المقالة

ابن الرايس ..الهادى بولقمة جغرافيا لوحده

الدكتور الهادي أبولقمة
الدكتور الهادي أبولقمة.

 

كان مفهوم الجغرافيا بسيطًا لدى عجائزنا مفاده أن الدنيا على قرن ثور وحين دخلنا المدارس اكتشفنا أن الجغرافيا فكر وتراث وعلم كان مجسم الكرة الأرضية يستهوينا وكان لوجود الخرائط الملونة المعلقة فى الردهات والحصص التى تمتلئ بالحديث والشرح عن الموقع ومظاهر السطح ونسيم البرونسيم البحر والرياح بأنواعها ونشاط السكان وكل شىء يتصل بالأرض والبشر أثر جعلنا نحب حصة الجغرافيا.

ورغم هذه الأهمية الكبرى ظل الليبيون يهتمون كثيرًا بالتاريخ ولم يلاحظوا كثيرًا ارتباط التاريخ بالجغرافيا عبقرية الموقع والمكان الذى خلفه الصحراء وأفريقيا وأمامه البحر وأوروبا وطوله ساحل طويل أيضًا وثروة وذهب وشمس وتنوع فى الحضارة والتلاقح مع الغير كانت ليبيا جغرافيا وتاريخًا لكن العديدون لم يأبهوا بذلك.

برز المؤرخون من بين الليبيين فى فترات مختلفه وفى الجغرافيا ظل ابن الأجدابي وكتابه الأزمنة والأنواء شاهدًا يكاد يكون وحيدًا نحو تأصيل هذا العلم الذى جعلت له الجامعات كليات لوحدها والتاريخ يظل أيضًا وحيدًا دون أن تسنده الجغرافيا.

انطلقت الجامعة الليبية عام 1955 بالدفعة الأولى التي كان قوامها 31 طالبًا منهم ثلاثة فقط دخلوا قسم الجغرافيا وكان الدكتور عبدالعزيز طريح شرف أستاذهم ورئيس القسم وأصدر كتابه الشهير جغرافية ليبيا وبعده تواصل مع زميله الدكتور إبراهيم رزقانة الذى أصدر كتابه عن جغرافية المملكة الليبية لتدريس الطلبة سعيًا لتخريج وإعداد مدرسة جغرافية ليبية تنتبه لموقع بلادها وتكتب عنه وتبحث فيه.

كان طريح ورزقانه من مصر ثم حضر من سوريا الدكتور جمال الدين الديناصورى وأصدر كتابه جغرافية فزّان وحتى تلك الفترة لم تعرف الجغرافيا الليبية أحدًا من الليبيين لامس أبعادها سوى البعض من المعلمين وفى مقدمتهم الأستاذ محمد مسعود فشيكه فيما ظل قسم الجغرافيا يزداد الإقبال عليه للدراسة وتطورت مناهجه وأبحاثه بحكم الظروف والزمن.

وهنا عاد الفرسان الثلاثة فى الجغرافيا من مصر الهادي بولقمة ومختار بورو ومحمود الخوجة أول الأساتذة الليبيين على المستوى الأكاديمي وشرعوا فى التدريس بالقسم وكانوا يحملون شهادة الماجستير.. اقتربوا من المدرسة الجغرافية المصرية وأجواء زمن الخمسينات فى القاهرة ثم أوفدتهم الدولة إلى درهام للحصول على الدكتوراه فعرفوا عن قرب تفاصيل الحياة الجغرافية والبحث بين جدرانها التقت مصر وأوروبا لتمنح وقدات لهذه المواهب الكبيرة التى أعملت فكرها والتزمت العطاء العلمي الخالص.

الزاوية عام 1934 كان الاحتلال الإيطالى استمر فى توطيد نفسه وتوطينها على تغيير معالم البلاد وتأسيس الإدارة وإدخال أدوات الحداثه والشروع فى إنشاء الطريق الساحلي الممتد من الغرب إلى الشرق وثمة سكة حديد تعبر الزاوية إلى زوارة من طرابلس مزارع تنتظر الجوعى للأرض من المعمرين الطليان محاولات نحو تغيير هوية الوطن وجغرافيته وصولًا للشاطىء الرابع.

