حوارات

الدنقلي متورط فى مصطلح المحكي

الدنقلي متورط فى مصطلح المحكي

 

حاورته: نهلة العربي

عرف هذا الشاعر بالتمرد إلا أنه صرح بأنه ليس متمرداً ولكن باحث عن التميز ولا أكثر.. باحث عن لغه جديدة لغة من دون صوت ولا صدى على حد قوله لغة لا تهتم بالقواعد والخطوط الحمراء وقياس الشعر بالمسطرة.. مرفوع ومكسور.. لغة لا يهمها إلا الجانب الحسي فقط لتستمتع بكل ما يقده الشعر من إحساس دون إخضاعه إلى بوابة تفتيش أولاً، أثار هذا النوع من الطرح للأفكار حفيظة البعض ومنهم من يزال إلى اليوم غير مؤمن بالقصيدة العامية ويجد فيها نوعاً من الدسائس المغرضة التى لا هم لها سوى إبادة اللغة العربية وتفرقة الأوطان، هذا الشاعر الذي رغب فى خلق نوع جديد من الشعر العامى أطلق على أعماله الشعرية مطلح المحكي وهذا المطلح لم يفهم البعض ما الفرق الذي اتي به ليميزه عن الشعر العامي.. هذه الاسئلة والمزايد قادمت بدفعنا إلى بابه لتجاذب أطراف الحديث معه ..

الشاعر: محمد الدنقلي

الشاعر محمد علي الدنقلي من مواليد عام 1957 بمدينة زلة ليبيا متحصل على دبلوم المعلمين ، لم يكمل دراسته الجامعية بقسم العلوم السياسية رغبة منه لدخول مجال قريب منه فالتحق بمعهد جمال الدين الميلادي بطرابلس ويعمل حالياً بمجال الإعلام بمدينة مصراته ، صدرت له ثلاث اعمال شعرية أولها نثار الليل و أبصر كيف و توحشتك.

– دعنا نبدأ من نقطة البداية ونسألك أولاً ما هي جذور اللغة العامية ؟

– الدنقلي : إحتاج الانسان فى بداية الأمر إلى إيجاد طريقة أو وسيلة للتواصل مع الآخر.. وقبلها احتاج إلى التواصل مع الطبيعة أولاً ومنها إلى المخلوقات من حوله، بدأت عملية التواصل عن طريق الحركة ثم الاشارات ثم الأصوات، وهنا نجد أن هذا الإحتياج إلي التواصل هو من صنع اللغة، اللغة الفصيحة ” ديري تحتها عشرين خط كلمة الفصيح ” أي اللغة المعربة جاءت فيما بعد فى مرحلة متأخرة ، الأم والأساس بلاشك هي ” اللهجة ” ولو بحثت فى القاموس عن كلمة اللهجة ستجدين أنها قد انشقت من المفردة ” يلهج ” اى الصوت مع حركة اللسان وهذا الصوت غير منظم او مجذب ولا يندرج تحت قواعد معينة وقواعدها المعروفة الان وضعت فيما بعد عندما أدرك الانسان أهمية اللغة فبدأ فى دراستها والتعمق فيها فوضع لها هذه القواعد .

– الا تعتقد ان الشعر العامي او المحكي منعزل عن العالم وهمومه بوصف حالته الشعورية الذاتية اتجاه المحبوبة و التغزل بأوصافها ؟ أين الهم او القضية او ما هو السؤال الذي يطرحه هذا النوع من الشعر ؟

