أين ليبيا التي عرفت؟
المقالة

أين ليبيا التي عرفت؟ 1

محمد نجيب عبدالكافي

أين ليبيا التي عرفت ؟
بقلم محمد نجيب عبدالكافي

استاذنا محمد نجيب عبدالكافي، ليبي بالرضاعة، ولد من أم زليطنية من ليبيا، وأب صفاقصي من تونس. تعلم الوطنية على يد خاله المناضل التونسي المعروف على الزليطني، فى شبابه عرفته الاذاعة التونسية مذيعا وكاتبا للنصوص والاغانى وممثلا، فى بداية الخمسينات هرب إلى ليبيا لاجئا سياسيا، يحمل على كتفيه حكما بالأعدام كان شاهدا على تجربة فريدة، لميلاد دولة من العدم. عمل فى التدريس فى المدارس الثانوية فى كل الزاوية وطرابلس، وتخرجت على يديه أجيال واعدة، كان للبعض منهم دورا قياديا فيما بعد.فى طرابلس واصل نشاطه الاذاعي والصحفى، وفى جريدتنا الحرية شرفنا بألكتابة والترجمة. بسقوط النظام الملكي واصل رحلة اللجوء وحط به الترحال فى العاصمة الإسبانية مدريد، مدرسا وكاتبا ومراسلا صحفيا ورئيسا لنادي الصحافة الدولية، وعرفته المنتديات الثقافية محاضر ومحاورا، صدر له اكثر من عشرة كتب بالعربية والاسبانية والفرنسية والانجليزية، منها خمسة كتب عن ليبيا، ولا زال يواصل نشاطه نجما متألقا وكاتبا مبدعا متواصلا مع جذوره.حديث استاذنا عن ليبيا التي يعرفها ممتع ولقد وافق مشكورا ان ننقل لكم بعضا منه. 

” المهدي يوسف كاجيجي “

أين ليبيا التي عرفت ؟ 1

عرفت ليبيا فقيرة لكن نزيهة شريفة ، ثمّ أثرت. عرفتها قليلة المعرفة ، لكن للعلم طالبة فتعلّمت. عرفتها محتلّة لكن شامخة ، فتحرّرت. عرفتها طيبة مسالمة ، فأحبها الجميع. عرفتها مُسيَّرة مقادة ، فباللين أخذت مقاليد أمورها. أين هي ليبيا التي عرفت؟ دخلتها ومداد وثيقة استقلالها لم يجف بعد. جئتها لاجئا فرارا من حبل المشنقة فوجدت الترحاب ، والكرم وحسن الضيافة. أبهرتني عاصمتها الأولى ، طرابلس ، لؤلؤة المتوسط – كما سمّوها – فأعجبت بجمالها ونظافتها – أنظف العواصم المشرفة على المتوسط – وأعجبني حسن تنسيقها ، درّة من درر المعمار. عرفت عاصمتها الثانية ، بني غازي وهي ترمّم ما دمرته جيوش المحور والحلفاء ، فسرعان ما نهضت وازدادت جمالا ورونقا. عرفت عاصمة الجنوب سبها ، فوجدت التاريخ فيها رابضا ينتظر التحريك ، فتحرّك. عرفت درنة مشعل الثقافة ، ومصراطة ونزاهة التجارة والاقتصاد فمكثت أعواما طويلة أستنشق عبير الحناء والزهر وأرفل معتزا بشعب متواضع بشهامة ، محتاج لكن بجود وكرم ، طامح عامل لتحقيق طموحاته ، فحققها. لم يمض سوى عقد أو أقل حتى تغيّرت الملامح والمعالم. أصبحت جميع مقاليد الأمور بأيدي أبنائها حديثي التخرج فشمروا عن سواعدهم فأداروا وعمّروا وبنوا وساروا نحو التقدم بخطى أدهشت العدو والصديق.

بشائر:

بشائر النهضة لاحت لماعة براقة في الأفق فسرعان ما تحسّن الهندام ، وسلمت اللغة، وكثر التعامل ، ودخل التحضر والتقدم دون مساس بالهوية ، أو ضياع للشخصة ، أو نكران الأصالة التربوية. أكبر الأدلة رأيته في الفتاة مثلا ، بعد أن كانت قابعة تغزل وتنسج أو تحكي وتثرثر ، خرجت بزي جديد في سفور محتشم وأدب مرتسم وأخلاق لا تُذم ، تتكلم بلغة لا هي الفصحى ولا اللهجة المبتذلة فكبر الأمل واشتد في أمهات المستقبل وسلامة ما ستنجبن وترعين.

أخلاق وأساليب:

كنت يوما أقود سيارتي وما أن تجاوزت مفترقا حتى صفر لي شرطي المرور فأوقفت السيارة. جاءني وحياني بأدب وقال: عبرت والنور أحمر. فأجبته بالنفي أو على أكثر تقدير عبرت والنور أصفر. وأضفت: على أية حال جائز ما تقول لأني ، والحق يقال كنت هائما سارحا في أفكاري ، فقال بأدب وابتسامة خفيفة: “ركز فكرك وتنبه يا استاذ فحياتك عزيزة علينا.” ثم حياني فانصرفت مفضلا مخالفة مهما ارتفع مبلغها أو صفعة مهما اشتد وقعها ولا هذه الطعنة المؤدبة الرقيقة اللطيفة. أين ليبيا التي عرفت ؟

للحديث بقية إن طال العمر.

_________________________________________

* الصورة التقطت في حفل مئوية الشيخ المصلح سيدي محمد علي السنوسي يوم 17-9-1956. في صدر الصورة الشيخ الطاهر باكير والي طرابلس. الصف الثاني من اليسار محمد نجيب عبد الكافي السيد سالم الصادق وزير الصحة، الشيخ أبو الربيع الباروني أحد الأعضاء السبعة الذين مثلوا طرابلس في اللجنة التحضيرية للجمعية الوطنية. في الصف الثالث الأستاذ أحمد الحصايري أديب وإذاعي تولى وزارة المالية

مقالات ذات علاقة

انعدام الحماية والتحالف الموضوعي

عمر أبوالقاسم الككلي

الضحك والنسيان: جلالة الاستقلال ومهابة الملك

أخذوا الفديَة وتركُوا لنا إيبُولا…!

المشرف العام

اترك تعليق