المقالة

ينساني الزمان على سطح الجيران

تعا تا نتخبّى .. من درب الأعمار
إزا هنّي كبروا .. نحنا بقينا ازغار
 


نسمعُك جيداً.. تصدحينَ بها ونبكي.. ولكننا لم نعُد صغاراً يا جارة القمر.. رغم هذا الكمّ من المحاولات لـ نبقى لكننا فشلنا.. وفي كل مرةٍ نحاول تطعننا سنةٌ أخرى في طفولتنا!!
 
ها أنا أركض في كل اتجاهٍ.. أظنّ كل وشوشةٍ ما أنها أيام الطفولةِ تُخبرني عن مكانها.. وفي النهاية أعضّ شفتي بحنقٍ وأرجعُ كمن لم يرجِع!!
 
كلّما صادفنِي طفلٌ يبتسمُ أحاولُ مجاراتهُ فأبكي من غيرِ قصد! أُعيدُ الابتسامةَ فأبكي.. ثمّ ألوّح له بيدٍ طويلةٍ كـ يأسي وأبتعِد.
 
أريدُ أن أكتُب عن طفولتي.. ستضحَكونَ ربما.. لأنّه نصٌّ رديء ثم ستَبكُون كثيراً.. لأنكُم صرتُم كباراً فجأة!! كباراً بالقدرِ الذي لا تستطيعُون فيه كتابةَ كلمةٍ عن طفولَتكم الضائعة!!
 
الأمر مُربكٌ حقاً..
 
أين تذهبُ طفولتنا مرةً واحدةً هكذا؟ دونَ عِناقٍ حتى!!
 
تقفُ مشدوهاً مبهوراً وهي تركُض بعيداً عن زمانِك.. أريدُ أن أكتُب عنها قبل أن تتلاشَى.. أحاولُ مراراً أن أكونَ طفلاً ولو لنصفِ يوم فقط.. وفي كل محاولةٍ أقفزُ عمراً للأمام.. عمراً هكذا بالمجّان.. الطفولةُ جنّة ونحنُ الذين أُخرجنا منها ولم نأكل التفّاحة يا رب.
 
ها أنا أتممتُ ثلاثاً وثلاثين سنةً.. وهذا أمر مخيف حقاً.. حيثُ أنني ربما أكون قد ولَجتُ باب ما يسمى بالـ(مستقبل).. المستقبلُ الذي داهمني وأنا لازلتُ أفكّر ماذا سأكونُ عندما أصلُ إليه!!
 
يا إلهي.. أنا الآن لستُ طفلاً وأكتبُ لكم؟! جرأة قبيحة على عمر ضائع.. كيف لي أن أحادثكم بينما أحكّ رأسي وأبحث في جيب الزمان عن ثقب ما تتسرّب منه الأيام!!
 
ألا يغلقُ أحدٌ صنبور الأيام أرجوكم.. هذا العمر ينفلتُ بغزارة!! العمر الذي يركضُ كـ مطلوب.. بينما ندعوه في كل مرة للاختباء داخل ابتساماتٍ معطوبة.
 
لا أحد يمكنُه رسم الطفولةِ كما يجب.. أعرفُ صديقةً حاولت ذلك.. للآن وهي تمسكُ بالريشةِ وتنتحب.. تقول: كبرتُ يا صديقي حتى أنني نسيت وجهي منذ زمن.. ما الذي يريده منا هذا العمر المنطلق؟! لو أنّه تركنا لـ صِبانا لـ مُتنا ونحن نبتسمُ على الأقل.. ما الذي يريده قلّي؟! ثم تستلمُ زاويةً ما في صمتٍ مهيب.
 
أولئك الذين قالوا لنا عندما تكبرونَ ستفهمون.. أين همُ الآن؟
 
نحن لم نفهم شيئاً.. كبُرنا ولم نفهم حتى لماذا تتسرّب الطفولة من شقوق العمر هكذا؟! أظنّ أنّهم كبروا مثلنا ولم يفهموا.. لذلك كانوا يتحدثون بارتعاشةٍ في اللغة!!
 
أعرف أنه لا أحد يستطيع أن يتوقف.. لا أحد يمكنه وضع إشارةٍ حمراء لعمرهِ المتهوّر.. لكنّ قلوبنا يمكنها أن تظل هكذا.. غضةً طريةً لا ينالُ منها الوقت.. يمكننا أن نكتب عن أيامنا الذاهبةِ ونحن نضحك لها من بعيد كي لا تفقد ملامحنا.. أن نلوّح لها في كل مرةٍ تحاول فيها التلاشي.. تلك أيامنا وتلك أعمارُنا المتوهّجة بالبراءة.. لا يعقلُ أن نخونها حتى بالتذكّر.. لذلك أنا الآن أتذكر وأكتب وأبكي.
 
لا شيء في القلب يا فيروز.. لا شيء إلا أن: “ينساني الزمان على سطح الجيران”.. ميلاد سعيد لك فيروز.

_________________________________
الموقع: ولدت السيدة فيروز في 21 نوفمبر للعام 1935.

مقالات ذات علاقة

د.عبد الله مليطان.. جبرتي الثقافة الليبية

عبدالرحمن جماعة

ليبيا وأدب الديستوبيا

سالم العوكلي

فلتكُن الخطوط زرقاء

وفاء البوعيسي

اترك تعليق