الشاعر الليبي محمد الفقيه صالح
الشـعـر الجـديد يمـتـلك المـغامـرة
عيد عبد الحليم-مصر
الشاعر الليبي محمد الفقيه صالح، ولد عام 1953 بطرابلس، وبها تلقى تعليمه الأول، ثم سافر إلى مصر للدراسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، فحصل منها على درجة البكالوريوس عام 1975. عمل منذ تخرجه بالخارجية، وسافر للعمل في بعض الدول الأوروبية”.
أحد أبرز الأصوات الشعرية الليبية في جيل السبعينات، فهو صاحب تجربة ثرية استفادت من التراث العربي قدر استفادتها من المنجز الحداثي… يعشق مدينة طرابلس ويؤكد أنها حاضرة دائما في القلب والوجدان… كتب قصيدة النثر ولكنه يظلّ ربان بحور الشعر والصوت الآخر للخليل بن أحمد… من إصداراته” خطوط داخلية في لوحة الطلوع”، الدار الجماهيرية ” 1999″، “حنو الضمة، سمو الكسرة” “2001”،”أفق آخر”/مقالات/ “2002”… محمد الفقيه صالح التقيته في القاهرة فكان لي معه ها الحوار.
* كيف تري حركة الشعر العربي الآن؟
– هناك نتاج متعدد ومتميز في كامل أقطار الوطن العربي،وهناك أجيال تتفاعل، وأجيال تنشأ على أمل المشاركة في هذا الزخم الثقافي، لكنها أيضا تعاني من فوضى وعدم وجود مواكبة نقدية مسؤولة ومنهجية كي تسائل المشهد الشعري العربي؛ وتستنطق أبعاده المختلفة وآفاقه، وفي ظني أن غياب هذه الإمكانية النقدية إنما يعبّر من جديد عن افتقاد ثقافتنا العربية المعاصرة الى روح الحوار الحقيقي. الحوار الذي يتأسس علي الجهد العلمي الرصين؛ وعلى النضج الروحي والأخلاقي وعلى حس المسؤولية أمام الضمير أولا، وأمام ثقافة الأمة، ومستقبلها، لذلك نفتقد جميعا للناقد كمرشد يميز بين الغث والسمين، وبين ماينفع الناس ويمكث في الأرض وما يذهب جفاء.
* في جيل السبعينات لم يكن سوى الشعراء هم الذين يقدمون تنظيرات حول تجربتهم فما الفرق بين الحالتين من وجهة نظرك؟
– أوافقك تماما ولعلك تشاركني الرأي في أن كل حركة شعرية وأدبية لابد وأن تخلق نقادها، إذا كانت حركة ذات طموح فني قائم على التمرد والجسارة الإبداعية. كذلك فإن الأجيال التالية التي تساهم في الحركة الشعرية الراهنة والتي تحاول اجتراح كل جديد وعميق، هي أيضا لابد أن تخلق نقادها ومنظريها، لكن لهؤلاء النقاد والمنظرين إذا أرادوا أن يكونوا فاعلين عليهم أن يتحلوا بالمسؤولية التاريخية أمام الضمير الثقافي العام. وهذا بقدر الجهد النظري الذي يتطلب جهدا عمليا ومعرفة بالتاريخ الثقافي العام. وأعتقد أن جيل الستينات نجح إلى حد كبير في إيجاد ركائزه النقدية والإبداعية من خلال دأبه على تأصيل برنامجه وطموحه الابداعي بحسه النقدي للوعي وللتاريخ.
