المقالة

الْبِنَاءُ الْحَقِيقِيُّ لِلذَّاتِ الْعَرَبِيَّة

 

إذا أردتم أن تصنعُوا دُولاً عظيمة فعليكم أولا أن تخرجُوا شعوبكم من دائرة التفكير في الاحتياجات الأساسية والحياتية وذلك بتذليل الصعوبات للمواطنين وتحقيقها لهم في أقصر وقت ممكن، عندها تصبح الدُّول العربية في دائرة التفكير الإبداعي والابتكاري وتنافس العالم فعليًّا تنميةً وتطويرًا له في شتَّى المجالات وعلى كافة الأصعدة، فهذه هي المهمة الرئيسية الفعلية لقيادات الدول العربية.

إقرار واعتبار الاحتياجات الأساسية والحياتية كحق من حقوق المواطنين تكفله الدولة من شأنه أن يرتقي بالدول العربية قياداتٍ وشعوب إلى آفاقٍ لم يتوقَّعوا الوصولَ إليها بتاتا بسبب تبنِّي الأفكار والأنظمة المستوردة فقط والنظر بدونيَّة إلى الذَّات العربيَّة -المنطقة ككُل- مما أعطى الثقة الكاملة للخارج على أنه يريد بِناءنا ورُقِيَّنا وفقدان الثقة بالداخل على أنه يريد هدمنا وانحطاطنا !، بذلك انتقلت المنافسة إلى منافسة العرب للعرب أنفسهم ! ونسوا أنهم في الأصل واحد !، إنَّ ما نلاحظه اليوم في علاقة دولنا العربية ببعضها البعض هو صراعُ الذّات، الصِّراعُ الداخلي للذات العربية.

كيف يعود العرب إلى القمة، مكانهم الطبيعي الذي فقدوه منذ زمن؟، إنَّ حجر أساس الارتقاء هو التواضع وتحقيق الحقوق، وضع الحد الأدنى لمستوى معيشة المواطنين موازنة بالثروات الطبيعية للدولة، تعزيز التعليم وتطويره وإتاحة كافة مجالاته باعتباره حق لكل مواطن تكفله الدولة، تنمية وتطوير المؤسسات العامة وتوسعة نشاطها سنويا لتعزيز العمل بها موازنةً بعدد الخريجين السنوي من جامعاتها ومؤسساتها التعليمية باعتبار العمل حق لكل مواطن تكفله الدولة، وضع الحد الأدنى للرواتب موازنة مع مستوى المعيشة العام في الدولة وتعديل مستوى الأسعار بتفعيل جهاز مراقبة التجار وضبط الأسعار، التأمين الصحي حق لكل مواطن تكفله الدولة وتقوم الدولة سنويا بتنمية وتطوير كافة مؤسساتها الصحية لتغطية احتياجات المواطنين وتقديم خدمات كافة المجالات الطبية، السكن حق لكل مواطن تكفله الدولة وتقوم الدولة بإنشاء المساكن العامة للمواطنين بأقساط على المدى البعيد تماشِيًا مع قيمة دخلهم الشهري لقاء وظائفهم ومهامهم في مؤسساتها العامة، وتتسع الرقعة السكانية للدولة بإنشاء المدن موازنة بازدياد تعدادها السكاني سنويا، هكذا يبدأ الْبِنَاءُ الْحَقِيقِيُّ لِلذَّاتِ الْعَرَبِيَّة.

بذلك نستطيع القول بأنَّ العرب قد بدأوا في وضع حجر الأساس لبنيان عربي قوي ومتماسك، بإقرار أن الاحتياجات الأساسية والحياتية حق تكفله الدولة لكافة مواطنيها، وليس بإقرارها فقط بل بتحقيقها على أرض الواقع وتوزيع هذه المهام لوضعها من أولويات عمل رؤساء الوزراء وتوزيعها على الوزارات كلا حسب جهة الاختصاص لوضعها حيز التنفيذ وتقديم تقريرها السنوي والنصف سنوي حيال ما تم إنجازه منها وإذاعته في وسائل الإعلام، هكذا وعند تحقيق هذه الاحتياجات الأساسية والحياتية تنتقل الذَّات العربيَّة -المنطقة ككُل – من دائرة التفكير في الاحتياجات الأساسية والحياتية إلى دائرة التفكير الابداعي والابتكاري، هذه هي المنافسة الحقيقية للعالم تنميةً وتطويرًا له في شتى المجالات وعلى كافة الأصعدة، هكذا تُصنع الدُّول العظيمة، أقلها من وجهة نظري البسيطة.

_______________________________

ديسمبر / 2017

مقالات ذات علاقة

أوروبا … هل انتهى زمن الرفاهية في أوروبا؟

ميلاد عمر المزوغي

عندما يحكم المثقف – مراجعة

رامز رمضان النويصري

في اضمحلال الشّارع

حسام الدين الثني

اترك تعليق