– الدنقلي : أنا اعتقد أن هذا ينطبق على جميع أنواع الشعر وليس المحكي فقط ، لقد تعودنا أن يكون الشعر هو الواعض والمرشد و مصلح أجتماعي.. هكذا تعرفنا على وظيفة الشعر ولكنى أري أن هذه الأشياء لا تمثل دور الشاعر ، العرب فى فترة النضال والكفاح استغلوا القصيدة بكل ما تحمل كلمة ” الاستغلال ” من معني وهذا يعتبر نوع من الإنتهازية وهو شىء غير صحيح ، الشعر كالتنفس كالحياة نفسها.. ليس من واجبه أن يقول ما هو صحيح أو ما هو خاطئ فالعقليات الدونية أو ذات التفكير المحدود هي من تقول مثل هذا الكلام وتقول أن القصيدة معزولة على نفسها ، القصيدة تقول الانسان وهذا الانسان مثلما يتأوه او يتألم او يصرخ بالمقابل يفرح أيضاً ومن حقه أن يصف فيها ما يشاء ، والقصيدة المحكية على ذكر قصة ” وصف الحبيبة ” هي فى حقيقة الامر لا تصف ولا تقدم وصف بل هي تقول أو تخبر عن تأثير ما حولها فعندما تأتي مثلاً لعيون المرأة فهي لا تقول أن عيونها واسعة ” زى المها ” ولا تقول ” سود زى الليل ” شعراء المحكية ترفعوا عن هذه الاشياء بل يقولوا عن تأثير هذه العيون فينا كيف يمكن ان تاخذنا هذه العيون الى عوالم أخري أنا لا يهمنى أن كانت واسعة أو ” رموشها طويلة ” هل من المعقول أن يقول أحدهم ” عيون حبيبتى عيون بقرة ” ، أنا أتحدي أي أحد يقول أن القصيدة المحكية تقدم وصف بل هي تعيش الحالة الشعرية فقط وهذا فى راي ليست عزلة وكانت عزلة بالفعل فهي اذا أجمل عزلة ، ” أنا شاعر محكية مش خطيب جمعة “.

– الا تعتقد ان هذا الاعتقاد نابع من تكرار الموضوع ” الكلام على الحبيبة “؟

– الدنقلى: تكرار الموضوع من قبل من ؟

– من قبل الشعراء بالتأكيد .

– الدنقلي : بصراحة ” لا ادرى من أين أتيت بهذا الاعتقاد ، فمثلاً الصيد كل قصائده حزينة ” كلها نكد ” ممكن أكثر واحد يكتب عن الحبيبة هو العبد لله و من بعدي سالم العالم ، وبعض الشعر ليس للحبيبة بمعنى الحبيبة فأنا أقول مثلاً :

” شوفي صوابع يدك ..

هذا انا وانتى وهدوم هم

جيرانا سكان هالوطن الكبير

شوفى لراحة يدك ..

هدي سماء تهدي سحاب مطير ..

و هدي وطا..

تحضن سنابل خير

وحنة كفوفك دمنا مافى غيرك غير

وكل الحكاية وطن

محفور فى طيتها

وجالس على عرش الضمير

شوفى لصوابع يدك”.

هل وصفت حبيبتى هنا ؟، انا اصف وطنى لا فرق عندي بين الحبيبة والوطن ولا فرق بينها وبين الام او التراب الذي ولدنا منه فماذا اذا يلومنا البعض لو وصفنا حبيباتنا ، فهن امهاتنا و اوطنا وهن حياتنا .

– ظهرت موجة من الشعراء القصيدة العامية فى مصر وتنشر اعمالهم فى دبي الثقافية الان ، هذه النخبة من الشعراء الشباب استطاعوا ان يقدموا مجموعة من الصور الجديدة فى البنية الشعرية وكان الاشتغال الاول والاخير لهم على تطوير الصورة لماذا فى رايك لم نشهد هذا النوع من التطور فى الاشتغال على الصورة فى ليبيا ؟

– الدنقلي : المشهد الثقافي الليبي ليس فى معزل عن المشهد الثقافي العربي ، ليبيا بداخلها انسان والانسان يتواصل مع عصره ويتواصل مع حياته ونمطها سواء من الناحية الشعرية ” او حتى فى شراء الثلاجات ” انا لست مع من يقول ان ليبيا متخلفة عن ما يدور من حولها بما ان بداخلها انسان فهى اذا تمشى مع العصر ، وان كان فى الشعر الاعتماد على الصورة قالقصيدة النثرية هى الان متفوقة والشعر بشكل عام فى ليبيا جميل ويصفق له ويحتفى به من قبل جميع شعراء الوطن العربي فى المهرجانات او بنشرها فى الانترنت او النشر فى الصحف العربية اما القصيدة المحكية فهدي حكاية اخري .

