حوارات

الشاعر والقاص: محمد زيدان/ هذا الجيل ليس بدعاً من الأجيال

الإنسان بهذا الإنجاز قد تجاوزت حدود الأطر الوصفية للحدث

هذا الجيل ليس بدعاً من الأجيال..

العالم يتحول بسرعة مخيفة، لا إلى قرية كونية صغيرة، بل إلى غرفة مكتب عصري..

حاوره: رامز النويصري

الشاعر: محمد زيدان

يتميز نص “محمد زيدان” كونه نصٌ يعتمد التفتيت، فهو لا يحاكي الأنماط بأشكالها العامة أو المعتادة، بقدر ما يسعى لتفكيكها، بل أكثر ناحية تفتيت العوالم كشفاً لما وراءها، وغوصاً أكثر في مكنوناتها التي تغريه أكثر فيستمر في لعبته (التفتيت).

في الاتجاه الآخر فإن “محمد زيدان” من الشباب الذي تواصلوا مبكراً وعوالم الإنترنت، فأوجد عالمه الخاص المتمثل في موقعه (حالات)، فكان بعداً وقناة في هذا العالم المتشابك.. وفي هذا اللقاء يأخذنا الحوار لهذا البعد، باحثين عن البعد الثقافي في هذه الشبكة، باحثين في إمكانية هذه الثقافة وأبعادها.

*.. في ظل وجود هذا التواصل، المتمثل في هذا التعاطي المباشر.. هل يمكننا الحديث عن حياة أو واقع يمكنه أن يوازي الحقيقة أو المعاش؟.. وإن كان، فهل نستطيع القول بوجود علاقة يمكنها أن تكون بين المتصفح والشبكة؟

– دعني ألتقط شطراً من سؤالك كمدخل للإجابة..

“في ظل وجود هذا التواصل”..

نحن متفقان إذاً على (وجود) (تواصل) ما.. وهو وجود قائم ومؤسَس فعلاً، لا افتراضاً، في واقعنا المعا ، تفرضه حركته الفاعلة وتحديه المُعلن، واشتباكه الحيوي التدريجي والمتصاعد مع أدق تفاصيل حياتنا، وبطريقة تتجه نحو الشمولية والتعميم..

أنا لا أدري حقاً إلى متى يستمر توصيف شبكة الإنترنت بـ(الواقع الخائلي)، أو (الواقع الافتراضي)!

أعتقد أن علاقة الإنسان بهذا الإنجاز قد تجاوزت حدود الأطر الوصفية للحدث، إلى ما يمكن تسميته بـ(واقع حال).. أو ممارسة عملية يومية في مساحات كبرى من كرتنا الأرضية، في أكثر المناحي والأنشطة والقطاعات فعاليةً، وعلى مستوى الأفراد والمؤسسات أيضاً.

لقد أصبحت الإنترنت تحشر نفسها في كل شيء تقريباً، فهي التي تضع على سطح مكتبك جريدتك الصباحية، وتجلب لك آخر الأخبار وشئون الساعة و و و.. باختصار، تنقل إليك العالم -أو تنقلك إلي – عبر شاشة صغيرة تستطيع من خلالها التواصل مع كل الأبعاد في زمن قياسي جداً لا يتجاوز بكثير لحظة الضغط على زر (كيبورد)!

بالفعل.. فكرة بساط الريح القديمة، وحلم (التيليماتيك) الأحدث نسبياً، يتحققان الآن عبر مُنجَز الإنترنت، والعالم يتحول بسرعة مخيفة، لا إلى قرية كونية صغيرة، بل إلى غرفة (مكتب) عصري، حديث ومتطور جداً.. هو العالم كله مُختصَراً في شاشة حاسوب! والآتي أعظم! العالم يستعد الآن لاستقبال النت (ثلاثي الأبعاد) حيث ستجد نفسك -بتأثير الجرافيكس– وسط مكتبة الكونغرس أو أحد فروع إيف سانت لوران الباريسية.. أو ربما بين مجموعة متفرجين على إحدى مسرحيات شكسبير في إحدى ضواحي لندن!

