المقالة

يوم الزّي الليبي

الزي الليبي التقليدي

وقوفا وجلوسا، فرادى ومجموعات، فى ميادين وأزقة وحدائق عامة، وقاعات مؤسسات تعليمية، ومسارح، أصطف وتوزع فيها، نساء ورجال وأطفال، جمهور متباين الأعمار مُتباهٍ بألوان زاهية وتفاصيل منسجمة متناغمة لأنواع من الأنسجة والأثواب الحريرية والصوفية والكتان زينت أجسادهم، بأجمعهم التقوا على موعد وحدَهم فى جغرافيا ليبيا مدن وأرياف ممتدة شرقا وغربا ووسطا وجنوبا، وبعض الجاليات بالخارج، هكذا ملء السمع والبصر طلعت صورهم فى متابعات موسعة بوسائل الأعلام المحلية التى فاجأت إحداها (قناة 218) بارتداء كل مذيعيها الزى التقليدي، وجاءت العناوين فى مواقع دولية كرويترز والشرق الأوسط وسبوتنيك الروسية التى انتبهت لحضور النساء فى ميدان الشهداء وقصر الملك بطرابلس، وعلى آلاف من صفحات مواقع الفيس والتويتر والانستغرام معلنة مشاركتها فى يوم الزى الوطنى 13 مارس، مَثّل يوم عيد توافق الليبيين عليه فى أول مناسبة تاريخية يقررونها بما أتيح لهم عقب ثورتهم فبراير 2011 م، مناسبة ويوم احتفاء يترسم توكيدا لهويتهم، والتفافهم معا لجماليات تراثهم المتنوع والممتد فى الزمن.

جاء احتفاء هذه السنة لافتا للانتباه فى الإصرار على توكيد إقامة المناسبة على مستوى ليبيا، حتى أنى حين تلقيت مجموعة من الصور أرسلتها لى عائلتى بطرابلس تعرض لابنة أخى بروضتها رفقة عشرات من رفيقاتها مرتديات الزى فى تنويعاته الجميلة، أحلتها وغيرها إلى زميلات عربيات بمجموعة على الواتس أب أغلبهن أشرن إلى أول عهدهن بمعرفة مُقارِبة فُرجةً لزى نساء ليبيا التقليدي، وعلقت كاتبة من اليمن واصفة الصور أنها «زينة أهل البلاد» مُشيدة بتعدد ألوانها، بل إن زميلة صحفية من تونس لامت نفسها إذ انتبهت لبعض تشابه فى لون «رداء» وطريقة ارتدائه بالغرب الليبى حيث مثيله بالجنوب التونسى الذى تنتمى إليه، وصرنا نتبادل أسماء الحلى والإكسسوارات الفضية الملحقة بالزى وحصل أن تشابهت أيضا بعض أسمائها، ما ذكرنى بالرائدة خديجة عبدالقادر فى كتابها «ليبية فى بلاد الإنجليز» حين ارتدت فى لندن سنة دراستها هناك ديسمبر 1961 الزى الليبى فأثار إعجاب زميلاتها ببيت الطالبات من دول العالم، فوصفت ذلك: «كم تأملن خيوط التل المفضفضة التى تتخلل الرداء فى خيوط متقاربة هندسية، وأزرار الفضة المذهبة التى تزين القطيفة السماوية،لقد رأين فى ملابسنا الوطنية يد الشرق التى عُرفت باللمسات الفنية فى الألوان والزخرفة والخطوط والتصاوير».

فى الصور التى أظهرت سيلا من الأزياء التقليدية المتنوعة لمناطق ليبيا ومكوناتها من التبو والطوارق والأمازيغ اجتمعت بزهوة ألوانها فى المكان الواحد كما احتفال جنوب ليبيا (سبها)، وقد أبانت من جهة عن محاولات الحفاظ على تقليديتها واسترجاع قديمها، ومن جهة أخرى ما دخلتها من تطويرات حديثة وفق متغيرات العادات والتقاليد والأعراف، فمكون زى المرأة فى طرابلس العاصمة مثلا، والذى ترتديه المرأة فى مناسبات الفرح بأيامه لم يعد قائما، بمتغير جعل يوم الفرح مختزلا بصالة مؤجرة! خارج البيت، تجتمع فيها المهنئات للعروس بأزياء لاعلاقة لها بالزى التقليدي، ففى عقود سابقة كانت النساء المتزوجات الحاضرات لمناسبة العُرس تُخصص زيا ليوم الحناء يقتصر على الثوب والرداء (يُسمى الحولى)، ويوم النجمة تُخصص زيا يسمى «الصُدرة» ويتميز بكثرة تفاصيله ويأخذ وقتا ساعة ارتدائه ليكون متناسقا على جسد صاحبته مع ترتيب قطع من حلى الفضة أو الذهب أعلى الرأس ومساحة الصدر، ويكون للعروس زى يسمى «بدلة الجلوة» ترتديه يوم الجمعة، قاربت أن تغيب كل هذه التخصيصات فى زى النساء التقليدي، كما «الفراشية» وهى قماش أبيض يلف على الجسد من الرأس حتى أسفل القدمين، تتنقل به النساء ساعة خروجها لقضاء حاجياتها أو زيارة الجيران، ويكون من قماش بخيوط حرير «فراشية حرير» عندما ترتديه لحضور مناسبة زواج، الفراشية التى استبدلتها أغلب النساء مؤخرا بالعبايات الخليجية السوداء والبُرقع!، لعل زى الرجال التقليدى «البدلة العربية» لم تدخلها تغييرات تمس أساسياتها، رغم ما يملأ السوق الليبية مؤخرا من نماذج للزى «الخليجي» تماهى معه الشباب، ما أظهر بعض الأصوات التى تنادى بالحفاظ على المظهر العام للزى (البدلة العربية، الفرملة، الزبون، الكاب)، ولعل إقامة يوم للزى التقليدى ولأربع سنوات على التوالى تصب أهدافه فى هذا المنحى، فقد يحصل تطوير للأصل ولكن ذلك لا يشفع استبداله كزى وطنى بزى بلد آخر.

ويقول الليبيون فى أمثاهم الشعبية ما مفاده «كُل ما يُعجبك، والبسْ ما يُعجب الناس»، فى كناية تكشف عن العناية بالذائقة البصرية فى محيطها، فملابسنا فى مواجهة عين كل من نقابل ونتواصل معه، أما طعامنا فمعدتنا وعاءنا الخاص نصب فيه ما نشاء دون علم من نقابلهم ولا حاجة لنا باستشارتهم!.

مقالات ذات علاقة

أمـام البحـر لا يمكـنني الكـتابة.. ثـرثـرة حـول المـعانـاة

محمد الأصفر

رمضان الأفريقي

فاطمة غندور

مستنقع الفقر والجريمة والحرب

يوسف القويري

اترك تعليق