مدينة طرابلس (الصورة عن الشبكة).
المقالة

حكاية مدينة

مدينة طرابلس
مدينة طرابلس (الصورة عن الشبكة).

قبل القراءة
لم أفكر في نشر هذا الكتاب الصغير إلا بعد أن تصاعد في قلبي خوف مؤكد عليها وكنت قد قرأتها بصوتي في إذاعة طرابلس المحلية تحت عنوان “حكاية مدينة” وبترحيب شديد من الأستاذة فوزية شلابي مديرة الإذاعة والمعروف عنها عشقها لمدينتها طرابلس، وهذا يعني أنه لا فضل لي هنا إلا في إعادة المعروف والمكتوب من تاريخ طرابلس وهو تاريخ يشكل متنا تاريخيا مهما في مسيرة الإنسانية وعلى هذا الجيل وكل جيل قادم أن يقرأ كل الوطن في تاريخه ويبحث عن المجهول منه والمنسي لأن أمة لا تقرأ تاريخها وتحفظه وتنشره لن يكون لها نصيب من مستقبل الأمم المتقدمة…

لا بد من الإشارة
أقول أولا أن الاسم هو اقتباس من عنوان لكتاب مهم وفريد من نوعه ألفه أستاذنا الجليل خليفة التليسي عن مدينة طرابلس، يقول عنه إنه نوع من السيرة الذاتية لمدينة من خلال ما سجله عنها الرحالة الذين عبروا بها من انطباعات مفرغة في إطارها التاريخي. على أن النتيجة الهامة التي أراد الأستاذ خليفة أن يخلص إليها القارئ من هذه الحكاية، هي أن هذه المدينة كانت ذات ماض عريق، ودور إيجابي فعال، كما كانت حاضرة على الدوام في أحداث العالم الإسلامي العريق وتاريخ البحر الأبيض المتوسط…
وإذا كان الأستاذ خليفة قد وصف حكاية المدينة بأنها سيرة ذاتية، فإننا نضيف إلى وصفه وصفا آخر، وهو أن حكاية مدينة رواية تكتبها مدينة عن نفسها، رواية حقيقية في أحداثها، وحقيقية في شخصياتها، وفي النهاية هي حقيقية في تاريخها، فقد مر بها مستكشفون ورحالة وصحفيون ومسافرون، عربا ومن غير العرب، رجالا ونساء، منهم من أطل عليها ومضى، ومنهم من سكنت فيه فبادلها عشقا بعشق، وبتنوع العلاقة مع كل منهم، فلم يغادروها حتى كتبوا ما رأوا وما سمعوا منها من حكايات وأحداث مرت عليها، إذ لم تكن خرساء رغم المحن التي مرت بها، تحدثت إليهم بلغتها وتحدثوا إليها كل بلغته، وكانت تفهم لغاتهم،لكن أيا منهم لم يستطع الإحاطة بها، وكانت صادقة ولم تخف حقيقتها، لذلك جاءت كتاباتهم عنها رصدا إنسانيا لثقافتها وحضارتها، وكأني بها في الرواية هي الشخصية الرئيسية التي تدور في فلكها كل الشخصيات، أو كأني بها سيدة أسطورية وحقيقية في نفس الوقت ومن لحم ودم، تأسر قلوب من دخلوا حرمتها فيغادرونها وبهم وهج من قدسيتها. كتبوا عنها وتغنوا بها إلى حد الهيام…

هذه هي طرابلس..أم المدن.. عشق في القلب لا يزول، يشيخ الزمان ولا تشيخ، ودائما هي في قلب العنفوان، مر عليها الغزاة من كل جنس ومن جهات الدنيا الأربع، لكنها غيبتهم تحت موج بحرها وبقيت هي تمتلك خلود أيامها…
طرابلس، فيض من ورد ونرجس وزهر وريحان وفل وياسمين.. هذه صفحات من حكايتها.. حكايتها التي كتبتها منذ عصور موغلة في البعد ولا يعرف أحد مداها.. نتابع حكايتها فيما هي تزين أيامنا نحن أولادها بعطر حنانها وما أعظمه من حنان.

مقالات ذات علاقة

مقالتان قصيرتان.. توتر العقل

محمد دربي

طاسة مُرَّة

عبدالرحمن جماعة

صوّر يا صوّار!

سعاد سالم

اترك تعليق