*.. هل يمكننا الحديث عن مشهد ثقافي (عربي) حقيقي في هذه الشبكة..؟، ولو بمعنى أنه يمكننا الحديث عن مشهد ثقافي (عربي)، موازي للمشهد الفعلي (الواقعي)، حتى ولو كان عن بعد..؟

– المشهد الثقافي العرب ، من حيث كونه مشهداً مؤسَّساً ومُنجَزاً، هو مشهد واحد ، داخل الشبكة وخارجها. طرفة بن العبد وابن خلدون والجاحظ وابن ربيعة والجابري وأدونيس ومفتاح العماري وزكريا تامر وأحلام مستغانمي وو… هم أنفسهم في الحالتين. الفارق الوحيد هو أن الشاعر الذي كان يغازل حبيبته في مضارب بني عبس، باع ناقته وقراطيسه واشترى مركبة إليكترونية فارهة مدججة بأحدث التقنيات، وأن الجاحظ (الذي مات بسبب سقوط أرفف مكتبته عليه) كان يستطيع أن يوفر حياته قليلاً ويمنحنا المزيد من إبداعه بحفظه لتلك الكتب في قرص ليزري صغير..!

أما المشهد الثقافي العرب ، من حيث حضوره وزخمه الآن ، فأعتقد أن الأمر يتعلق بطبيعة الانتقال من مرحلة إلى مرحلة. الآن، يحدث نوع من التراكم الذي يشعرك بالترهل أحياناً، حيث تشكل ظاهرة المنتديات الثقافي ، مثلاً، ما يمكن أن أسميه ب (الفضاءات الممغنطة!) أو السقوف الغِرائية التي تلتقط الصالح والطالح، كذلك تنتشر المواقع ذات الطابع الترفيهي (السمِج) بطريقة متكررة جداً، فيما لا يزال كم كبير من الإبداع الحقيقي متوارياً وراء غبار الإمكانات المادية والتقنية..

المرحلة تفرض شروطها ، والصعوبات المادية والتقنية تعيق المبدع عن التواصل الفعال مع الواقع الشبكي.. أسعار الاتصالات، مثلاً ، في الدول العربية هي الأكثر ارتفاعاً على مستوى العالم، رغم أن معدلات دخول الأفراد فيها هي الأقل! ، وأيضاً تخلف ولا مبالاة المؤسسات الثقافية الرسمية، التي يُفترَض تبنيها ودعمها للإبداع، كمشروع وطني يعبِّر عن هوية وحضور، ومتطلباته مادياً وتقنياً.. إلخ..

مع هذا لا أملك إلا ارتكاب جريمة التفاؤل، ورؤية الحلم يتحقق.. ببطء، نعم، لكن بثقة!

*.. كيف نقرأ هذه في المواقع الثقافية (العربية)؟، وهل يمكنها أن تنافس مصادر الثقافة من مراكز ثقافية وكتب ومنشورات وغيرها..؟

.. وهل بإمكانها طرح القضايا الثقافية والإبداعية، والتأثير؟، بمعنى هل يمكن التعويل عليها حقيقة؟

– على مستوى المنافسة، نعم.. أقصد جداً. وهذا ما يحدث الآن بالفعل، وتدريجياً ، نظراً للفارق النوعي الكامن في طبيعة الواقع الشبكي أصلاً. هذا الواقع الذي يتيح للمبدع خيارات استثنائية لم تكن تتوفر له من قبل، لعل أهمها التدفق وسرعة وصول المعلومة، وسرعة الانتشار وتخطي الرقيب وسماسرة دور النشر ، إضافة إلى خاصية أخرى، هي الأهم بنظري ، وهي خاصية الحوار (وهذا يتعلق تحديداً بالشق الثاني من سؤالك) حيث تشكل الخصوصية وشفافية الطرح بعداً جمالياً استثنائياً.. ولا أنسى أيضاً ميزة البحث التي تتيحها تقنية الشبكة عبر محركات سريعة ودقيقة توفر لك في ثوانٍ ما تعجز قدماك عن الوصول إليه عبر طواف سنة كبيسة بأكملها! لكن هذا كله لا يلغي خصوصية وجدوى المصادر الثقافية الأخرى ، خاصة الآن.. حيث لا تزال الإنترنت، التي يُنظر إليها كعجوز في دول العالم المتقدمة، حلماً مستقبلياً لدى أغلب المواطنين العرب، لارتفاع تكاليف الاتصال ووجود المشاكل التقنية إياها.

