متابعات

أصالة التراث ودلالة الموروث

استأنف صالون الزيدان، جلساته الثقافية في أمسية الأحد 28 / ذي القعدة المعظم 1438هــ / الموافق 20 / أغسطس / 2017. فعقدت الجلسة بمقر الصالون تحت عنوان: أصالة التراث ودلالة الموروث، متحف طبرق انموذجاً.

صالون الزيدان، ولقاء حول أصالة التراث ودلالة الموروث.

استهلت الجلسة ممن أوكلت إلبه مهمة إدارتها والإعداد لها الأستاذ خالد افريوات ؛ بالحديث عن قيمة التراث وما فيه من أحداث ومواقف وأدوات تشكِّل رمزية بل رمزيات يحملها الموروث بين ضفاف حقب وسنوات مرَّت كانت حاضرة وهي اليوم حاضرة وستمر وستبقى موروثًا، ثم أردف بنبذة عن متحف طبرق ، ومقره الكائن بالمبنى القديم المقابل للمصرف التجاري فرع طبرق ؛ فأشار إلى أن المتحف في طبرق ولد من رحم الموهبة ؛ في بداية السبعينيات بمدرسة طبرق الثانوية التي كان مقرها قصر دار السلام سابقاً . أسس كمنشط قام به معلمي المدرسة وتلاميذها ثم أكمل دور تأسيس المتحف جمعية الفُنيق عام 1991م ، التي كانت تُعْنى بجمع المُقتنيات الأثرية ، واتخذت من المبنى الواقع بوسط المدينة المتخذ كنيسة كاثوليكية فيما مضى مقرًا للمتحف ، وأشار الأستاذ خالد أن هذا المبنى القائم يحمل دِلالة ورمزية دينية توضح علاقة قديمة لمدينة طبرق بشعائر الأديان السماوية السابقة؛ فهذه الكنيسة تم تشييدها عام 1932 م وكانت شاهدًا على حُقبة الحرب العالمية الثانية التي دمرت جزءًا منها في إشارة إلى أبشع صور همجية وإرهاب الحرب التي لا تحترم حتى المعابد الدينية وفي عام 1962م تم ترميم هذه الكنيسة لتكون فيما بعد متحفًا شاهدًا على تاريخ المدينة وما جرى على رُكح مسرحها الواقعي من أحداث مختلفة.

وكانت المداخلة الأولى للدكتور إسماعيل أرحومة الذي مهَّد لحديثة بعرض شيق لأهمية الإعلام في تسجيل ثقافات المجتمعات ،وعرج مركزًا على دور الصحافة كونها سجلا للتوثيق الدقيق لمجريات الأحداث وهى مُكون مهم لمقتنيات المتحف ينبغي وجود محفوظات (أرشيف) منظمة ومنتظمة تدون كل إصدار صحفي وتحفظ كل عمل منشور فيها مع التركيز على الحداث المهمة كي لا تضيع هُوية البلاد الثقافية . وذكَّر ــ على سبيل المثال ــ بأسماء صحف كانت صوت المجتمع الليبي في كثير من الحقب الزمنية (صحيفة طرابلس الغرب – الترقي – العصر الجديد – المرصاد ) ومنها ما صدر باللغة العربية ، ومنها ما صدر باللغة العربية والتركية معًا ، ومنها ما صدر باللغة العربية والايطالية.

