التشكيل والسينما
طيوب عربية

التشكيل والسينما..تبادل نفعي مثمر

صحيفة أوكر

تحولت روائع الأعمال التشكيلية على مر التاريخ إلى مشاهد سينمائية وبعثت فيها الحركة وحررتها من الجمود، وتاريخية التجربتين تؤكد المنفعة المتبادلة بينهما، ولنا المكتبة المرئية خير شاهد حيث نجد العديد من اﻷعمال السينمائية مستوحاة من لوحات عالمية فيلم الفتاة ذات القرط اللؤلؤي الذي يتركز كليا على زيتية فتاة قرط اللؤلؤ للرسام الهولندي يوهانس فيرمير وغيرها، لكن إذا كانت السينما امتدادا للوحة المرسومة فلماذا يا ترى انتشرت الأولى واتسعت رقعة جمهورها بينما بقي التشكيل حبيس الجدار، وماذا أفرز التعاون بين التشكيل والسينما، هذه الأسئلة وغيرها توجهنا بها إلى عدد من الفنانين ومخرجي السينما فكانت إجاباتهم كالتالي:

التشكيل والسينما
التشكيل والسينما

السينما حولت الصورة من الثابت إلى المتحرك

تؤكد الفنانة التشكيلية المصرية د.نوى حسن وجود علاقة متجذرة بين الفنون التشكيلية والسينما وترى أن:” العلاقة القائمة بين السينما والفن التشكيلي تعد من الحقول الدراسية الشاسعة التي عرفت نجاحا باهرا منذ العقود الأخيرة حيث أن كل أشكال الفنون التشكيلية ( نحت – رسم – تصوير -هندسة )، ارتبطت بالسينما منذ النشأة الأولى لها حين ارتبط تطور الابداع السينمائي مع التطور الحاصل على المستوى التشكيلي وإذا تحدثنا عن المدرسة الانطباعية فإننا نتحدث فى المقابل عنها داخل السينما، وكما اقترن مصطلح السيريالية بكل من التعبير السينمائي، وبتنا نتحدث عن الفن المعاصر فى كلا الحقلين فهذا الفن السابع استطاع أن يحوي فى ثناياه وشرائحه كلا من الصوت والصورة والتشكيل والديكور وغيرها من التقنيات والفنون الأخرى إلى جانب الأداء التمثيلي كفعل حركي، ولقد انطلقت السينما مع الفانوس السحري فى القرن السابع عشر حوالى سنة 1659 على يد الفيزيائي والفلكي كريستال هيجنز، واستطاعت السينما طوال أكثر من قرن من الزمان أن تضم كافة أنواع الفنون والتقنيات، كما استطاعت أن تقدم وجباتها المدهشة الأمر الذي دفع النقاد والباحثين إلى تسميتها بالفن السابع باعتبار أنها صناعة تشمل كافة الفنون و أيضا التكنولوجيا التي تطورت بسرعة هائلة ومن بين هذه الفنون السبعة التي عزز تأثيرها هو التصوير الزيتي أو ما يعرف باسم الفن التشكيلي المتمثل في اللوحة الفنية التى يضع فيها الرسام تصوره للعالم من خلال الفرشاة وأدوات التشكيل ولهذا السبب تم ابتكار شاشة العرض الفنية من هذا التكامل بين الرسم والتشكيل والضوء حيث خرج الفانوس السحري الذي انطلقت منه السينما للبحث عن الحركة وعن محاكاة الواقع، حيث أن الإحساس بالحركة وتجاوز الثبات إلى جانب الزاوية والحجم تأتي ثالث الركائز وهي اللقطة السينمائية، لا توجد فقط العدسة والممثل بدل استطاعت السينما أن توجد بينهما عنصرا جديدا وهو اللقطة التي يتم بناؤها وتشكيلها كلوحة إذ أن العدسة وحركة المضمون الدرامي هي وسيلة هذا الفن للتعبير، فقد تعدد فى فن السينما المدارس والاتجاهات والتيارات كما في الفن التشكيلي وفي النهاية اخترعت آلة تحرك الصورة وتحولها من الثابت إلى المتحرك فقد أثر الفن التشكيلي فى الإحساس باللون والعمق فى الصورة أيضا فى مجال فن الديكور والإضاءة بالليل والنهار أيضا الإضاءة الصناعية.

