استطلاعات

الكاريكاتير الليبي.. مرآة ساخرة ونقد بنّاء

المستقل

يقول الأديب مكسيم غوركي: «فن الكاريكاتير ذو قيمة اجتماعية نافعة، يعكس أشياء مختلفة غير منظورة بوضوح لنا، وبأسلوب بسيط، يعكس لنا وجوها وملابس وأنماطاً جديدة معينة لتصرفات أناس يعيشون بيننا، عدا عن الطرق الملتوية التي يخوضها فنان الكاريكاتير، والتي عادة ما تكون لأبطال معروفين أو لمرشحين أو رؤساء أو وجوه لمواطنين غير راغبين بأن يكونوا أبطالاً»، هل بهذا الوصف الكاريكاتير لوحة تؤرخ وتوثق لانعكاسات المجتمع؟ في ليبيا يعيش فنان الكاريكاتير طموح كبير في زمن صعب تتقاذفه التجاذبات السياسية والاجتماعية وتوجهات الممول للوسيلة الإعلامية. وإن وجد الكثير في إنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تفي بالغرض وتحقق قاعدة عريضة من المتابعين.

ولكن لا يجب الحديث عن فن الكاريكاتير في ليبيا دون المرور على تجربة الفنان الليبي الراحل محمد الزواوي. الذي جسد بريشته احداث سياسية واجتماعية واقتصادية أصابت الهدف وحققت النجاح. وتجربة الفنان الراحل حسن دهيميش المعروف بـ«الساطور».

هنا طرحنا اسئلتنا على فنانين ليبيين عن مدى مواكبة الكاريكاتير للتغييرات التي مر بها المجتمع الليبي وكيفية التعبير عن المرحلة الراهنة.

اسقاطات المجتمع

الفنان خيري الشريف

يوضح فنان الكاريكاتير خيري الشريف أن فن الكاريكاتير كان في مقدمة المواكبين للمتغيرات التي تحدث في المجتمع الليبي المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الرغم من افتقاد وسيلة النشر داخل ليبيا بسبب الوضع الراهن، وأضاف: «الكاريكاتير كان مرآة صادقة وساخرة وناقدة لهذه المتغيرات والتحولات وكان الأقرب إلى المتلقي من غيره، رغم التهديدات والمخاطر التي قد يتعرض لها الفنان. اعتقد أن الكاريكاتير في ليبيا طور أساليبه لقراءة هذه المتغيرات وطرحها بشكل جديد يواكب شكل ومضمون حركة المجتمع».

كاريكاتور الفنان خيري الشريف

وأوضح الفنان خيري الشريف أنه لا يوجد شيء قد يحدث تغيير جدري في المجتمع قدر ما يفعل الفن. ولدينا التجربة الغربية دليل على هذا وحتى في مجتمعاتنا الشرقية يمكن قلب الطاولة على الجهل والتطرف بالفن كوسيلة طبيعية لتغيير نمط الحياة وسلوك الناس. الوصول إلى مرحلة التذوق هو الجسر نحو السلوك الإنساني القادر على تغيير الأشياء وليس الاعتقاد السائد الذي يلخص فكرة الفن بأنه وسيلة لطرح الأفكار على المجتمع. يجب أن يكون المجتمع قادر على التلقي والتذوق كي يستوعب الفن.

مجتمعاتنا تنظر الى المسرح على إنه قارقوز للضحك وتصنف النحت على إنه أصنام واللوحة على انها «تخربيش» الفن قد يحدث ثورة تنقل المجتمع إلى ثورات أخرى «ثورة العلم» و«ثورة الإنتاج».

وهل الكاريكاتير السياسي تطلبته المرحلة الراهنة في بلادنا؟ قال: الكاريكاتير السياسي والاجتماعي هما نسخة متشابهة بسبب ارتباطهما بفضاء واحد لا يمكن التفريق بينهما. هذا الفن ملئ بالرموز والاسقاطات ويمكن الوصول للفكرة النهائية عبر تفسيرها السياسي والاجتماعي، ويضيف: «أنا لا أحبذ الفكرة الكلاسيكية الواقعية القديمة والتي تطرح الموضوع كله دون ترك فرصة للتأويل. الأسلوب الجديد هو التعرية إلى أقصى حد مع الأخذ في الاعتبار ما قد يحدث بعدها بمعنى يجب أن يكون النقد متماشي مع قدرة الفهم لدى الآخرين للعمل لأن الرسام في ليبيا غير محمي ولهذا يجب طرح الافكار بشكل جديد ودون المساس بثوابت القبيلة والجهة أو العائلة».

