غلاف رواية ديجالون. للكاتب: المختار الجدال.
سرد

رواية ديجالون – الحلقة 2

غلاف رواية ديجالون.
للكاتب: المختار الجدال.

-2-

لا أدري إن كان زوجي يعلم إلى أين نحن راحلين أم إنه مثلي يقودونه مثل ما يقودني وابنتي التي جاءت إلى هذه الدنيا قبل ثلاثة أشهر، ولكني أذكر إنه قبل الرحلة إلى الجزائر حاول زوجي عديد المحاولات خاصة عندما سافرنا إلى تركيا والحصول على التأشيرة إلى الولايات المتحدة الامريكة أو أحدى الدول الأوربية، ولكني وهنا أحكي لكم قصتي بصدق، كنت لا أعلم إلى أين ؟؟ أو لماذا كان زوجي يصر دائماً على أن يسافر إلى خارج البلاد.

لكني فيما بعد عرفت إن المجموعة سوى التي رافقتنا في الرحلة أو الذين أنظموا لنا فيما بعد في المغرب والذين تراوح عددهم فيما بين خمسة وعشرين وثلاثون.

كان أغلبهم من الشباب ولكن الشيخ محمد كان أكبرهم سناً وزوجته السيدة الشيخة يبدو إنهما كانا المسئولين عن المجموعة فكان هو من يصدر الأوامر للتحرك من مكان إلى آخر وهو الذي كان يعطي الدروس والمواعظ.

لم يكن لهم هدف معين في رحلتهم سوى الهجرة إلى مكان بعيد عن المجتمع الذي انتموا إليه وولدوا فيه وكفروه في أغلب الأحيان، كانوا يبحثون عن مكان يعتقدون إنهم يقومون من خلاله بالمحافظة على الدين والابتعاد عن متع الحياة.

لكنهم جميعاً لا يعرفون ماذا يفعلون ؟؟ أو إلى أي مكان يتجهون ولا يحملون أي أفكار فهم يعيشون في فراغ فكري كبير ولم يجتمعوا أبدا على أتفاق في رأي حتى في أغلب تفاسيرهم للحديث الشريف أثناء لقاءاتهم والتي كثيراً ما تنتهي إلى نزاع ومشادات كلامية حتى الشيخ محمد وزوجته، فيبدو إن تأثير إقامتهم السابقة في أفغانستان والسودان وتجربتهم في الهجرة لم تمنحهم الثقة في النفس وإظهار بعض التفقه في الدين فقد حضرت عديد المناقشات التي كانت تدور فيما بينهم، خاصة في أثناء تجمعهم بالدار البيضاء.

أحد الشباب الذين سكنوا معنا في المغرب سألته يوم لماذا تركت أهلك وبيتكم ووطنك ؟؟

قال لي… كنت طالب في الثانوية العامة وأفتتح مسجد جديد بحينا كانت فرحتنا كبيرة بالمسجد حضرت الافتتاح ودعانا الشيخ الخطيب إلى تعمير المسجد والصلاة فيه لم تكن لدينا خلفية ثقافية عن أي من الحركات الدينية التي عرفناها فيما بعد…. لم نجد من ينصحنا قلدنا الشيخ في تقصير البنطلون ولم ينبت الشعر في وجهي…. لم أكن مقتنع بتقصير البنطلون ولكن الشيخ قال لنا… إن السروال عندما يكون طويل وتدخل به إلى الحمام يغطس في المياه المتسخة بأرضية الحمام صدقناه…. كنا صغار وغرر بنا شيخ الجامع المكلف من قبل الدولة…

بعد الامتحانات جاءت سيارة بها أربع أشخاص واقتادوا والدي لم أكن موجود ولا أعرف لماذا اقتادوه ؟؟ وعندما عرفت إن إيقافه كان بسببي ذهبت إليهم وسلمت نفسي وأطلق سراحه… وبعد شهر من التحقيق أطلق سراحي.. ولكني لم أترك الصلاة في المسجد.

مضت ست أشهر تقريباً ثم سمعت إن بعض من الشباب الجيران قبض عليهم عندها خفت أن يقبض علىّ من جديد فسافرت إلى تونس ولم أعد حتى الآن… وأنا الآن لا أعرف لماذا أنا هارب ؟؟ وممن أنا هارب ؟؟..

ومثله كثيرون خرجوا من البلاد ولا يعرفون لماذا خرجوا؟؟ وممن هم يهربون ؟؟.

اسأل نفسي أحياناً لماذا ارتديت الخمار ؟ لا أجد إجابة… ولكن أعود بالذاكرة إلى عام 1986م عندما ارتديت الخمار لأول مرة بعد الزواج وأصبحت أرى الناس بوضوح من خلف الخمار ويروني أكثر وضوحاً…. وكثيراً ما أرى نظراتهم تتبعني من الخلف بعد أن أمر بهم، قد يغضون طرف العين حينما أقابلهم ولكن ما أن يختفي وجهي حتى يلتفتون.

