قصة

أوان

من اعمال التشكيلي الليبي .. علي العباني
من اعمال التشكيلي الليبي .. علي العباني


خيم المساء على ما تبقى من مدينة تحتضر في سكون يبتلع كل شيء؛ الحكايات، الأصوات، ذكريات الأمس، لُعب أطفال مازالت تبدو بملامحها قبيل النهايات المحتومة، حبًّا لم يثمر بعد.. وعدا مكتوبا بتوقيع عريض على جذع شجرة معمرة : أحبكِ يا حربي الأخيرة ،صولة مقاتل قد غامر والجاً مخاض أدخنة قيل إنه قد لفظ أنفاسه قبيل الغروب، لكن زهراء لم تصدق كل الأخبار؛ راهنت على حياته، قد كان هنا! ظلُّه، وقصيدته، وصدى ضحكاته، سيعود غيث قبيل انتهاء الموعد سيعود حاملا إكليل قصيدة سهرَ ليلتها ليكتبها بدخان سيجارته مانحا قهوته الأخيرة قبلةً غارت-على إثرها الدقائق المتبقية من مساء يمضي وئيدا كأنه يغطي أطفاله اليتامى؛ يتامى الحب ..والوحدة…والبراءة المغتصبة في دموع الكلمات التي استرسلت دون هوادة حتى تعلن أنها لا تعشق سواه, غيث لم يمت ..هو مضى ليصلح ما تبقى من جدار هدَّه التعبُ وأنهكته الحرب. التفتت نحو أمها وجمع من نساء المدينة اللواتي آوتهنّ خيمةٌ مرقعة : نعم هو لم يمت ! تمسكت بيد أمها واغرورقت عيناها بشلال يكاد يفور من حرارة الألم يغلي كقلبها : يا أمي اصبري .. وتأكدي أن كل الذين خرجوا من هنا سيعودون بعد حين ..الجدار الذي كاد أن ينقضّ هو الآن يسنده بقلبه وأنفاسه.

استمعت إحدى العجائز لحديث زهراء بذهول ، ثم ردت باستغراب: لقد وجدوا جثته… محترقا وجدوه..

هرعت زهراء نحوها : لا لا.. لا ياسيدتي، هراء_ كل الكلام هراء _صدقوني ابقوا هنا؛ سيعود غيث ..

قام النسوة يحملن أكياسا وحقائبا ..ليغادرن المكان بهدوء ، بينما ظلت زهراء تمسك بأيديهن الواحدة تلو الأخرى ..أسرعت نحو أمها : أمي …لا تصدقي لا تذهبي ..لا تخرجي معهن..

قالت أمُّها وعيناها تتوغلان في استنكار: الرجال ينتظروننا في الخارج ..هيا يا ابنتي ..كفِّي عن الصراخ والعويل ..غيث ليس أول رجل يموت في معركة . صمتت قليلا متنهدة ؛ رفعت غطاء رأسها مسحت على وجهها ؛ ثم قالت : لقد مات الأطفال.. ونصف أهل القرية تبعثروا لا ندري عن الأحياء منهم ولا الأموات ، ربتت على كتف ابنتها التي جثتْ على ركبتيها : قومي يا عزيزتي ..وانفضي عنك هذا الجدل …سنعود يوما… ومن كان حيا سنلتقيه.، ومن مات.. قاطعتها زهراء : لم يمت لم يمت!

مقالات ذات علاقة

الأبكم…

أحمد يوسف عقيلة

بوعبعاب

محمد الأصفر

الهلال…

أحمد يوسف عقيلة

اترك تعليق