وجود المثقَّف الفنان الأديب ضمن لجنة إعداد الدستور ضرورة ملحّة، باعتباره صاحب رؤية إنسانية قوامها الحب والسلام والتسامح والتطلع إلى الأفضل، تمنحه وضعًا مميزًا، وتمكِّنه من أن يكون رمانة الميزان عند اختلاف الرؤى وتضاربها وجنوحها للعنف المادي أو الرمزي.
وإذْ أن الفنانين والأدباء هم ضمير هذا الشعب وهم من يعبِّر عن آماله وأحلامه نحو حياة حرة كريمة، فمن هذا المنطلق ينبغي أن يسهم الفنان والأديب في وضع أسس ولبنات ومبادئ وروح هذا الدستور الذي من المفترض أنْ يُحقِّق الاستقرار لليبيا الجديدة.
الفنانة المخضرمة سعاد خليل صاحبة الإنجازات الفنية والتجربة العريضة التي تجاوزت الأربعين عامًا تلخِّص مطالب الفنانين من لجنة الدستور في عدة نقاط: مثل حرية التعبير بمختلف أشكاله وحرية الإبداع والمبدعين ورعايتهم وحماية إبداعاتهم وحقوقهم الفكرية، وتوفير المناخ المناسب للإبداع والتعبير والابتكار، وتشترط أن تنص مواده على تشجيع الفنون والآداب ودعمها وحماية التراث الثقافي والحضاري لليبيا بمختلف مكوناته.
وتضيف: “نريد دستورًا يؤسس لقيم الحرية والعدالة الاجتماعية وتكافل الفرص والمساواة والأمن للمواطن والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء وحرية الصحافة والإعلام والتعدُّدية السياسية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات في دولة جمهورية مدنية ديمقراطية موحدة ديانتها إسلامية ولغتها العربية وعاصمتها طرابلس”.
في السياق، يقول الكاتب الناجي الحربي المنتدب حاليًا ليرأس اللجنة الإعلامية للجنة الستين المكلّفة بصياغة الدستور الجديد: “وجود مادة في القانون تنص على حرية الرأي كفيلة بحفظ حقوق الفنان والكاتب والأديب، ذلك أن الفنان أو الكاتب هو ضمير الشعب الذي يعبِّر عن آماله وطموحه نحو حياة أفضل، ومن المفترض أن تحتوي مواد الدستور على ما يضمن تحقق مطالب الفنان والكاتب والتي أرى أنها لا تتعدّى عدة مطالب شرعية مثل: حرية التعبير قولاً وفنًا وكتابة وتصويرًا مع تجريم مصادرة الأعمال الإبداعية”.
ويضيف الناجي الحربي صاحب كتاب “حبل الغسيل” المنتقد لسلبيات كثيرة عاشها المجتمع الليبي قائلاً: “كما أن الدستور يجب أن يضمن الرعاية المادية والمعنوية للمبدعين إلى جانب حماية الحقوق الفكرية للمبدع الليبي وحتى العربي والأجنبي. ولا بأس أن ينص الدستور على مادة من شأنها توفير المناخ المناسب للإبداع والتعبير والابتكار من خلال وسائل الإعلام. ولا ضير أن تضمن الدستور مادة أخرى تؤكِّد على تشجيع الفنون وحماية التراث والمحافظة على التعددية للمكونات الثقافية ودعم المؤسسات الثقافية وحماية الآثار، بمعنى أنه لا بد أنْ يشمل الدستور ما يضمن الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص في ظل التعددية السياسية كي تنشأ الديمقراطية في بيئة سليمة خالية من العقد والشوائب.
ويرى الشاعر والصحفي جابر نور سلطان أنَّ الحالة المعقدة التي تعيشها ليبيا الآن سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا لا مخرج منها إلا بصياغة دستور لا يستبعد أي مكوّن أو قطاع أو تيار سياسي. وعن سبب مشاكل ليبيا الحالية يقول سلطان: “لعل ما تعاني منه ليبيا اليوم من معضلات هو غياب المشروع الثقافي الوطني الحقيقي، الذي يؤسس لبناء دولة جديدة تستوعب جميع المكونات، وترسي قيمًا وترسّخ مُثلاً وتحدد ملامح الهوية وتستوعب جميع أطياف المجتمع”.
وركّزت الكاتبة الصحفية زينب شاهين على أهمية تفعيل الفني والثقافي في المادة الدستورية التي تطبخ الآن في مدينة البيضاء مقر اللجنة بقولها: “حضور الثقافي والفني في مواد الدستور يعني حضور وجدان الأمة وعقلها وقريحتها. وجود الثقافي والفني هو الوعاء الروحي للمنطلقات القانونية التي تنظم حياة الناس وتحدد ملامح علاقة سوية بين الحاكم والمحكوم وهي التي ستقطع الطريق على الظلاميين حين تصاغ بطريقة تضمن احترام حرية التعبير وحق التفكير وعدم الحجر على الإبداع وفق قيم وثوابت تتفق عليها الأمة الليبية”.
أما الشاعرة عائشة بازامة فاعتبرت الفن هو الإبداع. وقالت: “لابد للفنّان من مكانة مرموقة وبارزة في خلق الهوية. ومن ملامح الوجود في الوطن الاهتمام بكل ما هو خلاّق في بلورة الإنسان وإعطاؤه روح الإنسانية أولاً وتأطيره بروح الوطنية. وكل ما اهتمت الدولة بمبدعيها وضعت خطواتها على الطريق الصحيح. لأنّ العناية بالروح المعنوية والإبداعية قرين بالعناية بالمادّة. ولابد من توازيهما في المسار معًا. ولهذا يعتبر الدستور وثيقة روحية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمسار الحياة الحاضرة والمستقبلة بتجربة غنية من الماضي. وهي وثيقة تعني طريقة مسار العمل الدولي والوطني تجاهك وتجاه الآخر”.