– إذا دعنا نسمع هذه الحكاية منك ؟

– الدنقلي: الشاعر الحقيقى يهتم بالصورة والقصيدة المحكية تهتم بالصورة والصورة المركبة وعند بعض الشعراء تهتم بالمشهد بصفة عامة فالقصيدة المحكية قصيدة حية متحركة ولا تتعامل مع قصة بل تتعامل فى نبض الحياة ذاتها فعندما نستمع الى قصيدة محكية نشاهد صور متحركة ، القصيدة المحكية فى رأيي الشخصي هى صورة مركبة متداخلة ونحب نصحح ليك التسمية ” مش القصيدة المحكية .. لا .. قصيدة اللهجة المحكية ” أي بما يحكي أو ما يمارس به فعل الكلام بمزيج يجمع بين اللغة العربية الفصيحة واللغة العامية ،فمثلا ممكن الشخص يقول ” مرسي ، شكراً ، بارك الله فيك ” وكل هذه المفردات أنا استمعلها فى قصيدتى لأنها من صلب الحياة والقصيدة المحكية لا تترفع فى اختيار الفاظها ولكن تترفع فى اختيار صورها وافكارها القصيدة الان أحدث ما يكون .

– وفى ظل هذا التطور الذي تخبرنا به من من الشعراء الذي طور من قصيدته واشتغل على تطوير الصورة فى رايك ؟

– الدنقلي: الشاعر وليد بيئته وقراءته وتجربته الشخصية ، الشعراء فى الماضى لم يكونوا على قدر كبير من الوعي وبالنسبة للاسماء التى طورت من عملها يمكن أن نقول ” الصيد الرقيعي ، سالم العالم ، محمد الدنقلي ، عبد المنعم فليليح وأخرون “.

– هل تعتقد ان ما يقدم الان من الشعر العامي او المحكى هو شعر فصيح ولكنه غير معرب؟

– هذا ما كنت أخبرك به الان بالتحديد فأنا دائما ما أقول أن الفصاحة ليس ان تتكلم باللغة المعربة.. الفصاحة هى البيان والبيان هو ان حضور الحجة.. بأي أسلوب كان ” إن شاء الله بالإماء ” المهم ان توصل فكرك إلى الاخر وهذا لا يحدث عبر الفصيح.. فقط فهل فى الرسم او التصوير مثلا ما هو فصيح وغير فصيح ؟ الفصاحة ان تاتى بشئ جديد مبدع .

– قرأت لك فيما سبق مقال تقول فيه أنك من أطلق مصطلح ” الشعر المحكي ” رغبة في التميز عن الشعر الشعبى توأم التخلف والعامي المقترن بالاستخفاف والسخرية ، ألا ترى أن المحكى التى تم نسبها الى كلمة ” الحكى او الدوة باللهجة اليبية ” ايضاً بها نوع من تقليل لقيمة الجملة الشعرية المطروحة؟ لماذا لم تقل أنه شعبي محور مثلاً .. بما أنه لأقرب إلى ذلك ؟

– الدنقلي : ” والله أنا أسمى محمد بس مينزلش عليا الوحي ” وأنت اسمك ” نهلة ” ولا يمكن أن تكوني بئر ،أقصد أن الأسم ليس من شروطه أن يكون من جنس الذي يحمله ، فما وظيفة الاسم اذا ؟، وظيفة الاسم بكل تأكيد التمييز فقط ، أنا فعلا من أطلقت هذا الاسم عندما انتهيت من ديوانى ” نثار الليل ” شعرت ان هذا العنوان فصيح جداً فوضعت عنوان جانبى اخر ” شعر باللهجة المحكية ” ولا أقصد بكلمة المحكية الحكي ولكن أقصد ان هذا الشعر لا يكتب باللهجة الليبية الغارقة فى الخصوصية بل باللهجة الليبية المتماشية الان مع العصر أو ما يحكى به الان ، ولا يهمنى كثيراً سواء إن كانت الكلمة منطبقة على ما هو موجود فى جوهر العمل الشعري أم لا .

” يضحك الدنقلى هنا ويضيف ” :

– نحن تورطنا فى هذا المصطلح ” بس تورط جميل ” بشكل ممتع رغبة فى ابتكار اسم لنختلف عن اى شى اخر وفى نهاية الامر اعيد كلامى ” انا لا تهمنى الاسماء .