بعد ذلك أعطيت المداخلة للدكتور سليمان زيدان الذي تحدث عن أهمية المتحف في بيان وصون ثقافة المجتمعات ، وأشار بأن الجهد المبذول في المتحف الليبي غير كاف لتوثيق تراث بلد كليبيا وتاريخه ؛ فإثبات تواريخ وأحداث وموضوعات الرحلات التي مرَّت بأرض ليبيا ، وكشف ما اشتملت عليه مدونات الرحالة الذين مروا بليبيا مفقود في المتحف على الرغم من أهميتها ، ومفقود الجهد في البحث عنها مع أنَّنا نقدِّر الجهد الفردي التطوعي من بعض الهواة ، لكنه لا يكفي لإظهار قيمة المتحف وما يفترض أن يكزن له من دور مهم في التعريف بكل ما يجب معرفته من معلومات وعادات وتقاليد وسير لعلماء وأدباء ورواد أسهموا في رسم معالم الحضارة الإنسانية . معلومات ومعارف يحتاجها كل ساعٍ لتقديم بحث تخصصي عميق ودقيق . تحدث بما هو كائن في متحف طبرق الذي تجد فيه ــ فقط ــ بعض عبارات وبعض مقتنيات وصور للحرب العالمية الثانية وحقبة الاستعمار الإيطالي وغاب عنه توثيق بدايات الاستعمار وأساليبه في السعي لتوطين مواطنين ايطاليين بليبيا وتأسيس بنك روما عام 1905م وقد عرج في الوقت نفسه تجاهل المتحف الليبي توثيق رموز مهمة في تاريخ البلاد وضرب المثل ببعض المعارك كمعركة الكراهب وبئر الغبي ، وبعض رموز حركة الجهاد في برقة مثل الشيخ المجاهد هاشم سليمان وغيره من الرموز الفكرية والأدبية منوهًا في الوقت نفسه على ضرورة توثيق دور الزوايا والمنارات الدينية في المتحف باعتبارها كانت هي دور التعليم في المجتمع الليبي سابقًا ، ومحطات التنوير فيه إذ لم يخرج أغلب هؤلاء الأدباء والعلماء والمجاهدين الذين قاوموا المحتل إلا من خلوات هذه الزوايا والمنارات فهذا الرواق مُهمل في المتحف الليبي بشكل عام والطبرقي بوجه خاص ؛ فلا يجب أن نتعاطى مع الزوايا من منظور عقدي وحسب بل نتعامل معها على أساس أنَّها مدارس تعليمية ومنابر توعوية ومنارات علمية تعليمية ، ونفصل بين دورها في العلم والمعرفة وتحفيظ القرآن الكريم وبين ما يمارس فيها من طقوس تخص مريديها.

ثم بعد ذلك كانت المداخلة للدكتور محمد السيد دمشاوي وبدأ حديثه بقوله كل الشكر للقائمين على شأن المتحف الليبي عامة والطبرقي خاصة بما يقدمونه من مجهود ، ولكن تبقى ثقافة علاقة المجتمع بالمتحف ليست على ما يُرام الأمر الذي يتطلب منا إعادة قراءة ، ووضع آلية لمعالجة هذا الخلل خاصة وأن المتحف المصري المعروف بعراقته وأصالته مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمتحف الليبي وليبيا عامرة بتراث حضارة الرومان والإغريق ولكن صراع المراحل الزمنية ومحاولة كل مرحلة طمس التي قبلها بدوافع مختلفة ضيع كثيرًا من أجزاء التاريخ المهمة ، وسبب القطع في حلقة المراحل والأحداث وتتابعها بالإضافة إلى إشكالية التزييف الذي يعاني منه تاريخ الأمة العربية والإسلامية قاطبة أيما معاناة …

ثم بعد ذلك كانت المداخلة للأستاذ علي عمر الصابر التي حوت التحذير من ثقافة المادة التي تهدد القيمة المعنوية للتراث لأننا نرى أن المتحف الذي يمثل جزءًا مهمًا من هوية المجتمع يتعرض للإهمال وأحيانا الاعتداء بدوافع الطمع والأنا في ظل قصور نظرة الدولة للمتاحف والاهتمام بها.

ثم ختمت هذه المداخلة بكلمة للأستاذ والمدرب الدولي عبدالقادر الدرباك من مدينة بنغازي الذي أشاد بنشاط صالون الزيدان وأبدى شكره على توجيه الدعوة لشخصه من أسرة الصالون لحضور هذه الجلسة منوها على ضرورة العمل من أجل تطوير المتحف الليبي ليسهم في تفعيل السياحة المعرفية؛ فليبيا غنية جدًا بالتراث الأصيل والذي يحمل دِلالات واضحة عن تاريخ وقيم وعقيدة وتضحية بلد ومجتمع ناضل فيه السابقون من أجل البقاء والبناء على أمل أن يلحق بهم من يحافظ ويطور هذا البناء مهما كلف الثمن مستمدين النور من تراث من سبقوهم.

مقالات ذات علاقة

سيكلما تضع رياض الأطفال على طاولة دوائرها الثقافية

المشرف العام

مطالب بحماية المواقع الأثرية في ليبيا

المشرف العام

الدكتورة فريدة المصري تحاضر عن “أدب الأطفال… النشأة والتطور”

ناصر سالم المقرحي

اترك تعليق