المقالة

قال لي زكريا !

قال لي زكريا

“أجدني حذراً في الكثير من الأحيان، خصوصاً عندما أتذكر ما تناولته على مائدة الأصدقاء من تجارب. كنت صغيراً، فحرصوا على إطعامي الوجبات الفكرية، بل وصنعوا لي ملعقة لأتناول الزاد وحدي إذا ما طالهم الغياب. من قلوبهم إلى فمي مباشرة، مضغت المفاهيم ببطء. كما وجهوني لأزيل الأشخاص عن الكلمات، ولا أزدرد الوهم. صيروني غاصاً، نعم هم من فعل ذلك. منحوني مجهراً صغيراً لفحص الكوكب، ورسموا لي كوناً يبدأ من حذاء الراهن العطن، ولا يتوقف قرب أفق نَشيع فيه جنازات الزيف لقبورها. في النهاية، تعلمت دفن الجثث بلا مساعدة، وأضحك في النهار التالي بسهولة.”

ذات رصيف، قال لي زكريا: “إذا شعر الكاتب بالوهن، عليه أن يصمت. عليه أن يدون ورقاً ثم يهديه الى القمامة. و عندما يهدأ وتدب الطمأنينة في أوصاله من جديد، يستعيد توازنه، ويصبح صوت عقله عالياً، ويترك عواطفه تنزاح عن منصات الحواس. يمسك الكيبورد من عنقه ويعصره حتى يرضى.”

 قال لي زكريا: “تحت وطأة التعب، سوف تخربش كوناً مظلماً يسحب الناس إلي بالوعه. ولأنهم يحبونك، سيقرأون، أو على الأقل، إذا ما توغلوا في نصوصك قليلاً لإخراس جذوة الفضول، سيتأثرون. غالباً ستحظى بحزمة مجاملات تفرضها سلطة الحرف وبريق انحناءاته، ولكن ظل ما سيأتي من وراء المعنى فجأة، ويخيم على أرواحهم، ويطعنها بلا هوادة في الصميم بكل تربص ممكن. وهم ينزفون تحت جدار سطورك، ستنكسر هداياك الجميلة، وستستحيل فخاً من سلالة الملاعين.”

“تنزوي على البياض، تصنع الأمس على طريقتك الدافئة. تلتقط صوراً جميلة، تتخطى ما يزعج الأنغام اللطيفة المنبعثة في جمجمتك. تصل الحضن بالبسمة، تزين المحيط بالزهور، تضيف رائحة المرح. ولكن… ربما لم يقل الزيكو شيئاً، وأنا ضحية الأشراك القديمة، وحبري نهر من المغالطات لا يصل إلى البحر الأزرق.”

“الشجون ليست هي الحقيقة. بقى النستاليجيون في قائمة المرضى طوال 200 عاماً تقريباً، ثم ضمت معظم أعراضهم النفسية إلى تشخيص الاكتئاب. نهرب من الحاضر لنتعلق بأستار قضت، ونتخطى الإجابة عن أسئلة سابقة بطرح المزيد من الاستفهامات في وجه المستقبل. شاعرية الإجترار تتفادى الوجع لتلهو بكيس العودة. الخشية من الأمل والتلذذ بالإحباط لن تغيرا الغسق. تنجح هذه الطريقة بخفض نوبة المؤشر مؤقتاً قبل انهيار أعمق.”

 “الشوق، الفضيلة، الزغب، الحنين والفقد مشاعر رومانسية آمنة ضمن حدود العقل. عزيزي زكريا، عرفتك مترعاً باليوتوبيا الباذخة. عليك أن لا تنتهي نوستاليجيا، يجب أن لا تنتهي أصلاً، إنها البداية فقط.”

مقالات ذات علاقة

تحية للموسيقار الأستاذ علي ماهر

علي عبدالله

انتظروا الزحف المليوني نحو القدس

عادل بشير الصاري

من غرائب جنوب ليبيا (كاف الجنون) (3)

عبدالعزيز الصويعي

اترك تعليق