أبو بكر بلال لامين
الشاعر محمد المزوغي ظاهرة شعرية معاصرة تستحق الوقوف عندها ودراستها فهو لا يبعد في اعتقادي عن شعراء كبار ليبيين وغير ليبيين اشتهروا في عالم الشعر والشعراء.
المزوغي وغيره من شعراء عرب لم يسمح لهم ظهور شعراء قبلهم ظهروا على حين فترة من شعراء مجيدين إلى تعرف المجتمعات عليهم؛ ذلك أن من سبقهم من أسماء لامعة ظهرت في مرحلة كانت الحياة الأدبية قفرة مجدبة كما أن الإعلام بوسائله المختلفة وبعض السلطات ساهمت في إبرازهم غير أن ذلك لا يعني أن نتاجهم لم يسهم في شهرتهم.
عرفت شعر المزوغي أول مرة حينما شارك أحد أعضاء مجموعة على الفيس بوك قصيدة له من صفحة الشاعر يقول مطلعها:
جاء الربيعُ وما في الأرض من عبقِ
لا البحتريُّ هنا لا وردة الغسقِ
حينما قرأت مطلعها لم أشأ أن أتم بقيتها فقد انتقلت فورا إلى صفحة الشاعر لأطلب صداقته وقد قبلها مشكورا مأجورا ثم أكملتها من حائطه، فلا شك أن قراءتها من المصدر نفسه له مذاق يختلف عن المرور عليها من غيره.
ولا اخضرار إذا مرت خطاك به
قالت غرقت ويحلو ها هنا غرقي
ثم تعرفت على الشاعر الكريم في الماسنجر وعرضت عليه فيما بعد شيئا من محاولاتي المتواضعة فأجازها وسماها شاعرنا شعرا حتى التقيته في منتدى المناضل بشير السعداوي وهو منتدى أدبي ثقافي في طرابلس يقيم في مساء يوم السبت أمسية.
أقام منتدى السعداوي للشاعر الكبير أمسيتين شعريتين استمعنا فيهما إلى أجمل وأروع ما أنتجه الأدب الليبي في عصرنا ورغم أن القصائد التي ألقاها الشاعر على أسماعنا قد قرأناها في صفحته مرات ومرات إلا أن سماعها منه يشعرك بأنها المرة الأولى التي يمر عليك فيها شعر كهذا الشعر، وهذه مزية من مزايا الشعر البديع.
ومما يميز المزوغي أنه شاعر إنسان سخر شعره للناس فسجل أحاسيسهم ومشاعرهم ومعاناتهم وهكذا هو الشاعر ينبغي أن يعيش يومه بكل أتراحه وأفراحه وأن يكون ابن بيئته حتى يستلذ من حوله شعره وتستهويهم قافيته ورويّه.
صحيح أنه قد يبدو لمطالع مثلي أن المزوغي يتحدث عن نفسه مستخدما ضمير الأنا في شعره لكنه لا يلبث إلا أن يكتشف أن ” الأنا ” هذه هي ” أنا القارئ ” وهي أيضا ” أنت ” الذي تقرأ الآن هذه الأسطر وهي ” هو ” الذي سمع أو لم يسمع بالمزوغي وشعره؛ إنه يتحدث عن الناس أجمعين؛ الناس الذين يحسون بما يحس ويشعرون بما يشعر.
ستدرك هذا أيضا حينما تتجول في حقل المزوغي وبساتينه حينما تراه يوظف ضمائر أخرى تدل على الجمع والجماعة فاقتضى السياق والوزن العروضي التنويع فاستخدم الأنا في بستان واستخدم نحن وهم في بستان آخر.
لن تجدني مبالغا ولا مداحا حينما تتصفح صفحة الشاعر على الفيس وتقرأ جملة من قصائده أو أبياتا منها؛ هناك سوف تدرك ما معنى الجمال الذي حدثتك عنه وسوف تلقى ما يعتمل بين جوانحك شعرا.
وحتى أوفر عليك التعب والجهد سأقطف لك من تلك الأزهار ورودا أنثرها هنا بين يديك، لتنظر إلى كل هذا الجمال مودعا في هذه الأبيات.
