المقالة

بين السلطة والثقافة

الإستثنائي (لا المستحيل) هو أن نعثر على مشهد تتطابق فيه سياقات الثقافة والسلطة.

الاعتيادي هو حالة التناقض والتضاد بينهما.

السلطوي: يحتكر، يحكم، يضبط، يسُوق، يحدّد.

الثقافي: يُشيع، يحاور، يبعثر ممكناته لكي تتطور وتمارس تبدلاتها بحرية.

كلاهما – أي السلطوي والثقافي – يسوِّقان ما يصدر عنهما قولاً كان أو فعلاً، والاثنان يصطرعان لكي يصلا إلى المنطقة نفسها، حيث على أحدهما أن يُسمع ويُمتَثل له! إنها منطقةُ خطابٍ لا يفتأ الناس يكتشفون أنه لا يعبّر عنهم، بينما هما سادران في تخرّصٍ عميق كل كلمة فيه تُلفظ باسم الناس، وكل فعل فيه يدّعي أهليته بدعمهم و(نكايةً في الشعر) بمحبتهم.

في هذه المنطقة يتشاكل الضدّان، سيان أأرادا أن يبدوا بالشكل نفسه أو رغبا في خفْض إشكالياتهما لكي تظهر كما لو أنها خلافات عابرة في “وجهات النظر”.

إنهما يقتتلان: السلطة إذا تحدّثت، وإذا ادّعت من اللغة نصيباً أكثر مما يجب أن تُسْمع؛ والثقافة إذا رغبت في تحميل ما تمنحها اللغة من قوةٍ دورَ المؤسسة.

لقد اشتقّ النسّابون العرب القدامى صيغةً لا أظنها تتوفّر في غير العربية، كانوا يقولون «نسَب كلالةٍ» كلما أرادوا التعبير عن فرعين من أصلٍ، اختلفا حتى كادا أن يكونا جذرين منفصلين.. فإذا أردنا أن ننظر للسلطة في لغتها، وللثقافة في تمأسسها من جانب اشتراكهما في هذه المنطقة سنجد نسباً بين الطرفين، ولكنه نسب مبتور، قرابةً ولكنها استحالت إلى عداء.. حيث دفعت السلطةُ الثقافةَ نحو الشتات، أبناء الثقافة هم أولاد دياسبورا، والثقافي التائه ما زال إلى اليوم يواصل بحثه عن منطقة بديلة يعيش فيها مستقلاً، لاعناً تلك القرابة.

رجل الحُكم (لنتذكر أيضاً رجل الدين) هو عرافٌ يتداركُ أواليات التغيير باستباقها وانتحال لغتها، هكذا نقول أن الثقافة، في عجزها، صارت مجرّد تذهين للواقع .. وأن السلطة، في لحظة تناهبها، أصبحت (وهي تنافح عن نفسها)، وقعنةً مصطنعة لثقافة الحياة.. هذا وضع يستطيع الناس التعايش معه بتجنّبه على الأقل، لكنهما – وهنا المسألة – تصيران شراً كبيراً إذا تحالفتا تحت صيغة هجين هي ثقافة السلطة، وسلطة الثقافة.

لماذا هذا الكلام؟ أستعير توصيفاً شائعاً هو “ثقافة الصمت” وهو تعبير اعتمد عليه المعلّم باولو فريري، أما التوليفة التي أفترضها فهي “سلطة الصمت”. إنه التعبير الذي يستطيع به ذلك المنسي (أي الشعب أو الناس أو الدهماء).. أن يحيا بالرغم من أنه يواصل صمته، ويستطيع به أن يؤثّر بصرامة الواقع غير القابلة للحياد.

هنا.. أستطيع القول أن الاستثنائي (لا المستحيل) هو أن تشترك السلطة والثقافة في سلب البديهيات منطقها وخطابها ليحل منطقٌ وتسود قواعد لا يصدّق أصالتها سوى الحائر.

وبختام موجز، علينا نفكّ تحالف السلطة والثقافة إذا أردنا أن نمارس الحياة بوعي حقيقي، لا بوعي زائف.

مقالات ذات علاقة

الخيال… ابتكار المستقبل

يوسف الشريف

محمد صدقي: الأغنية الليبية الحديثة الأم كانت بصوته

زياد العيساوي

“دار الفقيـــه حسـن” شعــــاع نــــور يحمـل الأمــل

سالم أبوظهير

اترك تعليق