الشاعر محمد المزوغي.
حوارات

محمد المزوغي: الشاعر الليبي خذلتُهُ مؤسساته الثقافية التي لم تهتم به ولا بإبداعه

وكالة أنباء الشعر

تنفسنا الصعداء ورأينا في هذ العودة لاتحاد الأدباء العرب خطوة نحو التعافي
مشاركتي في معرض القاهرة للكتاب هي كوة الضوء نطل منها على العالم

الشاعر محمد المزوغي.
الصورة: منتدى السعداوي.

هو شاعر واعلامي من الشعراء الذين عاصروا كبار الشعراء العرب، كان قلمه يبدع في حوارات ولقاءات معهم عبر مجلة الثقافة العربية، يؤلمه ماحل في بلده ليبيا، يشعر بابتعاد اخوته العرب عن أدباء وشعراء بلده، اعتبر مشاركته في معرض القاهرة الدولي للكتاب بمثابة باب فتح له على العالم، وجد في عودة كتاب وأدباء ليبيا للاتحاد العام والكتاب العرب خطوة هامة في سبيل احياء الأدب والشعر الليبي، هو الشاعر الليبي محمد المزوغي الذي كان لنا معه هذا الحوار

– اخبرنا عن بدايات تجربتك الشعرية

أقول إنني بدأت أوائل الثمانينات منبهرا بقصيدة التفعيلة وأقطابها لكن سرعان ما اختطفتني القصيدة العمودية التي أكتبها بروح الحداثة وبلغة معاصرة وأخلصت لها لأكثر من ثلاثين عاما كان ولايزال الإنسان والجانب الإنساني هو محورها الأول إن لم يكن الأوحد
أول دواويني صدر عن دار المخطوط العربي سنة 2001 بعنوان ما تبقى من سيرة الوجد حظي بعدة دراسات لنقاد من المغرب والعراق ومصر وليبيا وآخرها ” بعضُ ما خبّأ الياسمين ” صدر سنة 2013 عن دار الساقية ولي تحت الطبع ديوانان هما :
” لا وقت للكره”و”العارفون”

– بما أنك تكتب القصيدة العمودية بروح الحداثة كيف تجد صدها في الوسط الشعري الحداثوي؟

مازال هناك من يقف مدججا بكل المفاهيم القديمة عن الحداثة فلا يراها خارج قصيدة النثر ويتخذ الموقف الرافض نفسه من النصِّ العمودي المعاصر الذي أحدث خلخلة في المفاهيم السّائدة وأكّد أنّ الشكل الخليلي قادر على التماهي مع قضايا الإنسان المعاصر شأنه في ذلك شأن اللغة العربية نفسها التي أثبتت قدرتها على التطور المذهل وإحاطتها بكل أنواع التعبير
المبهج في الأمر أنّ المتلقي بعيدا عن النقد المؤدلج يجد نفسه في القصيدة العمودية المعاصرة ويتفاعل معها ويرى أنها تعبر عنه تماما وربما يعود هذا إلى أنها تمثل التطور الطبيعي للشعر العربي فهي تعتمد على أصالة الشكل وحداثة المضمون
والمبهج أيضا أنّ شعراء الْيَوْمَ إنسانيون منفتحون على كل الأشكال الشعرية لا يصادرون شكلا على حساب شكل وأنّ الحروب القديمة حول الأشكال الشعرية ربما تكون ذهبت إلى غير رجعة.
وبخصوص القصيدة العمودية المعاصرة التي يكتبها شعراء مذهلون أمثال محمد عبد الباري وحسن شهاب الدين وأحمد بخيت ومحمد عريج وأحمو الحسن وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن أجزم أنهم يمثلون مرحلة ما بعد الحداثة وأنّ النقد لم يلتفت حتى الآن بشكل كاف إليها ولم يستوعب بعد أن مرحلة جديدة من الشعر بدأت على يد بدوي الجبل وعبد الله البردوني وبلغت ذروتها الآن بحاجة إلى تحليل نقدي يكون في مستواها ويصنفها كمدرسة جديدة في الشعر العربي المعاصر .

– توليت مناصب إعلامية كثيرة لأي درجة خدمك الشعر في هذه المناصب ؟
الإعلامي يتقاطع مع الشاعر فيه ،يهيمن عليه ،يحاصره ،يستولي على كل الوقت والجهد ولهذا بالكاد يفلت الشاعر من أسر الإعلامي وقد جربت ذلك ولعلك وقفتَ على حقيقة أنَّ العمل الإعلامي لا يعطيك بعضه حتى تُعطيه كلك والعمل الإبداعي كذلك ولهذا يحدث التصادم وغالبا ما يخرج الإعلامي منتصرا
لكن من جانب آخر يتيح لك الإعلام مساحة للتعرف على المبدعين والوقوف على المنجز الإبداعي
وقد ترأست تحرير مجلة الثقافة العربية التي كانت في وقتها تضاهي مجلة العربي الكويتية ومن خلالها مرّ الكثير من المبدعين العرب كفدوى طوقان والبياتي وسميح القاسم والبردوني والمقالح وإحسان عباس وَعَبَد السلام العجيلي وسليمان العيسى وأمل دنقل وعزت الطيري ومحمد عفيفي مطر وحسن السوسي ورجب الماجري والقائمة تطول
هذا الاحتكاك بالعمالقة يتيح لك قدرا من الانفتاح على التجارب الإبداعية المهمة ويخلق لديك حافزا للركض في دروبهم.

