كتاب قشر التفاح.
النقد

قشر التفاح.. أو كشكول الفائدة

كتاب قشر التفاح.
كتاب قشر التفاح.

حالما قرأت العنوان، تداعت إلى ذاكرتي عديد الأمور ذات العلاقة بالتفاح وقشره، منها تفضيلي لهذه الفاكهة، وأني لا أكلها مقشرة للفائدة التي تحويها القشور، وكيف إن التفاح يتكرر بشكل كبير في قصص وحكايات الطفولة، والأساطير، وما يمثله من دلالة ورمز في الموروث، وبشكل خاص، وقبل كل شيء، كرمز ديني ارتبط بطرد سيدنا آدم من الجنة.

كشكول

كل ما حشدته وتحفزت به الذاكرة، تبخر مع بداية إبحاري في هذا الكتاب، فما تكشف لي من خلال القراءة أن هذا الكتاب أقرب للكشكول أو الكراس الذي جمع بين غلافيه عديد ومختلف الموضوعات، والأفكار، ومناقشة وعرض لأكثر من صورة ومشهد، في أكثر من أسلوب، كما تضمنت الموضوعات استشهادات واقتباسات عميقة، اختيرت بعناية وقصد.

تنوعت مادة الكتاب، بين السرد أو الحكي، والنقل، لذا قسم الكتاب إلى مجموعة من الأبواب، بدأت بالرحلات، والتي افتتحها الكاتب “د.محمد الخازمي”، برحلة في البر، وتحديداً وادي (سوف الجين). إذ أسهب الكاتب في وصف الاستعداد للرحلة والتجهيز، كما لم يغفل ذكر بعض التفاصيل التي تخص الأمكنة، والوقوف على بعد العادات والمعتقدات الاجتماعية، التي تناقلتها الأجيال وصارت جزءأ من الموروث الثقافي للمنطقة.

والملاحظ أن الكاتب نقل ما يحدث بأمانة ودون تدخل، فهو لا يعلق ولا يحاول التفسير، إلا بما تقتضي الضرورة، مما يعكس انجذابه، وهدفه الاستمتاع وإمتاعنا بالرحلة.

الفصل الثاني في الكتاب، جاء بعنوان (قصص قصيرة)، ويجمع فيه الكاتب 6 قصص قصيرة، مما سمعه وروي له، والقصص الـ6، تحمل بعداً اجتماعياً، وتربوياً من خلال الدروس والعبر التي تحمل، والمعاني التي تريد إيصالها للقارئ، ولعل قصة (التاكسي والملح)، تقدم صورة واضحة وكاشفة عن المجتمع الليبي، ومناطق الضعف والخلل فيه، والتي تجعله مجتمعاً هشاً تسري فيه الإشاعة، كما النار في الهشيم.

في الفصل الثالث يختار الكاتب طرائف (من الأدب الشعبي)، يتوقف عندها وعند دلالاتها الثقافية، وأثرها الاجتماعي. ومن الطرائف التي توقف عندها (الغربال)، في دلالة عن الخفة والضعف، والجهل.

في (ومضات)، الفصل الرابع، يعرض الكاتب لمجموعة من الإدراجات، والتي بني أغلبها على نواة؛ حدث أو قصة، أو سيرة، بهدف تقديم فائدة في شكل عبرة، أو حكمة، أو فكرة، من مبدأ الاستخلاص، فعلى القارئ الوصول للمعنى، كما في (قشر التفاح)، التي عنونت الكتاب، وهي عن الشيخ “الهادي الزروق”، عندما أخبر عن فائدة قشر التفاح، وكان يأكله مقشراً، فكان يقول، لمن يعلق: كلها أنت إذن!!!، والقصد؛ دعني وشأني، والنهي عن مراقبة الغير، والتدخلات في شؤون الآخرين.

في الفصل الخامس، يكشف الكاتب عن ملكته الشعرية، في كتابة القصيد العربي، ففي (ردود شعرية) يعرض لثمانية نصوص شعرية توزعت بين القطعة والقصيدة في الطول، وهنا نكتشف شاعراً رقيقاً، لطيف الصور، يختار مفرداته بعناية، ويهذب أبياته ويعتني بتراكيبه، وهي لا تخلوا من طرافة وهي تأتي استجابة لمبادرات أو معارضات، أو لوصف واقعة، وهنا تقرأ:

إن الشواء لمن تمرد سنة

لا تأكله تناولت ولا سردينيا

وأثر الفواكه للجسوم مفيدة

لكن نفسي آثرت بازينا

فامضوا عليكم رحمة من ربكم

إني تركت مخلفا وحزبها

يختم الكاتب بفصل يجمع فيه مجموعة من (المقالات)، التي تلخص لبعض التجارب الشخصية، وتعكس علاقة الكاتب بشخوصه.

قشر التفاح

هذا الكتاب، وكما يوضح الكاتب محمد الحازمي في مقدمته، هو في الأصل مجموعة من الإدراجات التي نشرت عبر فضاء الإنترنت، من خلال منصة التواصل الاجتماعي الفيسبوك، والتي رأى من باب الفائدة إعادة نشرها ورقيا، وهو أسلوب يعتمده بعض المدونون، من إعادة نشر التدوينات المنيزة، أو سلسلة التدوينات التي تناقش مسألة أو مجموعة من القضايا.

الإدراجات التي تضمنها الكتاب، تجمع بعض ميزات الكتابة لمنصات التواصل، أو التدوين على الفيسبوك:

أولى هذه الميزات، القصر، والقصد قصر مادة المنشور، والتي تلبي حاجة القارئ، الذي يتجاوز المنشورات الطويلة، ولا يحفل بها، إلا المتخصص والباحث.

ثاني هذه الميزات، الطرافة وروح الفكاهة التي  يحتاجها المتصفح الأسرية والترويح.

ثالثا الدفقة العاطفية، والتي تمس وتحرك شعور القارئ، وتشده.

الأمر الذي أراه يميز ويعل للكتاب فائدة إضافة، اللغة التي كتبت بها مادة الكتاب، والتي جاءت لغة سلسة، صيغت مفرداتها بعناية، تعكس اهتمام الكاتب وحبه لهذه اللغة وجمالها.

قشر التفاح، هو كشكول مليئ بالحكم والعبر والطرافة، سيكون من الجميل قراءته، والاطلاع عليه، وقد أفلح الدكتور محمد الخازمي، في اختيار موضوعاته، من بين منشوراته الفيسبوكية.

___________________

* قشر التفاح (د.محمد الصادق الخازمي)، مكتبة طرابلس العلمية العالمية. الطبعة الأولى، 2018.

مقالات ذات علاقة

(سُحُبُ المارنج) تتهاطلُ في درنة

يونس شعبان الفنادي

في (صراخ الطابق السفلي) للدكتورة فاطمة الحاجي

مريم سلامة

“أنت حلمي” رواية ذات لغة شعرية راقية

المشرف العام

اترك تعليق