* على مستوى تجربتك الإبداعية، كيف ترى تطور مراحل الكتابة لديك بالمقارنة بأبناء جيلك؟
– أعتقد فيما يتعلق بتجربة السبعينات الشعرية أن هناك مشتركا عربيا يشتمل على الملامح العامة في رؤية وطموح الوعي الجمالي والنقدي لأبناء هذا الجيل في الغالب، إن لم نقل كافة الأقطار تقريبا متزامن ومعبر عن انتقال الثقافة العربية،وفي مقدمتها ثقافة الشعر ضمن قانون عام اهتزت فيه ثنائية المركز والأطراف التي ظلت تحكم القانون الثقافي في المنطقة العربية زمنا طويلا، أعني بذلك أن هناك شرطا تاريخيا عاما شمل المنطقة العربية، نتيجة عاملين أساسيين الأول نتيجة انكسار مشروع الدولة القومية عقب هزيمة1967والثاني يتعلق بسيادة ثقافة النفط وماترتب عليها من انقلاب شامل في منظومة القيم. في ضوء هذه الخلفية استشعرت مع بقية أبناء جيلي وصول الشعرية العربية الحديثة في ذلك الوقت، أي في بداية التسعينات-الى ما يشبه كلاسيكة جديدة من حيث إعادة الانتاج لمنجز قصيدة الرواد، والبحث عن مسارب أخرى للفعل الشعري كتابة ووعيا وتذوقا. في إطار هذا المشترك برزت اختلافات وتفارقات في الشرط القطري لكل بلد تفاعل معه أبناء الجيل بشكل مختلف عن زملائهم في البلدان الأخرى بحكم التنوّع و الاختلافات. وفي ليبيا أتيحت لنا فرص للنشر، بداية من عام 1977 من خلال الملحق الثقافي لجريدتي “الفجر الجديد” و”الأسبوع الثقافي”. في تلك السنوات كان هناك بشارات لظهور إسهامات شعرية وقصصية.
* كيف ترى القصيدة الجديدة “قصيدة النثر”، ولماذا لم تكتبها بشكل مكثف حتى الآن؟
– أنا أرحب بما يسمى بقصيدة النثر باعتبارها محاولة لإثراء الساحة الشعرية العربية، بطرائق ومقاربات جديدة.أعتقد أن هناك العديد من التجارب المميزة التي أضافت للشعرية العربية بشكل فاعل وملموس وأنا شخصيا ليس لي أيّ موقف تجاهها.
أما سبب عدم انخراطي في موجة الكتابة النثرية فليس موقفا منها، والدليل أنني كتبت عددا من النصوص نشرت في ديوانين هما “خطوط داخلية في لوحة الطلوع” و”حنو الضمة سمو الكسرة”وضمنتهما ما كتبته في سنوات الثمانينات والتسعينات. أما عدم انخراطي في نمط هذه الكتابة، فلأنني أستشعر شيئا من الرهبة والصعوبة في الكتابة وفقا لإستراتيجيتها، ولكنني لا أستطيع أن أجزم ما إذا كنت سأكتبها أم لا. كل ما في الأمر أن الشعر حالة ولغة واستكشاف روحي عميق يثري الإنسان أيا كان هذا الشعر كان موزونا ،حسب تقاليد الشعر العربي، أو خارج هذه التقاليد، والمعوّل عليه في هذا الشأن هو الشعر ذاته وليس الوزن من عدمه، بعبارة أخرى القارئ يهمّه ماذا نكتب لا كيف نكتب.
* طرابلس والقاهرة مدينتان لهما أثر عميق في حياتك، حدثنا عن هذا الجانب؟
– فعلا، لا ريب أن للمكان بعمقه التاريخي والإنساني أثره القوي على شخصية المرء فأنا ابن مدينة وسليل أسرة متجذرة في طرابلس، أين عشت طفولتي وصباي في حواريها وأزقتها ومنعطفاتها، وتشممت عبق التاريخ والبشرفي أركانها، فطرابلس منقوشة في كل خلية من خلايا جسدي، وحاضرة في كل نبضة قلب وخفقة وجدان.. أما القاهرة فقد أتيتها في مقتبل الشباب إبان التحصيل الجامع، وكانت السنوات التي قضيتها بها مفعمة بالحياة والحيوية والصداقة والثقافة والمحبة.
____________
عن العرب أون لاين