– كذلك قمت بإعداد العديد من البرامج للتلفزيون والاذاعة ضعنا بصورة عن هذه البرامج وخدمتها للغة العربية؟

معظم البرامج التي أعددتها تدور في فلك اللغة العربية سواء من حيث تاريخ اللغة ونحوها وصرفها وفنونها البلاغية أم من حيث النصوص الإبداعية التي كتبت بها والنصوص النقدية التي أبانت مواطن الإبداع ومواضع الخلل ولعلَّ الحظّ وقف بجانبي وخدمني عندما أتاح لتقديم برامجي كبير الإذاعيين الليبيين الأستاذ علي أحمد سالم الذي مثل دور بلال في “فلم الرسالة” هذا الرجل بصوته الشجي وإلقائه البديع كان هو والإذاعية الأستاذة هدى صبري أيقونة نجاح برامجي الإذاعية كبرنامج “أنسام الإيمان” الذي كان يتناول آية قرآنية في كل حلقة ويقف على تفسيرها وأسباب نزولها واختلاف قراءتها وما فيها من نكت بلاغية ولغوية ثم لا نكتفي بذلك كله حتى نقف فيها على مالم يُسبقْ تناولُهُ من وجوه البلاغة القرآنية غير جازمين بصوابيته وإنما هو اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ
ومن البرامج “رياض عربية” وهو برنامج تناول بالنقد والتحليل مئات القصائد العربية كما تناول الكثير من القضايا النحوية والبلاغية .
أما برنامج “يقولون فلا تقل مثلهم” فكما يشير عنوانه يتناول الأخطاء الشائعة
وتناول برنامج “في نور القرآن ” التلفزيوني” وجوه الإعجاز القرآني
هذه نبذة عن بعض البرامج وباقيها لا يخرج كثيرا عن مواضيعها.

– بعد سنوات الحرب في ليبيا كيف هو وضع الشعر فيها؟ وكيف وضع الثقافة؟

أسهمت الحرب في خلق عزلة مكانية ،وعزلة نفسية ، موجات النزوح التي جرفت الآلاف، تدهور الوضع المادي، انعدام السيولة، انقطاع الكهرباء المتكرر، انقطاع الوقود في بلد نفطي، الرعب من المجهول، كل هذا وغيره انعكس على الوضع الثقافي وعلى الراهن الشعري لكنه لم يفلح في إيقافه فلم يكفّ الشعراء عن كتابة القصائد ولم يكف المهتمون بالثقافة – خارج الدوائر الرسمية – عن عقد الندوات والأمسيات لكن التواصل مع المشهد الثقافي العربي هو الذي أصبح صعبا فإخواننا في المهرجانات الشعرية التي تُعقد للشعر العربي كثيرا ما يتجاهلوننا، ومطارات الدول العربية كثيرا ما تنظر إلينا بعين الريبة نحن الذين انقلبت أمورنا رأسا على عقب واكتوينا بنار الإرهاب.

– شهد المؤتمر العام للأدباء العرب الذي أقيم في دمشق مؤخرا عود اتحاد كتاب ليبيا للاتحاد العام ماذا تقول بهذه المناسبة؟

تنفسنا الصعداء ورأينا في هذ العودة خطوة نحو التعافي فنحن نؤمن أنّ الثقافة تظل الأقدر على لمّ الشمل ورأب الصَّدع وأنّ ليبيا أسهمت كثيرا طيلة عقود من الزمن مع أشقائها في خلق هذا الكيان وأنّ عودتها إليه هي عودة إلى بيتها.

– دعيت للمشاركة بفعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب بعد انقطاع لسنوات عن مصر وفعالياتها فماذا تقول بهذه المناسبة؟

تأتي مشاركتي في فاعليات معرض القاهرة الدولي للكتاب بعد انقطاع تواصل لنحو خمس سنوات كاملة ؛بسبب الظروف التي مرّت وتمرّ بها ليبيا ،وقد سعدت جدا بدعوة الدكتور هيثم الحاج علي رئيس معرض القاهرة الدولي للكتاب لإحياء أمسية شعرية أحاول من خلالها تمثيل الحركة الشعرية في ليبيا وبيان مستواها الذي لا يبعد كثيرا عن المستوى الذي وصل إليه أشقاؤنا في الدول العربية .
هذه المشاركة أرى فيها كُوّةً للضوء نُطِلُّ منها على العالم ونرمِّم من خلالها جسور التواصل مع الأشقاء من خلال إيصال صوتنا الشعري وتقديم ملمح من تجربتنا مع الكلمة الشاعرة.

