في الثامن عشر من أبريل التي توافق اليوم الخميس تحل الذكرى الثالثة عشر لغياب “عميد العرب” الحاج أحمد الصالحين الهوني، وهي للأسف تمر في ظل ظروف استثنائية تعيشها ليبيا والمنطقة العربية، طالما حذر منها.
ومن المهم ونحن نواجه هذا الواقع المرير واختلاط المعايير، أن نستحضر تلك القامة التي اجتمعت فيها المواقف النبيلة والكلمة الوطنية ، كونه مثل أحد أبرز رواد الصحافة العربية وعميدها. وحارسا صلبا لأحلامها ، من أجل أن تأخذ دورها الذي يليق بها تاريخا وحاضرا ومستقبلا.
ومن أجل هذا الحلم الممتد الذي هو حلم كل المتطلعين لمستقبل أفضل لشعوب هذه المنطقة ما بين ماء الأطلسي والخليج العربي الباحثين عن صحافة تكسر نمطية السائد كمشروع تنويري عربي وحدوي يتجاوز الحدود المصطنعة إلى الفضاء العربي الرحب الممتد من الماء إلى الماء ومن تخوم سوريا العرب حتى أقاصي الصومال في إفريقيا كانت “العرب”.
ولأن الصالحين الهوني كان صاحب مشروع كبير ،وأحلام كبرى ، ولأنها كذلك فمن الطبيعي أن يكون الحاج الصالحين هو الرائد لبدء هذا المشروع ومتابعة الحلم ، فمن كان غيره يصلح لبدء وخوض ذلك المسار، لذلك راهن على العرب كأمة، ومن ذلك الرهان اشتق اسم من اسم هذه الأمة عنوانا لصحيفة ” العرب” ورؤية تتجاوز بالتأكيد الشكل إلى المضمون لهذه المؤسسة التي ما تزال تواصل عطاءها ومشروعها الإعلامي ومواقفها الأخلاقية منذ أكثر من أربعة عقود، وتصر على مواصلة رهانها، ديدنها في ذلك أفكار المؤسس وإيمانه بالمشروع وجدواه ومحاذيره.
وكونه كان قارئا مبدعا للواقع وعلاقته بالمستقبل رأى في الإعلام الوسيلة الحرة والأداة الفعالة التي تبني إرادة الشعوب، وكانت مؤسسته أول مؤسسة عربية إعلامية حقيقية خارج العالم العربي. وسرعان ما جاءت مبادرات من بقية الدول العربية لينفتح أفق الإعلام الجديد وتتأسس المحطات الفضائية ومواقع الإنترنت.
وإذا كان صحيحا أن الحاج أحمد الصالحين قد توفي في تونس في 18 أبريل 2006 ودفن في طرابلس، ليبيا، فإن أصحاب المشاريع التنويرية الكبرى والأحلام الكبرى يبقون منارات تشع بما أسسوا له خلال مسيرتهم من وقائع وأفكار وأجيال تشربت عن وعي تلك المبادئ والأحلام العظمى التي بنى صرحها الحاج أحمد الصالحين الهوني خلال رحلته التي بدأها . كوزير إعلام في آخر حكومتين في العهد الملكي في ليبيا (حكومتي عبد الحميد البكوش، وونيس القذافي). وإرثه في جريدة العرب التي شكلت منذ تأسيسها مدرسة مر بها عشرات الصحفيين المحترفين الذين بعد مغادرتهم الصحيفة صار لهم دور بارز في الجرائد التي صدرت لاحقا للصحيفة اللندنية.
ومن ثم فإن رحيله لم يحل دون استمرار أفكاره وتصوراته للواقع من خلال جريدة العرب التي تحولت إلى مدرسة إعلامية، ولاشك أن الجيل الذي يواصل مسيرة الحاج الهوني اليوم في “العرب”، وخارجها، هو جيل تتلمذ في مؤسسة العرب.
ولعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا إن مثل هؤلاء الرجال الكبار أصحاب الهمم والمشاريع والأحلام الكبرى لا يموتون فهم حاضرون معنا وفينا لأن القيم العظيمة والنبيلة التي كانوا يجسدونها، والتي بالتأكيد جسدها الحاج أحمد الصالحين الهوني .. تلك القيم أبدا مستمرة لا تموت.