التشكيل يرسم اللون والسينما ترسم الضوء

وها هو المخرج المسرحي الليبي أحمد إبراهيم حسن يؤكد العلاقة المترابطة حيث يرى أن:” الحركة هي أساس السينما، ومن الحاجة للتحرر من جمود الصورة وجدت السينما حيث يمتد ذلك إلى بداية ظهور الرسم في التاريخ الإنساني والتي نجد فيها رسوم الكهوف للإنسان الأول الذي عبر برسمه أثناء بحثه عن الحركة فقد كان يلتقط بعينه ويرسم بيده طبيعة الحركة للكائنات من حولة كحركات الصيد والحيوان ونحوها، وهذا الأمر يدعونا للاعتراف بوجود الترابط القوي بين اللقطة واللوحة المرسومة فكلاهما رسم إلا أن السينما ترسم بالضوء بينما يرسم الفن التشكيلي اللون، وفي كليهما نجد أن الضوء يمثل عنصرا جوهريا، ويمكن إسقاط هذا على الخط والكتلة والفراغ فكل واحد منها يعطي القوة الإيحائية والدلالية للقطة كما في اللوحة، وكما يقود الرسام نظر المتلقي داخل لوحته يقود المصور نظر المشاهد للقطة، وفي الحركة التتابعية البنائيه للحدث في الفيلم يمكننا بوضوح رؤية اعتماد السينمائي على المونتاج بنظريتيه الشهيرتين البنائيه والذهنية ونقصد بالذهنية هنا نظرية أينشتاين فهناك نوع من المونتاج يعتمد على التشكيل في انتقاله من لقطة لأخرى على سبيل المثال بفيلم المومياء للتشكيلي المصري شادي عبد السلام تظهر قمة الهضبة أو الجبل على شكل رأس ينتقل منها للقطة لرأس الممثل بنفس تكوين اللقطة السابقة ودرجة حرارة ألوانها وإضاءتها وهو مايعرف بالمونتاج التشكيلي ونجده في جل التجارب السينمائية السريالية كما عند الرسام الشهير سلفادور دالي، وأغلب مخرجي الموجة الحديثة والمجربين في مضمار الفنون الفرجوية من التشكليين عثروا على عناصر أغنى تمنح خيالاتهم الحركة مع الحفاظ على قيمتها التشكيلية زيادة في التأثير والإيهام أما في المسرح فنجد أن الأمر لا يختلف كثيرا وسيما أن المسرح هو أبو الفنون ولا غنى عن الفن التشكيلي في تأثيث فضائه وفي السينوغرافيا بصفة عامة، ولقد تأثرت كل الفنون باتجهات بعضها البعض في مذاهبها الجمالية المختلفة سيما الحديثة منها فقد يبقى الممثل هو العنصر المتحرك داخل لوحات تنبض بالحياة في صياغة تعتمد على وجهة نظر منتجها ﻹيصال قيم العمل الفني الفكرية والجمالية والعاطفية في وحدة فنية متماسكة ومتجانسة.

