أعبر جيلا إثر جيل , أرقب التغيّر , كيف تختفي معالم الدهشة من الوجوه الصغير ة , التقنية ظللت حياتهم بغيوم كثيفة , نعم هم يفوقونني دراية بألعاب الفيس والتويتر والانستغرام , فقط ثمة هذا المشترك الجميل : حبّ الحكاية , حين أفقد السيطرة عليهنّ وعليهم أقول : توة بنحكي حكاية ؟ وهكذا تصمت تلك الأفواه الصغيرة, تتجمد حركاتهم وتتغنّج حركات البنات الصغيرات لتغريني لبدء الحكاية .
لكنّ لو حكيت لهم تلك الحكاية التي رافقت طفولتي وصدقتها, ستنهمر أسئلتهم وسيظهرون لي كم أنا ساذجة لتصديق تلك الحكاية.
حكاية تبسط أمي بها رداء الليل وتمنحني سفينة لأبحر في عوالم فسيحة , دهشة وترقب وحلم : عن بنات صغيرات يلعبن في (فم الحياش ) هنّ في شغبهن اللذيذ , روائح العشية العبقة بفاكهة ذاك الموسم , صوت البير وهديل حمام وطيران الخطيفات ووو .., يستمر اللعب وبنت صغيرة و( قفطان يخبخب (تظهر فجأة ( نلعب معاكم ) , يتعالى الصوت مرحبا بصديقة لعب , ويمر الوقت وتميل الشمس لتنام فيعلو صوت الأمهات ,و أخوات ينظرن إلى الصديقة الجديدة , ويمددن أياديهن لترافقهن , تضحك وهي تعبر الطريق الترابي في السانية , تد خل معهن بيتا طينيا بسيطا , والأم تستقبل الصغيرة بمودة , تتعشي معهن (ما كتّبْ ربي) ,ويجيء وقت النوم , أو النوم يسرقهن وأياد صغيرة تحتضن يدا جديدة الأم تغطيهن , تكمل (قَضْيتْها ) وكانت الحنة جاهزة, تبدأ بقدم أولى وثانية, تصل إلى قدميّ الضيفة البنت الصغيرة , وهناك لن تجد قدما بل ( حافر حمار ) وتعرف مَنْ هي ضيفتها,لا تجزع ولا تغضب فقط تحنّي قدمين صغيرتين وتغطيهما , لكنها لا تنام تظل متيقظة تحرسهن , وفي هدأة تسمع صوتا ” طنّو , طنّو “, تترقب ليعلو صوت تلك الصغيرة” طنّو حنّوا وبين البنات نّنوا” !!.
يغافل النوم عينيها فتذهب في غفوة, يجيء الصباح تنهض الصغيرات باحثات عن رفيقتهن, , تقول الأم : “جتها أمها وروحت”, وتبدأ يوما جديدا ترتب فراش الصغيرات, وهناك حيث كانت (طنّو ) راقدة تجد كيسا, كيس مليء بالذهب .
وتتوقف أمي عن سرد الحكاية قائلة : “مشيت عليهم وخليتهم وبعيني ماعاد ريتهم ” فأتنهد فرحة,وأركض إلى (فم الحياش ) أواصل اللعب مع فاطمة وعيادة, سعاد وسميرة وسكينة , وأحلم ببنت صغيرة ( قفطانها يخبخب ) تجيء لتلعب معنا .
_______________________