الفنان الراحل محمد حقيق
المقالة

أين ليبيا التي عرفت؟ (15)

محمد نجيب عبدالكافي

سأتحدث اليوم عن موضوع لو اتبعت أهواء نفسي لبدأت به هذه الثرثرة الصادرة من الأعماق، والمعبّرة عن مشاهدات خلال فترة من الفترات المهمّة المؤثرة في حياة الشعوب وهي مرحلة البناء والتكوين، وهي التي خلفت في نفسي جليل الأثر. موضوع الحديث نوعان من أنواع الثقافة، أعتبرهما عمادين من عُمَد نهضة وتقدّم الشعوب، فبهما تُعرف ويُحْكم عليها، وأعني الأدب والفن. وُلِعت بهما منذ طفولتي بحكم البيئة والأجواء التي عشتها فيها، ولم أخرج من بَوْدَقَتِهما لا في الدراسة ولا في العمل الذي، لم يُوسّع لي المجال فحسب، بل أعطاني فرصة الاتصال وربط العلاقات بكبار الأدباء والفنانين أعني الإذاعة أوّل عمل وظيفي دخلت به معترك الحياة.

الفنان الراحل محمد حقيق
الفنان الراحل محمد حقيق

لذا، ما أن أتممت الإجراءات التي كان يفرضها وضعي بليبيا، وزال الكثير من ثقل مسؤولياتي في النشاط الذي أدين له بكلّ ما عشته وعايشته وتعلمته، وأيضا قاسيته في ليبيا، حتى شرعت في التأقلم والانغماس في مجتمعي الجديد، ففتحت بابين هما، الإنساني الاجتماعي العام والأدبي الفنّي، إرضاء للنفس وهواها. من أين أبدأ؟ جوابي عن هذا السؤال نشرته في كتابي: نسالة الذاكرة، فلا فائدة في التكرار لأنّ منه ملّت الأمم. شرعت إذن بالبحث عن رجل، عرف في تونس بالطرابلسي، لاحظته عن بعد وسمعت عنه الكثير فهو إذن غايتي فبلغتها. إنه المرحوم محمّد حقيق الذي، سوف أحجم عن تعريفه خشية المبالغة التي تُمْليها الصداقة والود، لكن سأكتفي بالقول إنه إنسان، وإنه عصامي، فنان بالسليقة، شاعر بالطبيعة، صادق الصداقة، ولغته الإيطالية مدحها أمامي ولي – وهو غائب – إيطاليون مثقفون عارفون. التقينا وتصادقنا فكان دليلي،عرّفني على أغلبية الفنانين القدامى والمحدثين آنذاك. كبيرهم الشيخ مختار فاقون، خزينة الموشحات ووصلات المالوف، ومحمد سليم حامي حمى الطابع الطرابلسي، علي الشعالية رمز اللون البرقاوي، ومدرس الموسيقى والعزف العارف الجمل، وغير هؤلاء من “الكبار”. عرّفني بعد ذلك برموز الجيل الصاعد آنذاك، فتعرفت وعاشرت وصادقت كاظم نديم، محمد الدهماني، سلام قدري، حسن عريبي، محمد الكعبازي، محمد الفرجاني ومحمد مرشان، الوحيد آنذاك الذي كان يقرأ ويكتب الموسيقى برموزها المعروفة بالصُّولفاج أو النوتة.

أما في حقل التمثيل – الذي رقصت على ركحه كثيرا حتى أني مثلت مع الفرقة القومية المصرية إلى جانب أمينة رزق وأحمد علاّم وحديث التخرج من المعهد يومئذ عمر الحريري – فتاريخه – أعني التمثيل – طويل لأن ليبيا عرفته قبل الاستقلال بكثير، بفضل أدباء وشعراء ومثقفين، أسسوا الجمعيات وألفوا وقدموا عديد المسرحيات، بطرابلس وبني غازي ودرنة، أكتفي بذكر اثنين منهم الشاعر أحمد قنابة والدكتور مصطفى العجيلي. أما بعد الاستقلال فقد نما النشاط والإنجاز فسعدت بالتعرف على أبطاله خاصة أعضاء الفرقة القومية، أذكر بعضهم فقط، لضيق الصفحة، قأبدأ باللطيف صاحب الابتسامة الدائمة مصطفى الأمير، والمتحمس النشط محمد شرف الدين، والموهوب شعبان القبلاوي ومن الجيل المتخرج من معهد التمثيل تلميذي وتلميذ الاستاذ محمد العقربي، عمران المدنيني، وطبعا دليلي وصديقي محمد حقيق، ومن لم أذكركثير. كان هذا الجيل الصاعد – مسرحيّا وموسيقيّا – يبحث عن ترسيخ فنّه والصعود به حتى ترفع ليبيا به رأسها وتجلس حيث يليق فنشط وأنجز حتّى جاءت الإذاعة، المؤقتة أو القديمة – كما سُمِّيت – وكانت “هدية” أميريكية، ثمّ الوطنية الحقة فكانت بمثابة النصير للفن والأدب لذا سأخصص لها الحديث القادم إن شاء الله.
بالذاكرة المزيد من الارتسامات. فلي عودة إن طال العمر.

_______________________
* الصورة: الفنان الراحل الحاج محمد حقيق رحمه الله

مقالات ذات علاقة

عندما يتحول الموت الى هدف الانسان في الحياة

أحمد إبراهيم الفقيه

الملحن الليبي علي ماهر، لكل جيل فرسانه!

المشرف العام

الصحافة الليبية بين الحرية والتبعية

خالد الجربوعي

اترك تعليق