السينما ظهرت بعد التشكيل لكنها سبقته في الوصول

كما شاركنا المخرج التلفزيوني العراقي صباح رحيمة الحديث عن جدلية هذه العلاقة حيث رأى أن “إذا كان الرسم بواسطة الفرشاة والألوان فإن السينما تخط صورها بواسطة الضوء الملون كما أها تبني عملها على الصورة الواحدة
(الفريم ) وهذا الفريم يجب أن تنطبق عليه كافة مقومات نجاح الصورة من تكوين وبناء وتوزيع ضوء أو لون وكتل فحركة الفيلم في ٢٤ فريم في الثانية تولد حياة واستمرارية في تدفق الصور وإن أي خلل في التكوين سوف يظهر حاله حال اللوحة التشكيلية الواحدة فهو فن سرد اللوحات وتعاقبها لابد وأن يكون المخرج فناناً تشكيلياً ليس بالضرورة أن يقدمها بالفرشاة وعلب التلوين بل بالضرورة أن يقدمها عبر أدواته في البيئة الفنية المتاحة والألوان ومقومات بناء اللوحة، وهكذا هو المسرح الذي هو عبارة عن ميزانسيز تتحرك في داخله الكتل ويبدو للمشاهد على أنه إطار لوحة تتحرك داخله الأشياء فنجاحه يتوقف على حسه العالي في بناء هذا الإطار ومن ثم مكملات العرض، و يبقى التشكيل عالم جميل على العاملين في حقل الإخراج السينمائي والمسرحي والمخرج التلفزيوني بشكل عام عادة ما يكون على الأقل متذوق للفن التشكيلي ناهيك عن متابعته أو ممارسته وأفضل المخرجين الذي أدهشوا العالم في التكوين هم الرسامون الذي قدموا أعمالا سينمائية أظهروا من خلالها العديد من الحكايا والقصص كما ابتكروا شخصيات واستوحوا أخرى من اللوحة التشكيلية واستثمروا مفرداتها في نتاجهم الفني وفي السينما أذكر منها أحدب نوتردام، عطيل ودزدومونة، أوفيليا وشايلوك فضلا عن مسرحيات شكسبير الشهيرة والتي حفزت العديدد من الرسامين لخلق لوحات تشكيلية غاية في الجمال.

وأضاف:” المسرح والسينما هي التي استفادت من الفن التشكيلي من خلال الأسبقية في زمن الظهور ولقد استغل الإنسان عملية تتابع الصور الفوتوغرافية في السينما، فعلا نحن نرى تقدما ملحوظا للسينما عن الفنون التشكيلية بحكم عوامل كثيرة لعل أبرزها هي أنها تحاكي الإنسان في همومه ومشاكله، وذلك من خلال المشاهدة الجمعية أيضا الاقتراب والتفصيل الذي يصل للمتلقي دون عناء وهو جالس في مكانه وأمور أخرى ساعدت في دفع عجلتها، بينما بقيت اللوحة حبيسة العلبة في المشاهدة ومنها ما يحتاج إلى شرح وتوصيل ومهما يكن فإن ثقافة المجتمع تمثل مؤشرا للتواصل والتفاعل مع الفنون، ومن جانب آخر نرى أن تفاعل الإنسان مع تقنية جديدة أذهلته وجعلته يرى الأشياء حية أمامه بغض النظر عن الألوان التي لم تشغل تفكيره أكثر من انشغاله بهذا الكائن الجديد الذي يحاكيه في أقواله وأفعاله، كما أن ظهور الألوان أضاف الدهشة مرة أخرى للمتلقي حيث أسهم في تقريب الصورة له بملامح جميلة فما كان منه إلا أن تقبلها بلهفة الجديد في حياته، ومن جانب آخر نجد أن أغلب العاملين في فن المكياج هم رسامون ونحاتون وهذا ضروري جدا ﻷنه يعتمد على قدرة المتميز على التعامل مع علم التشريح ورسم الخطوط لتغيير ملامح الشخصية في الإضافة أو الحذف أو ابتكار شخصية أخرى.

وتبقى اللوحة الفنية أسيرة الجدار في انتظار تعاون جديد ومختلف يحررها ويقربها أكثر للمتلقي.

مقالات ذات علاقة

مقدمةٌ جديدةٌ لابن خلدون

المشرف العام

محظوظ أنا

المشرف العام

الذاكرة.. الإرادة الفاعلة.. الصورة المحيرة: مداخل جديدة للبحث عن التاريخ الهامشي في زمن ما بعد القومية

المشرف العام

اترك تعليق