– قام النقاد بدراسة بعض أعمالك برأيك هل النقد في ليبيا يأخذ دوره في تقييم الأعمال الأدبية؟

بصراحة النقد في ليبيا على الرغم من وجود عديد الأسماء المهمة إلا أنه متخلف كثيرا عن الأعمال الإبداعية في ليبيا ليس تخلُّفا في المستوى وإنما تخلفٌ في الاهتمام
وربما تجد الأعمال العربية اهتماما أكثر من الأعمال المحلية وهناك الكثير من المبدعين كالشاعر د.علاء الأسطى الذي يكتب نصوصا شعرية باحترافية عالية وكالشاعر عمر عبد الدائم والشاعرالشاب هود الأماني وأسامة الرياني وفاطمة الرقيعي وفاطمة العويمري وأحمد الفاخري وغيرهم كثيرون لا نجد دراسات تنصفهم وتقدمهم للقارئ العربي .

– بعيدا عن الحرب لماذا يغيب الشاعر والأديب الليبي عن الساحات الأدبية العربية بشكل عام؟

الشاعر الليبي خذلتُهُ مؤسساته الثقافية التي لم تهتم به ولا بإبداعه الاهتمام الكافي وإذا استثنينا بعض السلاسل التي صدرت عن وزارة الثقافة ومجلس الثقافة العام خلال الأعوام القليلة التي سبقت حركة فبراير
فإن المؤسسات الثقافية طوال عقود طوال لم تسع لتقديم الشاعر الليبي إلى المشهد العربي ولا إلى التعريف به ولَم يسع هو إلى ذلك أيضا ربما لا نبهاره بأقطاب الحركة الشعرية في الجارة الشقيقة مصر التي حاصرته نصوصها في كتابه المدرسي وفي الصحف اليومية وفي أحاديث الإذاعات منذ أن استمع إلى الراديو لأول مرة فرسخ في نفسه لن يستطيع تجاوزها بالرغم من أن شاعرا كبيرا كالراحل رجب الماجري عاصر كل حركات التجديد في الشعر العربي الحديث من نهضة البارودي إلى مدرسة الديوان إلى جماعة أبولو وشعراء الرابطة القلمية إلى بروز شعر التفعيلة على يد السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وكان يبدع في الوقت ذاته نصوصا لا تقل روعة ولا جمالا عن نصوص مجايليه من أقطاب هذه المدارس ومع هذا لم يُطبع ديوانه الذي أشرفت إلا في الألفية الثانية ، ربما لكل هذه الأسباب ظل منكفئا على ذاته لا يؤمن بشاعريته باستثناء قِلّة تمردت عن هذا الواقع وحاولت التخليق خارج السرب.

– بين فلسفة الشعر وابداع الاعلام والغوص في بحور النقد أين يجد محمد المزوغي ذاته؟

أَجِد نفسي في الشعر الذي أخذ بيدي إلى عوالم لم تُكتشف وقدم لي مرارا مصباح ديوجين وأراني إنسانيتي ،إنه يقدم الجمال في كل مرة ويعد بالأجمل في المرة قادمة
هذا الشغف الذي يشعله الشعر هو الذي يجعلك تنحاز إليك ويصرفك عن سواه .

– ماذا يحضّر الشاعر محمد المزوغي لجمهوره ومحبيه؟

فرغت من إعداد ديوانين الأول بعنوان “لا وقت للكره “والثاني بعنوان ” العارفون ” وآمل أن يجدا طريقهما للنشر قريبا .

– كلمات ننهي هذا الحوار

– بعد الشكر الجزيل لوكالة أنباء الشعر على إتاحة هذه الفرصة وللأستاذ زياد ميمان أختم هذا الحوار الجميل بكم بمقطع من قصيدتي
” أقوى من الموت”
نثرتُ في الشعر إحساسي
إذا فقد الإحساسَ شعرٌ
فَمَزِّقْ حَرْفَهُ الْكَذِبَا
الشعر أن يُشْرِقَ الإنسانُ فيك فلا
ترى الْفوارقَ
لا لوناً ولا نَسَبَا
ولا أقولُ جميلا ما كتبتُ هُنَا
فَأَجْمَلُ الشعرِ
شعرٌ بَعْدُ ما كُتِبَا

مقالات ذات علاقة

الحبيب الأمين من شاعر يكتب باسم مستعار خوفا من قمع النظام إلى وزير للثقافة في ليبيا الثورة

المشرف العام

علي عبداللطيف حميدة: الاستعمار الإيطالي كان عنصرياً وبشعاً وقام بجرائم إبادة

رامز رمضان النويصري

الروائي محمد الأصفر: لا أكتب لغرض الترجمة ولن أرضخ لمواصفات ناشر

زكريا العنقودي

اترك تعليق