– أعترف أمامك و فى أكثر من مناسبة الأستاذ علي فهمى خشيم وخليفة التليسي بأنك ارتقيت باللهجة إلى مستوى اللغة بل وتأثر علي فهمى خشيم بإحدي قصائدك حد الدمع مع أن المعروف عنه هو محاربة اللغة العامية وعدم اعترافه بالشعر المحكى او أى شعر لا يكتب باللغة الفصيحة ؟ كيف تفسر ذلك ؟ وهل سيستطيع شعراء المحكية أن يغيروا من فكر شخص كالاستاذ علي فهمى خشيم ضد الكتابة باللغة العامية ؟

– الدنقلي : الشعر إبداع والإبداع يجعلك تكتشف شيء جديد لم تعرفه من قبل أو تعرفه ولكن لم تراه بهذا الجمال من قبل فتصل معه إلى درجة الدهشة فلا تبحث بعدها عن أدواته ولا لونه ” اسمر أو ابيض ” ولا جمله طويلة او قصيرة موزونة أم لا الإبداع يلغى الأدوات ولا تعد تهتم معه بمعرفة التفاصيل طالما انه وصلك بطريقة مفهومة ولمست شي بداخلك ” فيروز ” مثلاً إبداع رغم أنها لا تتكلم بالليبي تتكلم ” لبناني” ومع هذا ننسجم معها وأم كلثوم كذلك ، ومع الوقت أن اعتقد انه سيستسلم لغواية الشعر المحكي.

– هل تعتقد أن شاعر الشعر المحكي مقيد أو واقع تحت ضغوط سلطة معينة تمنعه من البوح بكل أفكاره أو من الغور في تفاصيل القضايا الكبيرة أو السياسية ؟ فبحكم قرب لغته من جميع مستويات الشعب له قوة تأثير أكبر من شاعر الشعر الفصيح ؟

– الدنقلي : بصراحة تقسيم الشعر إلى شعر فلسفي وشعر وطني يا نهلة هي تقسيمات غبية جدا ، فأنا وعندما أقول الشعر بأي صورة إلى وطني إذا أكون وطني.. أنا ذرة من تراب هذا الوطن وما أقوله هو شيء لجمال هذا الوطن ، الوطنية هي ليست بالهتاف والصراخ ، بل أن تكون جميلا لا أن أكون مرشداً.

– لم اقصد الإرشاد في سؤالي بل سألتك هل أنت حر في طرح كل ما يجول في خاطرك من خلال الشعر حتى وان كان ذو بعد نقدي للسياسة مثلاً ؟

– الدنقلي : سلطة الشعر أو سلطة الإبداع هي أقوى سلطة في العالم حتى السياسي إن لم يكن مبدعاً فلا يمكن أن يكون سياسياً ناجحاً.. اعتقد آن التغير من خارج السياسة هو أكثر سياسة من السياسية بحد ذاتها ، القصيدة المحكية لا تعنيها السياسة ولكن تعنيها الإنسان و الوطن ، السياسة هي مقبرة الشعر و أي شاعر يتوجه إلى التيار السياسي يموت مع موت ذاك التيار السياسي والأمثلة كثيرة عبر الأزمنة مثل احمد نجم ومظفر نواف مع أنه من أكبر الشعراء العرب إلا أنه انتهي مع نهاية التيار الشيوعي.. السياسة مقبرة .

– هل أنت حر في طرح أفكارك ؟

– الدنقلي : لم يكمم فمي أبداً منذ أن بدأت في كتابة الشعر إلى الآن ، ولا إنسان سواء هنا أو في أي مكان بالوطن العربي منعني من قول كلمة أو أعترض على كلمة في نصي.. قضية حرية التعبير أحياناً تكون عناوين فضفاضة ولكن أنا كشاعر أقول ما أريد في المكان الذي أريد في جميع الأقطار.. لن يوضع على فمي كمامة .

– قلت في لقاء لك مع جريدة الجماهيرية ” أن الشاعر الشعبي قد استنفد ما لديه ولم يعد لديه ما يقول و نحن شعراء المحكية من بشّر بالثورة بخلاف الآخرين ونحن جنودها و أن الشعر المحكي هو البديل التاريخي والثوري للشعر الشعبي والعامي و الغنائي و شعراء المحكية هم أربعة: أنا والرقيعي والعالم و عبد المنعم ” وهذه التصريحات أثارت حفيظة البعض و منهم من لم يفهم كيف يكون الدنقلي أول من بشر بالمحكي والرقيعي بدأ من قبله بسنوات في هذا اللون أو سبباً لذكره هؤلاء الشعراء فقط ؟

