من أعمال التشكيلية الليبية عفاف الصومالي
قصة

محابس الغرس

من أعمال التشكيلية الليبية عفاف الصومالي
من أعمال التشكيلية الليبية عفاف الصومالي

كان الزقاق ترابي وطويل بعض الشئ، وكنا نمر به لأنه يختصر المسافة بين شارعين، على اليمين واليسار بيوت عديدة منها الذي تم ترميمه، تلامس ذلك من الطلاء وزخرفة الألوان على الأبواب والشبابيك وارتفاع سوره، وبعضها قديم حوائطه متهالكة وأبوابها لونها باهت بين البني والأخضر ومن الأسفل بفعل الماء تأكلت أطرافه حتى أصبح بمقدورك رؤية النور المتسرب منها داخل البيت، الدكان الوحيد بهذا الزقاق كان لبائع القاز والفحم المفتوح طوال الوقت، ولأن بيته ملاصق للدكان كان بالأمكان أن تطرق باب البيت ليبيع لك ما أردت.

تمر على كل هذا ولاشئ يلفت انتباهك إلا بيت يقابل الدكان يقطنه رجل أسمر لم أرى يوم عيب واحد في قيافته ونظافته، متقدم في العمر، يتجاوز عمر المرحوم أبي، بدلته العربية والزبون الذي يرتديه كل مرة بلون تشعر أنها صممت لقامته وسماره يزيده بهاء.

كان في العشية يجلس على كرسيه الخشبي الذي يطوى بسهولة أمام الباب وفي يده مروحة سعف لاتبارحه أيام الصيف، كان البيت من أسرار بهجتي الخفية لسبب فكل صباح أجد بابه مشرع على آخره والماء منسكب من “محابس الغرس” التي تملأ وسط الحوش والسقيفة كانت عبارة عن سطول بلاستيك ملونة وألمونيوم، ومنها علب البشكوتي المعدنية المربعة، وكانت صاحبة البيت تتحرك بقفطانها الكتفية الباصمة البارد بحرية في ظل غياب الرجال بهذا الوقت بأعمالهم وزوجها أيضاً. أمام هذا المهرجان الصاخب بالماء والغرس والألوان كنت أتوقف أنا ومن معي من رفيقاتي بعض الوقت تقابلنا بأبتسامتها الودودة رغم بدانتها وعمرها، هناك وسامة غير خفية ترتسم على ملامحها كانت طيبة لم أراها يوم عابسة، كان مروري بهذا الزقاق هي أهم أسبابه لم ألمح يوماً أطفال ببيتها، أكتشفت عند نضجي أنها لم ترزق بهم، وربما هذا ماجعلها تعيش مع غرسها قصة حب نترث بعضا منها إلي.

مقالات ذات علاقة

الكهف

المشرف العام

قلماي ولعنة الكوندودي

المشرف العام

الشيخ حمد

عزة المقهور

اترك تعليق