الفنان محمد قجوم

يرى فنان الكاريكاتير محمد قجوم أن الكاريكاتير هو فن نقدي بطريقة ساخرة. الهدف منه تسليط الضوء على الظواهر والأحداث السلبية الموجودة في المجتمع المحلي خصوصا والعالم عموما. وتكون هذه الأحداث أو الظواهر اجتماعية – اقتصادية – سياسية أو دينية، وأضاف: «من وجهة نظري الشخصية فن الكاريكاتير لم يواكب المتغيرات التي مر بها المجتمع الليبي بالشكل المطلوب على مختلف الأصعدة نظرا لعدة ظروف اجتماعية وسياسية مر ويمر بها فنان الكاريكاتير الليبي، من هذه الظروف أو الأسباب هي حجب ومنع الكثير من رؤاه وأفكاره ومن ثم تجسيدها في رسوماته من خلال الصحف والمجلات من قبل هرم إدارة هذه الصحف والتي تتبع لسياسات وأوامر السلطات العليا».

مشيرا أن مواكبة التغيرات والمستجدات التي تطرأ على مجتمعنا الليبي تتطلب عاملان أساسيان هما (حرية للتعبير والحيادية والصدق في نقل الواقع من قبل الفنان بكل شفافية وموضوعية مهما كان الموضوع أو الطرح مؤلما أو سلبيا)، وأضاف: «عامل الحرية والذي أعتبره أساسيا لمواكبة المتغيرات في المجتمع يجب أن يكون بمفهومه الحقيقي والتطبيقي وليس بمفهومه الشكلي والخطابي المزيف. والحرية في ليبيا وكما يعلم الجميع منقوصة ولها حدود وخطوط حمراء رسمتها بعض الظروف التي مرت وتمر بها ليبيا حاليا يعلمها القاصي والداني والتي تحول دون مواكبة التغيرات وطرحها بشفافية وواقعية. فمثلا طرح بعض المواضيع الاجتماعية والسياسية برسوم كاريكاتيرية نقدية يمكن أن يسبب سخطا من بعض المتشددين والمؤدلجين فكريا وعقائديا يؤدي إلى تخوين وتكفير هذا الرسام أو ذاك في بعض الأحيان، نظرا لطرحه موضوع قد يكون من واقع الحال لكنه لا يتناسب مع أفكار ومعتقدات وأيديولوجيات هذا الطرف أو ذاك والذي يعرض الرسام أحيانا للخطر».

وأوضح الفنان محمد قجوم أن فن الكاريكاتير في ليبيا لم يصل إلى الحد المطلوب لمواكبة متغيرات المجتمع الليبي على الرغم من وجود مجهودات كبيرة من قبل العديد من رسامي الكاريكاتير الليبيين لبلوغ هذا الهدف. والسبيل الوحيد لبلوغه هو تظافر جهود الفنانين وحبهم لبلدهم ونقدهم البناء والموضوعي والشفاف لسلبيات قد تتحول إلى ايجابيات بعد طرحها ولو بشكل بسيط.

كاريكاتور الفنان محمد قجوم

هناك محاولات ايجابية يستشهد بها من قبل البعض من رسامي الكاريكاتير الليبيين وعلى الرغم من كل هذه الظروف. وأيضا بفضل التكنولوجيا الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فيمكن لفنان الكاريكاتير إنشاء صفحة خاصة ومجانية ينشر بها أعماله لتصل وبسرعة إلى شريحة واسعة داخل وخارج حدود ليبيا.

هل يمكن أن يسهم الفن عامة في احداث تغيير في المجتمع على المدى الطويل؟ فكان رده: يمكنه ذلك. فالفن هو مرآة الشعوب لكنه يحتاج لوقت طويل من الزمن يمتد إلى أجيال قادمة ولا يمكن بلوغ هذا الهدف إلا عندما يكون فنا هادفا، صادقا وغير مؤدلج أو مسيس. ولكن قبل أن نتحدث عن احداث التغيير في المجتمع بالفن يجب علينا أولا أن نحدث التغيير في العقول، عقول الجيل الناشئ وتربيته على تذوق كل ما هو جميل في هذه الحياة وحب واحترام نفسه والآخر وغرس نبتة حب الوطن لتكبر معه فيورثها لأبنائه. وغرس ثقافة الحب والسلام واحترام الرأي الآخر. هذا ما أعتبره من أولى الخطوات نحو طريق طويلة تحتاج إلى الصدق والتفاني لبلوغ هدف التغيير. فمشيتك فن، وحديثك وتعاملك مع الآخر فن والفن هو الحياة.

مقالات ذات علاقة

أيها الشعراء لماذا تكتبون الرواية

خلود الفلاح

«بوابة الوسط» ترصد: دستور ليبيا المُنتظر في عيون مثقّفيها

المشرف العام

مقابر أثرية ليبية تتعرض للنبش بحثا عن الكنوز

المشرف العام

اترك تعليق