– الدنقلي : سؤالك طويل جداً ولكن سأجيب بكل تأكيد.. أولاً العبارة التي تقول أن الشعر الشعبي لم يعد لديه ما يقول “هذه العبارة من صحيفة الجماهيرية لم تأتي على لساني بل على لساني الصيد والرقيعي وأنا مازلت أحتفظ بهذا اللقاء ” ورغم أنه هو من قالها إلا أنني أصرح بأني أوافق على ذلك أيضاً.. فأنا أري أن الأشكال والأوصاف “خلاص معاش في داعي ليها ” حتى الزمن أختلف والعصور غير العصور فنحن الآن نتعامل مع حياة ليست ذات الحياة وامرأة ليست ذاتها المرأة ” لماذا نغير أو نطور كل شيء في الحياة ولا يردون أن نحدث تغييراً في الشعر، ” حتى الآكل يتغير ” و الخيمة لم نعد نسكنها ربما تسكننا ولكن لا نسكنها ، القضية ليست سب أو شتم الشعر الشعبي بل هو منهل من المناهل المهمة التي ننهل منها وأنا والدي شاعر وتربيت على الشعر الشعبي ولكن من حقي أن أعيش حياتي بمفهوم عصري ، أما الجزء الثاني من السؤال.. أي لماذا ذكرت هؤلاء الأربعة فقط أقول أنا دائماً أذكر تلك الأسماء حتى من خلال هذا اللقاء ذكرتهم طبعاً هناك آخرون غيرهم مثل ” محمد التميمي ” و “محمد جحومي ” و” بدرية الأشهب ” بالرغم من عدم اعترافها بأنها شاعرة شعر محكي وتقدم نفسها على أنها شاعرة شعر شعبي في أصوات عديدة ولكن هؤلاء الأربعة هم من كافحوا وهم من أمنوا وتبنوا هذه الفكرة وعلى علم بكل جوانبها وهم المبشرين بالقصيدة المحكية التي لولاهم لما كانت لتعيش إلى الآن ، ثالثاً بالنسبة للجزء الذي يقول أن الرقيعي بدأ قبلي في هذا اللون أقول أن أي ظاهرة إنسانية لا تقف عند إنسان معين.. الصيد ظهر في منطقة طرابلس ولم أكن أعرفه وأنا ظهرت في منطقة الجفرة ولم يكن الصيد يعرفني والمسألة إنسانية ” ما فيش فيها من الأول ومن الأخير” ربما يكون ظهر أولا ولكنه لم يقل أن شعره شعر محكي فعلا أصدر ديوان عيون سالمة وكتب عليه شعر عامي قبلي ولكن ديواني من كتب عليه شعر محكي ، ولكن تبقى الريادة للأربعة الذين ذكرتهم من قبل في هذا المجال وليس لشخص معين .

– قرأت مقال نقدي كتبه صلاح عجينة يتساءل فيه عن مدى التشابه بين قصيدة الدنقلي [توحشتك] والتي سمعها أول مرة عام 2004 و قصيدة [توحشتك] للشاعر الغنائي صالح عباس من الجفرة عام 2000 حيث تتشارك كلتاهما في المقطع الأول و في ذات المضمون وذات المفردات وذات الرؤية ، ما تعليقك على ذلك ؟

– الدنقلي : فترة صمت …. أنا والشاعر الأستاذ صالح عباس من منطقة واحدة وفى منطقتنا عندما نخاطب أحد نقول له ” توحشتك ” ، وقضية من الأول ومن الأخير فأنا أقول وأصرح من خلال هذا اللقاء أنى أريد آن أكون دائماً أنا الأخير ” وخليهم يقولوا اللي بيقولوه ” ، لدي ثلاثة أعمال نثار الليل و توحشتك وأبصر كيف ولو كان هناك من يريد آن يتبناها كلها ” مش قصيدة توحشتك بس ” وينسبها إليه أو إلى آخرين من الـ 1700 ” أنا نوافق ونوقع ليه “، القضية قضية روح ” يجى صلاح ولا غيره ” يقرأ قصيدة للدنقلي وقصيدة لصالح عباس ويقدم الأحكام و أنا يشرفني أن أكون زى صالح عباس .

–  متى تولد القصيدة المحكية ومتى تموت ؟

– الدنقلي : مع الإنسان في كلتا الحالتين .

