حوارات

أماني محمد: الغربة قد تكون نقطة انطلاق رجعية

الموهبة والتجربة لا تكفي لجعل لوحة تضج بالنضج الفني
التحرر قيمة كبيرة لدى المُبدعة
الحرب جعلت لي عين ثالثة ترى مالم كنت أراه مسبقاً
الوجوه ليست ملامح تُشاهد بل قصائد تستحق القراءة

حنان علي كابو

التشكيلية والمصورة أماني محمد
التشكيلية والمصورة أماني محمد


أماني محمد، فراشة تشكيلية قادمة من مدينة درنة، تحب التصوير وتتجه إليه بخطوات واثقة، تعد للوحات تشكيلية نابضة بتوقيعها وخصوصيتها وأمالها، كاتبة تجيد إثارة الحرف ومغازلته في عمق الكلمة، التقيت بها منذ سنوات ببنغازي، استوقفتني لوحاتها الضاجة بكل شي ء، والآن أرى أماني الطموحة المتعددة الاكتشافات والابداع.
في سيرتها الذاتية تقول عنها :فنانة تشكيلة من مدينة درنة، شاركت في العديد من المعارض  بمدينة درنة، المحلية والعالمية، عضو مؤسس لمؤسسة الفن التشكيلي وعضوة في اتحاد الفنانين التشكيليين في ليبيا، قامت من خلال المؤسسة بالتنسيق للمعارض واكتشاف الهواة، وأيضا في مجال عملها  بالتعليم عملت كموظفة في القسم التربية الفنية والمناشط في مكتب النشاط والتثقيف، ورغم عملها كمعلمة لغة إنجليزية لم يجعلها تتوقف من تدريب الطالبات على الرسم وممارسة هذا النشاط أثناء تأدية عملها ،ومن ثّمَ توجهت للتصوير الفوتوغرافي وتحصلت على شهادات تقدير في تفوقها  في محاور معينة في التصوير الفوتوغرافي.
 
من أين جاء هذا الحب للكاميرا وكيف كبر معك؟؟
في البداية قبل أن أستطرد في الجموح عبر الأجوبة عن الأسئلة، أود أن أعبر عن جزيل شكري لترك مساحة للبوح عبر فضاءات الإعلام. حب الكاميرا نبع منذ صغري وقد غرسته بدواخلي أمي رحمها الله، كانت تحب ذلك وكانت توثق اللحظات وتؤرخها وكوني منذُّ صغري أعشق الرسم فقواعد التصوير الأساسية لا تختلف عن قواعد الرسم، فباتت لي نظرة جمالية ونهم للاقتناص، وازداد حبي للتصوير بعد أن تعرضت للتهكم بصوري فتملكني إصرار كي أطور نفسي في هذا المجال ولازلت. وكلما أكتشف محور من محاوره، وجماليات شتى يزداد حبي للتصوير، وشغفي لاحترافه.
 
“قوية رغم أنف عواصف الأيام، ولا أخشى شيء أضرب قبضتي نحو هدفي مهما كانت الحواجز.. سأكون أنا التي أردت أن أكون…..” ما الذي لم يتحقق على صعيد حياتك العملية كفنانة تشكيلية ومصورة فوتوغرافية؟؟
هنالك الكثير الذي لم يتحقق، ولكن أسعى لتحقيقه، أن أعد معرضي الخاص للأن لم يتم ذلك، فقد تعرضت لعوائق كثيرة، وتمنيت دراسة الفن بشكل أكاديمي ولازلت أسعى لذلك أيضاً الموهبة والتجربة لا تكفي لجعل لوحة تضج بالنضج الفني، والتصوير الفوتوغرافي كذلك لم أتلقى أي دورات بعد بشكل علمي ومن الرغم من ذلك لم أستسلم وواصلت التعلم الذاتي وفي المستقبل سأتمكن من تحقيق كل ما صبوت له لأن الظروف الآن تتيح لي ذلك.
 