الزاوية كانت تشكل جغرافيا خاصة التقت مع التاريخ عمل محمد أمين المهدوي والد شاعر الوطن رفيق وساهم فى المقاومة الوطنية هناك عند وقوع الغزو فرحات الزاوى ممثلها فى المبعوثين التركى محمد الهنقارى وابنيه إبراهيم ومصطفى الفلسفة وليبيا يانغما فى خاطري وطاهر الزاوي وحسن إبراهيم السوري المعلم وزاوية الأبشات ومحمود البشتى الذى كان أول مدير للجامعة الليبية عند تأسيسها ومحمد على عجينة القاص والراوي والمدرسة الثانوية ومدرسة الزاوية العسكرية وأولى كتائب الجيش الوطني والكثير من الملامح شخوص وأحداث ومعالم هنا 1934 يرى الهادي بولقمه ابن الرايس مصطفى الدنيا ويعرف لاحقًا أن مدينته هى امتداد لوطن جغرافيا واحده وتاريخ واحد.

الدراسة الثانوية ثم إلى مصر وإكمال الدراسة الجامعية هناك والعودة بطموح الشاب الذى يود أن يجعل من الجغرافيا مع زملائه فكرًا عميقًا لايعتمد على مظاهر السطح والرياح التجارية يصبح استاذًا فى جامعة وطنه وأطروحته العلمية فى الدكتوراه كان عن جغرافية المدن وبنغازى بالذات ولم يتأخر فى تنمية وتطوير القسم ثم الجامعه التى أضحى وكيلها ثم رئيسها وواجه العديد من الأمور التي أحاطت بها لكنه كان على الدوام الهادي بولقمة ابن الرايس التاريخ والجغرافيا

لم يسع إلى وجاهة ولم يتكالب على منصب لكنه فى كل الأحوال التزم الجانب العلمي وأشرف على طلبته واقترب منهم ورافقهم فى رحلاتهم العلمية وخرج الكثير من الجغرافيين الليبيين واهتم فى وقت مبكر بالدراسات الليبية واشتغل فى هدوء.

فى عام 1968 منذ خمسين سنة كان رئيسًا للجمعية الجغرافية بكلية الآداب ومع طلبتها وهو الأستاذ الحريص على التاريخ والجغرافيا استطاعوا فى فترة تشهد فيها البلاد الدعوة العميقة والحرص على التحسيس بقيمة الشخصية الليبية إحياء ليلة نادره فى قاعة مبنى الإدارة العامة كان اسمها الليلة الليبية كانت ليلة متميزة الحضور باللباس الليبى والأكل كان ليبيًا والفقرات ليبية وكل شىء كان ليبيًا توكيد على التاريخ والجغرافيا حتى لايضيعا ولم يتوان عن الترجمة والتأليف فى تخصصه الذى أحبه حتى الموت بعد أن كان ينوى الاتجاه فى البداية لدراسة القانون.

فى أبريل الماضي العاشر منه يرحل ابن الرايس فى هدوء فى أحد مصحات صفاقس حيث يعالج يرحل والوطن يمتلىء بالمتخمين والسراق الذين لايعرفون قيمة الوطن والتاريخ والجغرافيا.

وبعد أيام قليلة من الآن تحل ذكراه الأولى ويبقى على امتداد جغرافية الوطن وتاريخه رجل وقامة هو الهادي مصطفى بولقمة وتصغر أمامه كل تفاهات السراق والمتخمين ..البقاء للجغرافيا والتاريخ.

_________________

نشر بموقع بوابة الوسط.

مقالات ذات علاقة

الإعلام العربي وهاجس المصداقية

أبوالقاسم المزداوي

القراءة مستقبل الطفل

المشرف العام

سحر الحاج معتوق

عبدالرحمن جماعة

اترك تعليق