وحكاية الخمار لم يفرضها زوجي بل ارتديته بمحض إرادتي نزولاً عند رغبتي وانسجاماً مع ما أصبحت أحمله من أفكار تدعو إلى تكفير المجتمع الذي أعيش فيه، لقد أصبحت أعيش مع أفكار لا أفهم الآن ما الذي جرني إليها ؟ أو كيف وصلت إلى إتباعها.

ارتديته في أول رمضان كنت أبتغي التميز فقط التميز على المجتمع الذي أصبحت أكره أن أستمر في الحياة وسطه فقد كنت أراه يخرج عن تشريع الله عن تطبيق حدود الله.

كنت أنهيت قراءة كتاب يحكي عن الخمار، والدتي كانت ترفض أساساً أن أرتدي حتى الحجاب داخل البيت وعندما نخرج ترى والدتي بأنه لا باس من وضع شئ على الرأس، ولكني لم أسمع كلام والدتي طبعاً تحت تأثير الأفكار التي أصبحت أتجرعها… جرعة…. جرعة.

والدتي كان عندها الاعتقاد في المشائخ وأولياء الله الصالحين، فكانت كثيراً ما تصطحبنا إلى ضريح سيدي يونس، كنت أتركها وأطوف بالضريح، وأطلب إليه أن يزوجني من رجل اسمر كنت أره يقف دائماً في شارعنا.

حدث ذات يوم وأنا أحكي مع والدتي أن صرخت في وجهها أنت وأبي حطب جهنم فوجودكم حرام وحياتكم حرام كلامكم حرام وضحككم حرام وكل حركاتكم حرام في حرام أنتم كفار…. وعندما وجدتني والدتي أصلي ذات يوم قالت لي.. حتى أنا التي زرت بيت الله وحجيت لم أفعل مثلك.. وتسألت والدتي أي دين هذا الذي تتبعينه يا بنتي ؟؟.

ربما تأثرت بالأفكار التي يحملها زوجي دون أن أدري بالرغم من أنني لم أعيش معه كثيراً في بيت الزوجية فعندما تزوجته كان يعمل في الصحراء بأحد حقول النفط وكان عمله يقتضي سفره خمسة وعشرون يوماً ويعود ليبقى بالبيت خمسة أيام كان يقضيها مع رفاقه وأذهب لزيارة أهلي يوم واحد في كل شهر.

قال لي زوجي ذات يوم إن عقد زواجنا كان باطل، لم أساله لماذا ؟ لأنني كنت مثله أعتقد ذلك، كنت أرى المجتمع كافراً وهو يزور أو يحلف بالأولياء وأراه كذلك عندما يزور القبور ولكني في بعض الأحيان لم تبدوا الأفكار عندي واضحة لم أملك زمام أمري كنت تابعة أنظر إلى ما يفعلون وأفعل مثلهم.

لقد تكونت عندي بعض الثقافات بعد أن قراءة لسيد قطب وهو في السجن وقراءة لزينب الغزالي أيام من حياتي، وقراءة كتاب التوحيد لمحمد عبدالوهاب ولكني بالرغم من ذلك لم أكن أرتاح لكتاباتهم.

ولكني وجدت نفسي أتبعة في رحلته إلى تركيا وأنا أرتدي الحجاب ثم في رحلته إلى الجزائر والمغرب بالرغم من أنني نزعت الخمار عند وصولنا المغرب ولم يعلق زوجي لذلك ولم يسألني لماذا؟

لقد نزعته عندما سئمته لم يكن بوسعي تحمل لصلصات العيون المستمر ولم أحتمل حرس البوابات وهم يطلبون مني نزعه للتأكد من شخصيتي وتعليقاتهم.. فكثيراً ما أتعرض للسؤال أنت لا تشبهين الصورة أو إن الصورة لا تشبهك.

المهم أني تخلصت من الخمار الذي كان كثيراً ما قيد حركتي وجعلني عرضة للنقد والاستهزاء وبعد أن عرفت إن الخمار والنقاب يقع في القلب وليس مجرد قطعة قماش تغطي وجهي.

أمي كانت ترتدي الجرد بلون واحد أو الملون وكانت تظهر من وجهها عين واحدة تستدل من خلالها على الطريق ولم تتعرض يوم للانتقاد لأن نسائنا كلهن كن يرتدين الجرد الذي كان من متطلبات تراثنا وليس دخيل عليه.

 

اقرأ: رواية ديجالون – الحلقة 1

مقالات ذات علاقة

جزء من رواية عطر شان

فتحي محمد مسعود

مقطع من رواية «زمن الاخ القائد»

فرج العشة

فصل من “الرسام الانكليزي”

رزان نعيم المغربي

تعليق واحد

رواية ديجالون – الحلقة 3 | بلد الطيوب 5 أغسطس, 2017 at 07:03

[…] اقرأ: رواية ديجالون – الحلقة 2 […]

رد

اترك تعليق