*.. هناك من يقول أن التعاطي تم من خلال الأدباء والمثقفين الشباب، يعني أن الأجيال الشابة وحدها استأثرت بهذا المنجز عن الجيل السابق الذي ربما لم يستطع التآلف مع هذا المنجز؟

.. حتى إن البعض صار يسمي بمصطلح (قصائد إنترنت)، للتدليل على النتاج الشاب، فهل نستطيع الجزم بهذا؟ .. أي آفاق يمكن أن تتصورها للمستقبل؟

– من الطبيعي جداً أن يعيش كل جيل داخل سياق لحظته الزمنية، لا خارجها..! ومن الطبيعي أيضاً أن تحدث تلك الفجوة المستمرة بين الأجيال عند الاشتباك بأي مُنجَز جديد..

المسألة تتعلق بالوعي تحديداً، والدليل على هذا أن هناك الكثير من أدباء الجيل السابق يؤكدون حضورهم، وبقوة، مع الجيل الشاب عبر هذا المُنجَر.

الجيل الجديد لا يستأثر بشيء إذاً، إنه فقط يمارس حضوره ويعلن عن وجوده ويوثّق لحظة فعله الإبداعي في الزمن ، وفق ما يُتاح له من آليات.

لقد عبر كل جيل عن همومه وفق ممكنات عصره، وهذا الجيل ليس بدعاً من الأجيال..! أما تلك التوصيفات (الاختزالية) للنتاج الأدبي الشاب، كقصائد إنترنت وغيرها، فهي ردود أفعال متوقعة تماماً، تصب في المنحى الصراعي القديم ذاته، بين (ابن) نافر يستميت لتأسيس ذاته بمعزل عن وصايا أبيه، و (أب) موسوس يعيش (فوبيا) الإحالة على الأرشفة!

*.. ما الذي قدمه لك الإنترنت؟

*.. حدثنا عن تجربتك في هذا المجال؟.. خاصة وإنك أنشأت موقعاً على شبكة الإنترنت؟.

*.. وهل تؤمن حقيقة بجدوى المواقع الثقافية وطرحها من خلال الإنترنت؟

– قدمت لي الإنترنت ما يمكن أن يقدمه أي إنجاز حديث لمعاصريه. أما عن التجربة ، فقد تشكل لدي هاجس إنشاء موقع على الشبكة منذ البدء.. كنت وحيداً حقاً ، وكنت أواجه متاعب حقيقية.. منها أنه يجب علي التورط فعلياً في برمجيات وتفاصيل تقنية لا علاقة لي بها أصلاً ، وليست من تخصصي! الأمر الذي سيستغرق وقتاً طويلاً يشكل في حقيقته تراجعاً مميتاً عن الشعر. أيضاً كان حلمي ، ولا يزال ، إنشاء موقع خاص بالأدباء الليبيين ونشر نتاجاتهم ، كمحاولة لإطلاق الصوت وكسر طوق الحصار الإعلامي الذي فرضته آليات التعتيم الغربية علينا منذ سنوات، ولاقت الفكرة قبول واستحسان بعض الأصدقاء الأدباء ، لكن للأسف ضاعت بذرة الحلم في تربة الإهمال، وشحّت السماء إلا من بعض (قطرات) لنصوص لم تكد تبلل شفتي الحلم! الأمر الذي دعاني لإدراج ما وصلني (إضافة إلى ما جمعته من مواقع أخرى) في قسم ضمن موقعي الخاص.. كحل إسعافي للحلم..

ولا يزال الحلم مستمراً..

مقالات ذات علاقة

الشاعرة فاطمة مفتاح للطيوب : طرقت جميع الأبواب لكن دون جدوى !

مهند سليمان

القاص: أحمد يوسف عقيلة: القصة في ليبيا لا تقل شأناً عن القصة في أي مكان من العالم

المشرف العام

الكاتب فرج الترهوني: نحيا كابوسًا والوطن يتباعد كل يوم

محمد الأصفر

اترك تعليق