كَانَ الشَّاعِرُ (اعروق بومازق) في سفرٍ فَعرَّجَ على بيتِ أحدِ شيوخِ القبائِلِ المعروفةِ، وكانَ يعرِفُهُ، ويعرفُ مكانَتَهُ كَشَاعِرٍ كبيرٍ مجيدٍ، فاهتمَّ بِهِ الشَّيْخُ اهتمامًا كبيرًا، وَاعْتَنَى بِرَاحِلَتِهِ كَعَادَةِ أَهْلِ البَادِيَةِ إِكْرَامًا لِلضَّيْفِ، وَإِكْبَارًا وَتْقِدِيرًا لَهُ، لَكِنَّ هَذَا الاهْتِمَامَ البَالغَ، أَغَاضَ أَحَدَ شُعَرَاءِ القبيلَةِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذهِ العِنَايَةَ المبَالَغَ فِيهَا بِضَيْفٍ غَرِيبٍ، فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ الشَّاعِرُ (اعروق بومازق)، فَأَرَادَ شاعرُ القبِيلَةِ أَنْ يَخْتَبِرَهُ؛ فَقَالَ مُخَاطِبًا إِيَّاهُ:
(تهايا قديم الغلا يا اعروق .. وْجَتْنِي اِتسُوقْ .. العَيْن دَمْعَهَا سَيْل مِزْنَه ابروق)
فَأَجَابَهُ الشَّاعِرُ اعروق بومازق مرتَجِلًا قَائِلًا:
تهايا قديم الغلا بالصَّحيحْ .. ومنَّه جريحْ .. عْيُون من رَقَى وَيْنْ هَبَّتْ الرِّيحْ
تَعَلَّاَلها فوق .. وجاها يْسوق .. خَلَّا ردفها عَ الوطاه امعزوق ..
وعاد ريشها من أظفاره وزيح .. كما تبن فوق .. خذنَّه مذاري مع ريح روق ..
فَكَانَ رَدًّا كَافِيًا وَافِيًا، كَفِيلًا بِإِسْكَاتِ الجَمِيعِ.
(عروق مازق) عروق مازق حدُّوث البرعصي. شاعرٌ معروفٌ ومن أعيان قبيلة البراعصة وَجَدُّهُ شيخها المشهور في العهد التركي بوبكر بوحدُّوث الذى تمرَّدَ عليها وأُودِعَ السَّجْنَ أثر ذلك في بنغازي. ولد في أواخر القرن التاسع عشر بالجبل الأخضر وحفظ القرآن الكريم، وشارك مع شقيقه يوسف مازق في بعضِ مَعَارِكِ المُقَاوَمَةِ المُبَكِّرَةِ ضِدَّ الاحْتِلالِ الإيطَالِيِّ، وكانَ من ضمنِ المجاهدين في دور أنور باشا في درنه. هاجر إلى مصر وأقام بها مدة من الأعوام وشارك في العمل الوطني هناك وحضر اجتماع 9 اغسطس 1940م في بيت الأمير إدريس بالقاهرة، وعاد إلى البلاد عام 1944م، واستقرَّ في البيضاء، قال الشعر في أغراض كثيرة.. الوطنية ووصف الخيل، والغزل غير أنه اشتهر شهرةً كبيرةً بما نظمه عن الحركة السنوسيَّة إجمالًا ومدحه واعتزازه بدورها خاصة من خلال شخصية الملك إدريس ومرثيِّته الشهيرة في السَّيِّدِ أحمد الشريف في ذكرى الأربعين لوفاته عام 1933. له طريقة مميزه فى الالقاء وأذكر أنني رأْيته يلقي إحدى قصائده رفقة الشاعر جعفر الحبُّوني بحضور الملك في مهرجان شعبي بمدينة القبَّة في إبريل 1968. كف بصره وتوفِّي ودفن بالبيضاء عام 1970م عن عمر قارب التسعين عامًا.
__________________________________
من مخطوطِ كتابي: حكايةُ قصيدةٍ حكاياتٌ شعريَّةٌ ليبيَّةٌ.