– هل العامية في الشعر تحاكى العامية في الواقع ؟

– الدنقلي : القصيدة المحكية نص خلاق ومبدع ولا تحاكى عامية الواقع بل يسير بها إلى السمو وكلمة ” تحاكي ” هو شبه سخيف وكأننا خارج الحقيقة ونحاكى الحقيقي بينما نحن في حقيقة الأمر في قلب الحقيقة .

– لماذا هذا الخلط والربكة في التفريق بين كل من الشعر العامي والمحكي والغنائي؟

– الدنقلي : ” الناس هم اللي عندهم هواية في خلق الخربطة ” لماذا نفرق في الشعر وكأنك مدير سجل مدني ، الناس تتكبد على أنفسها عناء الركض خلف الأسماء والأشكال والتصنيفات ، ليبحثوا عن الإبداع وعن ما هو جيد ويتركوا الخبز إلى خبازه ” ملهومش علاقة ” .

– هل استطاع الشعر الشعبي في رأيك بعد كل هذه السنين والتطورات التي تحدث في العالم آن يخرج من أزمته وانغلاقه على مفردات الماضي ويخترق المدينة ؟

– الدنقلي : أكبر كذبة سمعتها هي كذبة ” أزمة الشعر ولا الرواية ولا القصة ” لا يوجد شيء اسمه أزمة القضية قضية الإنسان نفسه ولو كان مبدع سينتج إبداع وان كان متأزماً لن يبدع ، ” لماذا ننقل أمراضنا للقصيدة ؟ “.

– ولكن الشاعر الشعبي ما يزال يستعمل مفردات صعبة وأنا أول الناس الذين لا يستطيعون فهم هذه المفردات الغريبة علينا ؟

– الدنقلي : إذا هذا الشاعر قادم من بيئة أخرى ، فلو أتي شاعر من فرنسا مثلا و نحن لا نتحدث الفرنسية لن نفهمه بكل تأكيد ” ولهذا أتت القصيدة المحكية لتكون لغة الجميع وأنا متأكد أنها لا تحمل أي لفظ يصعب عليك فهمه ، وبالأمس كنت في أمسية شعرية في دار الفقيه بها مجموعة من الشعراء العرب وكلهم اجمعوا على عدم صعوبة الألفاظ وأنهم قد فهموا كل كلمة فيه، ولكل منا حرية التكلم بمفردات بيئته ، ولكن النقطة الأهم ” اللي ما يفهم ليش يذم ” هم شعراء ولا يمكن آن نقول عكس ذلك لمجرد أننا لا نفهم مفرداتهم ، القصيدة المحكية هي قصيدة كل الأماكن والمناطق يسمعها الجميع ويفهما من بنغازي للجفرة و” حتى اللي في الصحراء “.

– ما الاختلاف بين المتلقي للشعر الفصيح والشعر العامي ؟

– الدنقلي : هناك اختلاف كبير هناك كلمة قاسية وأنا أتأسف على قولها ولكن بصراحة اللغة العربية ليست لغتنا ” أنا مش لوغتى اللغة العربية الفصيحة ” اللهجة العربية هي لغتي ، اللغة الفصيحة تعرفت عليها في الصف الخامس وعرفت الفاعل والفعل والمرفوع والمكسور و أي شيء تتعارف عليه أخيراً وليس أولا لا تتألف معه ولا تكون قريباً منه ، والجمهور الذي يتلقى الفصيح إنما يتلقاه بعقله فقط وجمهور المحكي أو شعر اللهجة يتلقى بروحه والإبداع هوية روحانية قبل أن تكون عقلية ، ففي الرسم مثلا.. قد تعجبين بلوحة لمجرد النظر إلى جمالها ولكنك لا تشعرين بهذا الجمال مثلا من خلال قياس أبعادها بالمسطرة ، متلقي المحكي يأخذ الشعر بكل كيانه والفصيح بعقله ليترجم له الوزن والبحور والفعل والمفعول ” محتاجة ترجمان ” ولهذا اللغة الفصيحة ليست هي لغة الشعر .

* عن مجلة العين الثالثة

مقالات ذات علاقة

الباحث عبد الله السباعي : التسيس ساهم في اختفاء خصوصية الأغنية الليبية

مهنّد سليمان

الفنان كمال أبوريد في حديث الصراحة

المشرف العام

شاعر المحكيات الليبي سالم العالم: أحلم بجيل جديد يظهر ليضعنا في متحف الشعر

المشرف العام

اترك تعليق