. “قصة هند تمثلني، تحكي تفاصيلي وصراعي مع العنف الأسري. اصدق هند لأنني عانيت المعاناة ذاتها، كم مرة كُسرت لوحاتي وكم من تعنيف لمنعي عن المشاركة بالمعارض وكم وكم…..حتي اكتوبر 2016 اغتنمت الفرصة وغادرت ليبيا للأبد، صراع من نوع آخر كي أكون أنا، الآن أبدأ من الصفر كي أُرسخ أرض ثابته كي أعود للفن بلاخوف ولا قيود. هند هي أكثر شجاعة مني في أرض المنفى والظلم القبلي والعشائري، والسلطة الذكورية قالت كلمتها… هند اتمنى لك السلامة أيتها الشجاعة، كوني أنتِ أينما كنتِ…” هل يمكن للفنان أن يبدع في ارض من الخوف والقلق والقيود، قيمة التحرر لدى المبدعة؟؟
المُبدع قادر على الإبداع أينما كان، ولكن ستكون خطاه مقيدة، و أو متأخرة وأيضاً منوطة بقدرة المُبدع على التمرد وتحمل الضريبة الباهظة الثمن التي سيدفعها نظير ذلك. التحرر قيمة كبيرة لدى المُبدعة تحديدًا بكون الأنثى في مجتمعنا مكبلة ومقيدة حتى لو سمح لها ممارسة إبداعها لا يمكن أن تعبر بشكل حر على نقيض المُبدع الذكر. إلى أي درجة تعد الغربة مهمة للمبدعة ذلك منوط على البيئة الداعمة لموهبتها في وطنها، أحيانا الغربة قد تكون نقطة انطلاق رجعية لتكون في بداية الطريق أو الصفر كي تبدأ الرحلة التي كانت بمنتصفها حين كانت في بيئتها وحين لا تتوفر لدى المُبدعة المساحة والحرية تكون الغربة بالأهمية الكبيرة كي تسلك الطرق الوعرة كي تحقق أحلامها وأهدافها.
 
. تستوقفك التفاصيل الصغيرة، الوجع الراكض خلف ظلك؟؟
التفاصيل روح الفن وفحواه، هي التي من خلالها نستشف الأعماق ونسبر غور التأمل، أحيانا التفاصيل الصغيرة تحمل الحكايا المنسية وتحضن الحقائق الغائبة، والوجع الذي يركض خلف ظلي وفي لي، هو يحملُّ معاناتي ويؤرخ خطواتي المُتمردة كلما وقعت!
 
الحرب ماذا فعلت بك؟؟
 كما الحرب أزهقت أرواحاً، أحييت بداخلي النظرة العميقة للحياة، وجعلت لي عين ثالثة ترى مالم كنت أراه مسبقاً، أن تكون لك تجربة مع الموت والفقدان بشكل مباشر، يجعلك تتشبث بالحياة وتفكر كيف نجعل الشوك يُزهر، وأيضاً إدراك الواقع بشكل مرير، ومؤسف لتهاوي الأقنعة أعلم إنها مشاعر متناقضة ولكنها ستكون نتاج فني قادم ستروي لوحاتي ما رأيته من الحرب ودمارها.
 
حين التقاط صور الطيور، الوجوه، الطبيعة، الورود، ونور أيقونتك ما الذي يأسرك في هؤلاء؟؟
إنها التفاصيل التي تستهويني كما أردفت مسبقاً، الوجوه ليست ملامح تُشاهد بل قصائد تستحق القراءة، كل وجه لديه قصة ولكل نظرة معنى، الطيور والزهور هي سمفونية لجماليات لا نلتفت لها ونحن نراها دون تمعن جميلٌ اقتناص كل هذا وجعل المُتلقي يشاهد معك جماليتها. أما نور هي بُعد آخر وفكر آخر حين ألتقط لها أقفز عبر الزمن، وأجمح بالتمني نحو المستقبل، فهي تحمل سري بداخلها بل تحملني أنا بكل ما أملك من ماض ومستقبل.
 
