من أعمال التشكيلية الليبية خلود الزوي.
قصة

ســيـــجـــارة


إستقل محمد سيارة الأجرة المهترئة نوع بيجو التي تحمل سبعة ركاب، لم يكن مخيرا في قراره، حيث يتم صعود الركاب إلي السيارة حسب دورها في قائمة الأنتظار، وفي يوم الخميس مساء من كل أسبوع عادة ما يكون هناك نقص كبير في سيارات الأجرة، الكل من طلاب وموظفين وجنود وغيرهم يغادرون العاصمة إلي المدن المجاورة.

وضع حقيبة سفره الوحيدة، ودلف إلي داخل السيارة،سلم مبتسما، وجد أن هناك من سبقه من ركاب، جلس حيث وجد، في صف المقعد الأوسط في الكرسي الأوسط، إلتفت عن يساره وعن خلفه يتفحص الوجوه لعله يجد من يعرف يستأنس به في هذه الرحلة التي تمتد طويلا، يتبادل معه أطراف الحديث يقطع الطريق دون ملل، كانت خيبة أمله كبيرة فلم يكن في سيارة الأجرة غير ركاب أجانب من جنوب شرق آسيا فلبيين أو تايلانديين ربما، فقط عامل مصري يجلس بالكرسي الأمامي بجوار النافذة يعقبه عامل أسيوي ثم سائق سيارة الأجرة.

إنطلقت السيارة بعد إكتمال عدد الركاب لتبدا الرحلة الإياب، شعر محمد انها سوف تكون رحلة مملة ورتيبة فليس هناك من رفيق يبادله الحديث ولا مذياع في السيارة يستمع إلي ما يبثه من برامج مختلفة، إنفصل عن الواقع من حوله ممنيا نفسه بقضاء عطلة نهاية أسبوع مريحة وطيبة مع عائلته، ينعم برؤية والديه الكريمين وإخوته،يأكل من طعام امه الطيب ويشبع في مياه الدش الساخنة، ينام نوما عميقا ومريحا، يحلق ذقنه الذي إعتاد ان ينمو طيلة أسبوع بكامله، يقضي يوما بين الشوارع والأزقة والمحلات التجارية والمقاهي يري الأحباب والأصحاب ينسي هموم ومشاكل ومصاعب الدراسة الجامعية، تطيب له حياة العائلة ليوم، بعيدا عن إقامة الأقسام الداخلية بالجامعة وما تحمله من صعوبات معيشية حياتية قاسية، إنها حقبة سوداء مظلمة في نهاية ثمانيات القرن العشرين يعيشها محمد كطالب جامعي، أجبرته الظروف،ولم يكن مختارا حاله كحال كل شباب الوطن الكئيب.

مضت الرحلة في رتابة مملة لا يقطعها إلا حديث العمال مع بعضهم البعض بلغة لم يفهمها، أو حديث العامل المصري مع السائق في قفشات مضحكة،
قاربت الرحلة علي نهايتها وبدات ملامح ضواحي المدينة في الظهور، لم يبقي إلا عشر دقائق لتصل السيارة إلي مدخل المدينة، أخرج العامل المصري علبة السجائر وسحب سجارة وضعها بين شفتيه أشعلها ومصها بنهم كبير ثم بدأ ينفث الدخان علي فترات متوالية، وكزه العامل الأسيوي الجالس بقربه و أومأ إلي إشارة منع التدخين الملصقة علي أسفل الزجاج الأمامي للسيارة ليلفت انتباهه لعله لم يرها أو نسيها.. ؟ ؟
نظر العامل المصري إلي العامل الأسيوي نظرة إستهجان وإستغراب وسخرية وعلي صوته ضاحكا..
إيه يعم.. في إيه.. يعني إيه علامة ممنوع التدخين.. موجها كلامه إلي صاحب التاكسي.. معلش يعمنا إحنا لينا ساعة وربع ما دخناش كلها ربع ساعة ونوصل.. معلش ياخونا موجها كلامه لعموم الركاب الذين ربما لم يفهموه بإستثناء محمد الذي كان يكره الدخان ورائحته ولم يكن راضيا علي سلوك و فعل العامل المصري ولكنه علي مضض لم يعلق، ربما لان الرحلة شارفت علي نهايتها أو لان حديثه الظريف المحلي ببعض النكات كان شفيعا له.
فجأة…..
.
.
.
.
. وضع العامل الأسيوي – الجالس في الكرسي الأمامي بجوار العامل المصري – يده في جيب قميصه العلوي
أخرج علبة سجائر، سحب سجارة وضعها بين شفتيه أشعلها مصها بشهوة بالغة واضحة للعيان أخذت منه وقتا أطول من اللازم ربما، ثم بدأ ينفث الدخان بسعادة كبيرة مغمض العينين وقد مال برأسه إلي الوراء قليلا،أعقبها بتنهيدة عميقة أزاحت عن كاهله ثقل الإلتزام والإحترام لإشارة صغيرة موضوعة أمامه طيلة ساعة وربع

مقالات ذات علاقة

عرق..عرق .. عرق

حسين نصيب المالكي

المربوعة

محمد الأصفر

إلى ابنتي المستقبلية

سمية أبوبكر كوري

اترك تعليق