلامي إلي مصباح بثقة: ولا يهمك ياخوي.. هيا أركب معانا في السيارة خلي نمشوا للفندق ونخلصوهم ونحلوا هالمشكلة
جفل مصباح تغير لونه وبدا يتكلم بصوت متلعثم: لا لا ما فيش داعي للسيارة هوا قريب من هني بارك الله فيكم ما نبيش نتعبكم، أعطوني المبلغ وأني توا نخلصهم ونتوكلوا أني والحاج.
ساد الهدوء والصمت لفترة قصيرة كنا نتبادل النظر أنا وعبد الرحمن وكلانا فهم القصة الحقيقية للسيد مصباح.
عبد الرحمن: باهي خلاص ما فيش داعي للسيارة، خلينا نمشوا معاك علي رجلينا ما دام الفندق قريب، نخلصوهم، ونشوفوا حتي الحاج ونسلموا عليه ونحمدوله ع السلامة
مصباح: كيف يا إخوان حضرتكم مش مصدقيني وإلا شني.. معقولة توا أني شكلي شكل كذاب وإلا نصاب.. الله يبارك فيكم، والله كنت نحساب روحنا خوت وفزاعين وقلوبنا علي بعضنا، لكن طلعتوا أي كلام، حسبي الله ونعم الوكيل فيكم.
أدار مصباح ظهره لنا وغادر يلوح بيديه متمتما بكلمات مبهمة.
بعد مضي ثلاث سنوات تقريبا، شاءت الظروف أن أكون في تونس العاصمة صحبة الوالد لإجراء بعض الفحوصات والكشوفات الطبية، أنهينا ما قدمنا لأجله، ثم ذهبت إلي مكتب الخطوط الجوية الليبية بشارع باريس للتأكيد علي تذكرة العودة، تم الأمر علي ما يرام وخرجت من المكتب سيرا علي الأقدام متجها إلي البيت.
فجاة… دنا بقربي شخص ما.. سلم مبتسما وأردف قائلا أخونا ليبي.
رددت السلام وقلت: نعم تفضل أخي أي خدمة.
الرجل: خوك مفتاح ليبي من مدينة….
كان هو نفس الرجل قبل ثلاث سنوات، صورته ما زلت علقة في ذهني لم يتغير فيه شئ إلا الإسم بدلا من مصباح صار مفتاح. عرفته علي الفور ولكنه لم يعرفني.
جال في نفسي ان أترك له المجال للحديث دون أن أقاطعه او أنهره.
.. أهلا أخي مفتاح
مفتاح: والله أنا شفت في وجهك الخير.. بسم الله ما شاء الله عليك.. خوك واقع في مشكلة وطالب مساعدة بسيطة منك
.. ألف لا باس عليك.. ربنا يبعد علينا المشاكل.. تفضل إحنا خوت ما تتحشمش، قول تفضل شن تبي.
مفتاح: والله أنا جبت الوالد من حوالي عشرة أيام وعملت له عملية علي عيونه عند الدكتور /… دكتور العيون المشهور في تونس أكيد تعرفه، والحمد لله العملية نجحت وحالته كويسة وأمورة عال العال.
.. باه كويس.. الحمد لله علي سلامته، ربنا يعجل بشفائه إن شاء الله، وترجع إنت وإياه بالصحة والسلامة ( كتمت ضحكة كادت أن تكشف عني )
مفتاح: لكن في عندنا مشكلة بسيطة وهاذي هي اللي نبيك تساعدني فيها.
.. يا ساتر.. إن شاء الله خير.
مفتاح: إحنا اليوم الصبح جهزنا نفسنا للمرواح وتوا بنمشوا للمطار، طيارتنا بعد ثلاث ساعات والحاج قاعد في الرسيبشن بالفندق يستني فيا.
المشكلة أن الفندق ما زال يبي 48 دينار باقي حساب الإقامة، ونحن فلوسنا كملن الله غالب ما حسبنهاش صح، غلوا علينا في العملية، وبعدين شرينا الدواء، الحاصل الفلوس تمن، والله حتي حق التاكسي للمطار ما عندي، مش عارف كيف ندير فيه.
رددت قائلا بسخرية: لا حول ولا قوة إلا بالله.. معقولة ياراجل ما زال قاعد في تونس إنت والحاج ثلاث سنوات،
ثلاث سنوات وهوا واقف في الرسيبشن بالفندق ما لقيتوش حد يعطيكم وإلا يسلفكم 48 دينار.. معقولة يا مصباح.