حوارات

شاعر المحكيات الليبي سالم العالم: أحلم بجيل جديد يظهر ليضعنا في متحف الشعر

عبدالله المتقي (القدس العربي)

الشاعر سالم العالم.


يعد سالم مصطفى حسين العالم، أحد الأسماء البارزة في المشهد الشعري الشعبي في ليبيا ورمز من رموز المحكيات، حاصل على بكالوريوس علوم سياسية في جامعة قاريونس عام 1991. من إصداراته، «أنا والليل خوت، خريف الريح، محكيات، ابتسمي، وعلى جوك». كان لـ»القدس العربي» معه الحوار التالي..

لماذا الشعر المحكي؟

□ الليبيون بطبعهم شعراء متذوقون للشعر بالفطرة، خاصة في ما يختص بالشعر باللهجة العامية الليبية، أو ما اصطلح عليه عندنا بالشعر الشعبي، وأنا لكوني تربيت وترعرعت في بيئة كلها تتذوق الشعر الشعبي، فكان لابد بطبيعة الحال أن يحدث نوع من التأثر والتأثير بهذه البيئة، ورغم أن بداية كتاباتي كانت باللغة الفصيحة إلا أنني لم أجد نفسي إلا في كتابة الشعر باللهجة العامية، وحتى قبل أن يظهر مصطلح الشعر المحكي في ليبيا.

ماذا عن الشرارات الأولى، ومن أغراك بكتابة المحكيات؟

□ هذا موضوع يطول الحديث فيه وربما يوما ما سأكتب كتابا عن سيرة المحكية في ليبيا، ولكي لا أكون ظالما فإن إرهاصات كتابة النص المحكي ظهرت مبكرا في ليبيا، على يد مجموعة من الشعراء الغنائيين وشعراء الفصحى، ولكن بدون أن يكون ذلك مشروعا شعريا قائما بذاته، بل بعض النصوص هنا وهناك مثل ديوان يتيم للشاعر أحمد الحريري، لم ينل حظه من الانتشار، وكان محاولة متأثرة بتجربة صلاح جاهين في مصر. إلا أن البداية الحقيقية بدأت مع الشاعر الصيد الرقيعي الذي كتب ديوانه الأول «عيون سالمة» في الثمانينيات، ولم ينشر إلا في التسعينيات، ثم جاء الشاعر محمد الدنقلي الذي كتب ديوانه الأول «نثار الليل» في التسعينيات ولم ينشر إلا في 2004. وفي عام 1998 انتقلت إلى طرابلس وبدأت في طرح نصوصي على بعض الشعراء، وأغلبها شعبية أو غنائية، وقليل بالفصحى، إلى أن وضع القدر في طريقي الشاعر الليبي لطفي عبد اللطيف، الذي أمرني بالكف عن كتابة الفصحى والتوجه إلى كتابة نص مختلف كان يسميه نصا فصيحا غير مُعرب، وطلب مني البحث عن الصيد والدنقلي وكان كل منهما من مدينة ولم يلتقيا من قبل ولم يسمع بعضهما ببعض. وشاءت الظروف أن اجتمعنا ثلاثتنا ووضعنا برنامجا لمشروع شعري خرج عن التقاليد المعروفة للشعر الشعبي وقوالبه العديدة، ويقترب من أن يكون قصيدة تفعيلة بالعامية، وينحو لكتابة قصيدة نثر بالعامية ويبتعد قدر الإمكان عن طرح مواضيع وقضايا وصور ومنهجيات الشعر الشعبي في ليبيا، قبل ان يلتحق بنا الشاعر عبد المنعم الفليليح لنشكل رباعيا بدأ ينتشر بصعوبة في البداية، إلى أن تعود الناس على طرحنا وأصبح لنا جمهور كبير في ليبيا وخارجها، وأصبح مصطلح الشعر المحكي ضمن مفردات الأدب في ليبيا وجزء من فسيفساء الواقع الأدبي والشعري فيها، وصدرت لنا مجموعة من الدواوين والتحق العديد من الشعراء بالمشروع، بعد أن لاقى نجاحا ورواجا، وما زالت ليبيا تنجب شعراء رائعين قادرين على تطوير مشروعنا والانتقال به إلى فضاءات أرحب وأوسع.

وماذا عن تجربة الشعر المحكي في ليبيا واقعا وآفاقا؟

□ تجربة الشعر المحكي في ليبيا الآن أصبحت واقعا موجودا كما أسلفت، ولي فيها ستة دواوين، وللرقيعي أربعة وللدنقلي أربعة ولمنعم الفليليح اثنان ولبدرية الأشهب أربعة، ولأحمد الحريري آخر دواوينه «فراغات عاطفية».. وحتى الآن يعتبر الشعر المحكي الأقدر على تجميع الجماهير والتفاعل معه، خاصة في المدن كونه شعرا مدينيا بعكس الشعر الشعبي، الذي ينشط أكثر في الأرياف والبوادي وله جمهور عميق، بالنسبة لما حققه الشعر المحكي منذ إطلاق المشروع عام 2000، حتى الآن يعتبر إنجازا كبيرا، خاصة أننا وصلنا عربيا للعديد من الجمهور في المغرب والجزائر وتونس ومصر ولبنان وسوريا والإمارات وسلطنة عمان والأردن وقطر. أما عن الآفاق فالآن أنا استمع لشعراء جدد من الشباب، لديهم رؤى مهمة وأسلوب جديد ورائع، وأتوقع أن يزدهر الشعر المحكي على أيديهم، وأذكر منهم فارس برطوع وحازم الصبيحي وغيرهما، قد لا تحضرني أسماؤهم، ولكن أتوقع له ازدهارا كبيرا، خاصة بعد ان تستقر ليبيا ويعود للشعر مكانته ومستمعيه وجمهوره.