تجربتك الشعرية لماذا لم نراها ترصد في ديوان؟؟
من الرغم من امتلاكي بعض النصوص والمقالات التي نُشرت في ليبيا والوطن العربي، ولكن لا أقتنع برصدها بديوان حتى أتأكد من نضجي اللغوي، وقدرتي على ترويض اللغة بشكل أعمق، ما أسهل أن تكتب ويُنشر لك كتاب أو ديوان بكون المشهد الثقافي الليبي لا يدقق على أهلية الكاتب، ومن الرغم من ذلك أود لو فعلت ذلك أن أكون على مستوى حقيقي وصحيح.
 
أين أماني اليوم؟؟
أنا الآن في بداية الطريق نحو أحلامي، مغتربة وغير مغتربة عن نفسي.
 
“حازت الفنانة التشكيلية والشاعرة أماني محمد عبد الدايم على شهادة تقدير من منظمة اليونسكو لقاء أعمال فنية أنجزتها خلال يومين بمعرض في روما، وكذلك نالت ابنتها “نور” الفنانة التشكيلية الصاعدة شهادة تقدير عن مشاركتها للمعرض في العاصمة الإيطالية خلال شهر نوفمبر الماضي ماذا تحملين في ذاكرتك لهذه التجربة؟؟
تحمل الكثير لكون هذه التجربة البوابة كي أنطلق بشكل مستقل، وتعرفي على فنانين من جنسيات مختلفة وأثرت مداركي الفنية هذا من صعيد الفن أما من صعيد الحياة كما ذكرت البوابة لأصارع الحياة وأستقر بالخارج وأدرس وأخلق لنفسي وطن يسمح لي أنا أكون أنا بلا خوف أو قيود.
 
ما الذي يستفز بياض اللوحة عند أماني؟؟
الجمال بما يحمله من معاني، حتى الحزن الذي أنقله بالبورتريه أراه مرادفاً للجمال من منظور آخر. ونقل الحدث الذي يمس النظم الأخلاقية التي أراها ولا أستطيع التعبير عنها بالكلام فترقص ريشتي مع الخطوط والألوان لتعبر عنها، أرى في بياض اللوحة مناجاة كي أروي فيها كل شيء.
 
 توقفت كثيرا بسبب ظروف قاهرة، وابتعدت، هل استعدت نشاطك التشكيلي؟؟
نعم بدأت باستعادة نشاطي فهنالك معارض مدعوة لها بالمشاركة، وقد أعددت لوحات جديدة لها وستكون مختلفة لأنها الآن تحمل تجارب أنضج.
 
على ماذا تعكفين هذه الأيام؟،هل سنرى التشكيلية اماني في نتاج فني جديد؟؟ الاعتكاف هو المعركة التي خضتها كي أستقر، وليس سهلاً والدراسة أيضاً، والاعتكاف الأكبر لاكتشاف ذاتي ونقل مجسات الحس بداخلي عبر الفن الذي سيكون صوتي القادم.
 
نور امتدادك الراكض، هل حققت بعض من أحلامك وطموحاتك؟؟
نور هي أنا التي أردت أن أكون، سيكون مستقبلها أفضل بكثير، وسيكون لها شأن فهي موهوبة جدًا في عدّة مجالات وسيكون لها انطلاقة خاصة بها في الوقت المناسب، أسعى جاهدة ألا يُسرق منها العمر وتتأخر عن خطواتها الفنية كما حدث معي وأن تكون طريقها صحيحة وموجهة بشكل دقيق، وبالتأكيد حققت بعض من أحلامي وطموحي وتلك الطموحات تتحرك نحو المستقبل.

مقالات ذات علاقة

سالم الهنداوي: المثقف الليبي مظلوم لا مؤسسات ترعاه ولا يحظى باهتمام إعلامي

المشرف العام

كاتبة ليبية تؤكد أن التحكم الذكوري حال دون ظهور الكثير من المبدعات

المشرف العام

أحمد زبيدة، فنان البناء الطبيعيّ

المشرف العام

2 تعليقات

محمد ناجي 2 فبراير, 2020 at 14:56

كل التوفيق والنجاح ان شاء الله

رد
مصطفى شقلوف 7 فبراير, 2020 at 08:54

راقت لي

رد

اترك تعليق