الحب في الأرض قنديل نعلقه
لكل مرتهن في ظلمة النفق
والحب بوابة الرؤيا لتعبرها
عول على القلب لا تركن إلى الحدق
______________________
يَسْمو عن الحقدِ من تعلو الحياةُ به
لا ينفعُ الحقدَ تفسيرٌ وتأوِيلُ
كلُّ المفاتيحِ منّا الْيَوْمَ ضائعةٌ
وكلُّ دربٍ إلى الأبوابِ مجهولُ
لم ينجُ من كرهنا طفلٌ ولُعبتُهُ
وأيُّ عُذرٍ أمام الطفل مقبولُ؟
شيء من الحبّ كم نحتاج باردةٌ
فينا الأحاسيسُيا نَحْنُ التماثِيلُ
شيء من الحبِّ يا أهلي نلوذُ به
كَمْ قدّسَ الْحُبَّقرآنٌ وإنجيلُ؟!
هذا ابنُ عَبَّادَ في أغماتَ يكتبُ لي:
الْمُلكُ لله والدنيا أباطِيلُ
المرءُ مَا لم يكن حرًّا فلا أحدٌ
والشِّعْرُ مالم يكن حُبّا فتضليل
إنّي وهبتُ دمي للأرضِ تُنْبِتُنِي
حَبّا لتأكلَهُ الطيرُ الأبابيلُ
غداً سنحيا هنا عطراً و قافيةً
يزهو بِنَا الوردُ أو تزهو المواويلُ
نُضِئُ بالله لا شمسٌ ولا قمرٌ
هَيْهَات تخبو لنا يوما قناديلُ
______________________
كُنَّا بهذي الدّارِ شمسَ نهارها
واليوم تَزْعُمُ أننا أغرابُ
هذي يدايَ نقيتان كخافقي
ما فيهما وزرٌ ولا إرهابُ
لا شيء قد حملت حقيبةُ غربتي
إِلَّا الترابَ وقد يُجَلُّ ترابُ
كم رحتُ أكنزهُ ويكنزُ مُدّعٍ
في حُبِّها ما يكنزُ القصّابُ
______________________
لا بُدَّ من طُهْرٍ بحجمِ ذُنُوبنا
تحتاج حتَّى الشمس أن تتطهرا
شيخُ المعرَّةِ مِن وراءِ سُجُونِهِ
وعظيمِ ظلمتها رأى ما لا يُرى
أعمى ولكنْ حين أرسلَ خُطوةً
قَدْ عَلَّمَ الإنسان ما معنى الثرى
______________________
أَطِلْ غِيابَك لا لومٌ ولا عَتَبُ
متى تذكّرَ نايٌ أَنَّهُ قصبُ
ماكنتَ هارونَ لي حتى أعاتبَه
ولست موساك عَنِّي يسكت الغضبُ
هل شاغلُ الناس أجدتْهُ معاتبةٌ
قد عاد والشعرُ مجروحٌ ومكتئبُ
فاطْوِ المكاتيبَ لا وقتٌ لديَّ لِكَي
أزفَّ للنّارِ ما لا يشتهي الّلهبُ
أكاد أغضي حياءً حين أبصرها
فليسَ يسترُ عُرْيَ الأَحْرُفِ الْكَذِبُ
______________________
يَقُولُ لنا التَّاريخُ حِينَ نَزُورُهُ
كَمِثْلِ أُفُولِ الشَّمْسِ لا دَرسَ يُدْرَسُ
يَقُولُ لنا السّفّاحُ: مُلْكُ أُميّةٍ
تهاوى لأنَّ المُلْكَ ماكانَ يُحْرسُ
تَقُولُ لنا أغماتُ قد كانَ فارساً
ولكنّها الأقدارُ أَدْهَى وأفرس
يَقُولُ لنا الشعرُ الذي يَمْلِكُ الرُّؤى
سوى الرومِ رومٌ خلفنا تتمترسُ
تَوغلّ فيناالسّامِريُّ فَكُلُّنَا
– ليُعْبَدَ هذا العِجْلُ – أَعْمَى وَأَخْرَس
وَلَيْسَ هُنَا إلّا المعاولُ هَمُّهَا
مَعَالِمُنَا في هذه الأرضِ تُطمسُ
وكيفَ ندينُ الهادمين وكُفُّنَا
عليهِ غُبَارُ الهدمِ كَفٌّ مُدَنَّسُ
أتسألنا عن حالنا ذاكَ حالُنَا
وقد يحصدُ الإنسانُ مَا كانَ يَغْرِس
______________________
ماهمَّنا أغلقوا الأبوابَ أم فتحوا
حيثُ اتجهنا فبابُ الله مفتوحُ
ألقوا المفاتيحَ في بئر وما علموا
أنّ اليقينَ الذي فينا مفاتيحُ
______________________________