احلم محكيا بجيل جديد يظهر ليعلن موتنا أنا والدنقلي والصيد، ويضعنا في متحف الشعر وينطلق بالشعر المحكي إلى أماكن لم نصلها، منها أن نكتب قصيدة نثر تتسم بكل صفات النص الحداثي باللهجة المحكية الليبية.

هل من طقوس في الكتابة؟ وهل حاولت كتابة قصيدة وأخفقت؟

□ أنا أتعامل مع الشعر بشكل يومي خلال 24 ساعة حتى أثناء النوم، وكل ما خطرت لي خاطرة أو بداية لنص أدونها ولا يهمني اكتمالها، المهم أن احتفظ بالفكرة أو الصورة الجديدة التي راودتني، وعندما تلح عليّ الفكرة لكتابتها كاملة اكتب النص كاملا في ذهني، ولا أتوجه لكتابته على الورق، أو على الجهاز، إلا عندما يكتمل في مخي تصوره – وأنا حاليا أكتب على الجهاز ـ وأعود للورق في حالة عدم توفره وأفضل قلم الرصاص في الكتابة. وبسبب سنوات عديدة من الممارسة أصبحت الآن قادرا على تجميع شذرات متفرقة في نص واحد، باستخدام مخزوني اللغوي والفكري، فالتحول إلى الاحتراف أفقدنا الكثير من العفوية بفقدنا للبساطة بسبب القراءة الكثيرة لمدارس النقد والفلسفة الحديثة والرواية. أما عن الإخفاقات، فهذا يحدث معي وكثيرا في الفترة الأخيرة.. وأذكر نصا بدأت كتابته في 2009 ولم أكمله إلا في 2018 وفي حالة أخرى أقلب في مكتبتي فوجدت على غلاف إحدى الروايات نصا بخطي كتب في 2007 لم أتذكره نهائيا وأعدت الاشتغال عليه ولم ينته بعد، وحالة ثالثة وجدت زوجتي نصا لي كتب في 2003 وتفاجأت به كأنني أول مرة اسمعه!

ماذا عن صورة المرأة في محكياتك؟

□ في نصوصي دائما المرأة في حالة غياب أو إنني في حالة انتظار لها. لا أحبذ في نصوصي التغزل والتشبيب بالعيون والجسد والشعر وغير ذلك من الحسيات. المرأة عندي مبجلة أتعامل معها بشكل عاطفي، يحمل من المشاعر أكثر مما يحمل من الوصف، ودائما هناك أنثى حلم أطاردها في القصيدة ولم أصل إليها بعد. ولكن في المجمل أنا أؤنث كل الكون، فكما يقول ابن عربي المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه، فنعم الوطن عندي أنثى تحتاج لمعاملة خاصة وحنو ورفق، ولأن أغلب قصائدي تنطلق من ذاتي إلى الآخر قد يظهر للبعض أن الأنثى غائبة، ولكنها المحرك الفعلي لكل ما أكتب، والآن بصدد تجهيز ديوان غزلي في مجال الومضة الشعرية الفصيحة، بعنوان «ديوان لأنثى واحدة» وديوان آخر يكتب الشاعر المغربي أحمد لمسيح مقدمته كله غزليات في محاولة إظهار الأنثى بشكل أكثر مباشرة ووضوحا في نصوصي.

تجربتك في القصيد المحكية والمشهد النقدي، أي علاقة؟

□ اعتقد أنني راضٍ عن ما قدمته حتى الآن في الشعر المحكي، يكفيني الجهد الذي بذلته مع رفاقي لنجعل من الشعر المحكي مشروعا شعريا قائما بذاته، ومازالت عندي دواوين غير ما ذكرت تحت التجهيز، ولم يحن وقتها بعد لضعف حركة النشر عندنا في الوقت الحالي. أما عن النقد فحركة النقد للشعر المحكي لا تزال ضعيفة عندنا، وإن كانت غير معدومة، ويغلب على الكثير منها التحليل الانطباعي للنصوص أو للدواوين، وترتبط أحيانا بعلاقة الناقد بالشاعر. وفي المجمل حركة النقد في ليبيا تحتاج إلى وقت لتضع قواعدها الثابتة وتتضح معالمها، خاصة في مجال ما يكتب باللهجة، ولكننا نأمل أن يتحسن الوضع للأفضل.

بما يحلم سالم العالم محكيا، ولماذا يكتب؟

□ احلم محكيا بجيل جديد يظهر ليعلن موتنا أنا والدنقلي والصيد، ويضعنا في متحف الشعر وينطلق بالشعر المحكي إلى أماكن لم نصلها، منها أن نكتب قصيدة نثر تتسم بكل صفات النص الحداثي باللهجة المحكية الليبية. أما لماذا أكتب فهو النص الذي بدأت كتابته في 2009 وانتهى في 2018 وهو لم ينشر بعد لذلك سأكتفي ببدايته فقط..

«يسألوني
ليش تقرأ
ليش تشعر
ليش تكتب
كان ردي
بيش حتى أصحاب عمري
يقدروا يحبوني أكثر».

مقالات ذات علاقة

الفنان التشكيلي/ علي عمر الرميص.. تواصل تام بين الفن والأدب

المشرف العام

دينا القلال: كثيرة هي الأقنعة ولكن الحب ليس قناعًا نرتديه

حواء القمودي

علي عبداللطيف حميدة: الاستعمار الإيطالي كان عنصرياً وبشعاً وقام بجرائم إبادة

رامز رمضان النويصري