يسري عبدالعزيز
قبائل التبو هم جماعة عرقية تعيش في شمال تشاد وجنوب ليبيا وشمال شرق النيجر وشمال غرب السودان.. الجزء الذي يقطن الأراضي الليبية منهم هم مواطنون ليبيون مثلهم مثل غيرهم من مواطنينا.. بل هم من اقدم من سكن الجنوب الليبي.. إلا أننا للأسف لا نعرف عنهم الكثير.
هناك قصتان ارتبطتا في ذاكرتي بالتبو..
أولى هاتان القصتان حدثت عام 1972.. تم اختياري ذلك العام من قبل ادارة النشاط المدرسي ضمن مجموعة من طلبة المرحلة الثانوية للمشاركة في رحلة لمدينة سبها خلال عطلة منتصف العام ..انطلقت بنا الحافلة من طرابلس حتى اوقفها سائقها في قرية أبو قرين ليزودها بالوقود واثناء ذلك صعد إليها شاب أسمرمعتقدا انها الحافلة العامة المتجهة إلى سبها..اخبره مشرف الرحلة انها ليست كذلك وانها حافلة خاصة تحمل بعض طلبة المدارس ولكن الشاب أصرعلى عدم النزول مرددا كلمتي : التبو ما ينزل.. فكانت هذه هي المرة الأولى التي اسمع فيها بإسم التبو.. وأمام اصرار الشاب على موقفه رضخ مشرف الرحلة لبقاءه معنا حتى وصولنا لسبها.
القصة الثانية سمعتها من المرحوم الحاج الزروق الذي كان غفيرا لأحد المباني بطرابلس في الثمانينات.. فقد اخبرني خلال “هدرزة” لي معه بأنه عمل في شبابه لسنوات في الجنوب الليبي اختلط خلالها بالتبو وعرف عنهم الكثير.. بدأ الحاج الزروق حديثه معي بقوله : لن تجد رجلا من التبو سمينا أو مترهل البطن.. ثم أردف : هل تعرف سبب ذلك ؟ ثم ااكمل حديثه بأن اجاب على السؤال الذي طرحه : بعد فترة من ولادة مولود جديد لعائلة تباوية تقوم العائلة بجمع نباتات برية صحراوية محددة يعرفونها ثم يقومون بغليها مع الماء في اناء.. بعد غليان محتوى الأناء يتركونه ليبرد قليلا ثم يصبونه في حوض صغير مصنوع من جلد الماعز.. بعد ذلك يحضرون المولود الجديد ويقومون بعمل جروح سطحية بسكين حاد (تشليط) في اماكن مختلفة من جسده ثم يضعون المولود داخل ذلك الحوض.. ما يحدث عند ذلك ان جسد المولود سيمتص بعضا من هذا المحلول عن طريق الجروح فتسري مع دمه الي انحاء الجسم وذلك هو ما سيمنع الدهون من التكون في جسد التباوي مستقبلا فيحتفظ برشاقته طوال عمره ولا يصيبه الارهاق من أي عمل يدوي يقوم به.
لا أعلم مدى صحة ما قال الحاج الزروق فلم اجد ما يؤكد ذلك فيما قرأت عن التبو.. ولكنني وجدت ضمن كتاب “مقالات عن التبو ” دراسة للباحثة كاترين بالروين عنوانها ” التواضع وآداب المائدة والطعام عند التبو” ما جاء فيها قد يفسر احتفاظ التبو برشاقة اجسادهم وفق ما ذهب اليه الحاج الزروق وان اختلفت الطريقة.. تقول الباحثة : (ان الحياء لدى التبو تجاه الطعام امر لافت للنظر ولا شك في أن هذا السلوك ليس غريبا على قساوة بيئتهم الطبيعية ولمواجهة ذلك يتلقى شباب التبو منذ الصغر تربية صارمة جدا فيتعلمون في وقت مبكر ان الشراهة سلوك مخز للغاية وان عليهم كبت اي مظهر للشراهة بشكل منهجي) وتقول ايضا (يتعلم اطفال التبو تحمل المشقة والحرمان ولتجنب تحولهم الى أكلة نهمين يحرمون من أي طعام دسم بين وجبات الطعام).
تخلص الدراسة الى ان الجلد والصبر وقوة التحمل والرشاقة التي يتمتع بها التباوي ترجع لما تعلمه في صغره لمواجهة ما يفرضه عليه العيش في الصحراء بقسوة طبيعتها وقلة موارد الغذاء بها..
فهل لازال التباوي كما رأه الحاج الزروق والباحثة كاترين.. أم ان انتقال الكثيرين منهم للعيش في المدن والتجمعات الحضرية قد غير من طبائعهم فتراكم الشحم في اجسادهم وترهلت بطونهم بفعل المأكولات الدسمة والهامبورجر والشاورما.