الشاعرة الليبية سميرة البوزيدي
حوارات

الشاعرة سميرة البوزيدي .. الهذيان الذي ينتج كتابة خلاقة ومختلفة ينبغي جميعا ان نحبه

فيسانيا (حوار: حنان كابو)

أنحت قصائدي بطعم مر

ماذا يريد الشاعر غير نص يضيء على الدوام في داخله!؟

الشعر هو وعي حاد بالذات

المشهد الشعري لكأنه إزدهر في الحرب والفقر

الشاعر الليبي لايطور نفسه يعيش على مجد قصيدة أوديوان

الشعر لدى الشاعرة سميرة البوزيدي يشكل على الدوام ملجأ نفسيا ،تنحت قصائدها بطعم مر ولكنه غريب وجميل، تنطلق كتابتها من الذات ومنها نحو الخارج حيث يمر كل شيء تفاصيل اليومي والمعيشي الحرب الوطن الخوف على اطفالها .

صدر لها «جدوى المواربة» “أخلاط الوحشة “ ، “ السير في توقع”، “يضيء نفسه”، “معابر زلقة « خشب يدخن في عراء« . واخيرا “بوابة الحلم “

حول الشعر ،والحرب ،هاجس النضوب ،والحركة الشعرية الليبية  .

القصيدة تكتبك ،تمارس عليك فوضاها ،لماذا الشعر ؟

ليس من سبب يمكن تحديده، فقط هي حالة تتحقق من خلالها الذات كنوع سام من انواع التعبير عن النفس وهذه العلاقة بقدر بساطتها الظاهرة فهي غاية في التشابك والتداخل ولايمكن شرحها في كل الأحوال !

من جدوى المواربة إلى بوابة الحلم ،تجربة تتطور وتتنوع والكثير من الجنون ،هل الكتابة سفح من هذيان ؟

الهذيان الذي ينتج كتابة خلاقة ومختلفة ينبغي جميعا ان نحبه اليس كذلك؟!

قهوة مختلة

 الحمدلله

انني مازلت أغني

وانه بوسعي ان أكتب المزيد

من أوهامي

واجعلها أناسا يمشون ورمالا وبيوت

وأطفالا يعجنون قلبي.

وأنني لازلت في نزقي القديم

اكذب برقة

وأطرف رموشي

كي يجعلني هذا الوقت صديقته

احلب له الحروف من ضرع معزة تطير

وأجعدله وجهيكي يضحك

واسوي لهم ما كتبت جبل يطفو في الهواء

اصنع له قهوة مختلة

نسقيها للكتب التينحب

ونلحسها من على اصابعنا ضاحكين

وفي المساء نتفرج معا على فلم معاد

نبكي في كل مرة على نهايته .

 تحت القصف وشبح الحرب المخيف الذي يطاردنا ،كيف تجالسين قصيدتك في تلك الأجواء المشحونة بالخوف والرعشة ؟

لولا الشعر لكنت دخلت في عقلي ولم أخرج الحقيقة طوال ما مر بنا من قصف ورعب وقذائف كان الشعر على الدوام يشكل لي تحديدا ملجأ نفسيا حتى اني أحسب أن أهم منعطف في تجربتي هي هذه الفترة التي نحتت قصائدي بطعم ما ! مُر نعم ولكنه غريب وجميل ايضا.

 أحرس نصا

هرب من صوت الحرب

أحيانا أجلسه في هواء النافذة

وأتركه يجف من دموعي

ومرات أخبئه في قبو الدار حتى يتعطن

أو أتركه يجري في الحديقة وحيدا

مثل مسخ مجنون

يخافه الجيران فيغلقون نوافذهم

وهم يضحكون .

واليوم تركته لأطفالي

فوجدته معجونا مع صلصال ملون

بهيئة وجه يضحك

ممزوجا باللعاب

ومسحوقا من اللعب .

أحرس نصا

مركونا بإهمال على سطح المكتب

داخل “وورد ” مزّرق من الخوف

كلما فتحته سالت مياه مالحة جدا

وأسماك مثلوجة

تقشرت من الترقب

و شرعت تسبح لتعود الى بحرها.

أحرس وهما
أكتبه في اليوم أكثر من مرة
أدعمه بوسائد كي يغفو قربي
أفرك وجهه بالماء في الصباح
و أصنع له قهوة حلوة
ربما لكي يحلو هذا النص
لكي يحلو هذا الوهم .
“يضيء نفسه عنوانا “هل تكفينا قصيدة تضيء دوما ؟

وماذا يريد الشاعر غير نص يضيء على الدوام في داخله ؟

هل تخافين صمت القصيدة ؟

جدا لأنني امر بفترة غزارة شعرية  أضع يدي على قلبي خوفا من نضوبها وعلى العموم هي مرحلة يمر بها الكثير من الشعراء حالة النضوب الملعونة هذه.

 الكتابة اكتشاف للذات ،الذات الكاتبة ،الشاعرة ،إلى أين وصلت سميرة في رحلتها مع الذات ؟

في العادة كتابتي تنطلق من الذات ومنها نحو الخارج فمن خلال مصفاة الذات يمر كل شيء تفاصيل اليومي والمعيشي الحرب الوطن الخوف على اطفالي كل شيء.

غرفة السرد

 من دون ان اتعمد شيئا

اجلس خارج وقتي

ابني لنفسي مربعا

ادعوه غرفة السرد

اعلق في هواءها عناصر و معادن تسيل

تلهج بغضب مطمور

اتابع بأصابعي اخاديد شفافة لم لمح عذوبتها

أن في الكراسي الى اليابان

وأرمي المخادع لى ضحكة مكتومة كي تنفجر

لا ابرر لأحد شيئا

لأنه لا احد

في هذا السرد الرائق سواي

وحشائش من ذاكرة يحصدها منجل الضحكات

و سوى كلبة امام الدار تنبح للظل

و عريشة تسقط في قلبي خمرتها

فأسكر وأشتم الكلبة كي تسكت

منذ قليل سقيت روحي بقراءة ممتعة

رميت الخشب المقدد الى صوت الريح

وجلست فوق صندوق نحاس محظوظ اغني للماء

وللقصيدةالتي تفكك أزرارها للوهم

تنام على وسادة الآسى

و على الأصوات المحشوة في قلبي

وفي الاثناء كان كلمات كدس خلفي

يتوارى في ظل تنبح كلبتي عليه

كلبتي الحزينة

تلك التي ادعوها قصيدتي .

 يقول درويش “أن هناك قوة خفية وغامضة تدفعني لكتابة الشعر ،مالذي يدفع سميرة للكتابة ؟

ليس من قوى خفية فهذه تهاويم لطالما التصقت بالشعر ..الشعر هو وعي حاد بالذات والمحيط هذا هو لب الأمر في الحقيقة.

مؤخرا كنت مدعوة لمهرجان فى تونس هل بالإمكان تحدثيني عن مشاركتك وما أهمية هذه المحافل للشاعرة ؟هي مشاركة مهمة في مهرجان الشعر الدولي بتوزر تعرفت فيها على مناخ وأصدقاء جدد وقبلها كانت رحلتي الأهم الى مهرجان سيت بفرنسا التي وضعت تجربتي على قدم متساوية مع تجارب عالمية وفي الحقيقة لاقى نصي إحتفاء مميزا جدا من جانب النقاد وجمهور الشعر

في حوار مع الشاعر فاروق جويدة أتهم قصيدة النثر أنها بلا جواز ،وأنها تحتمي في عباءة السياسة وليس الابداع ،والانبهار الاعمى بالثقافة الغربية قاد البعض لمجازفة تجربة القصيدة النثرية ،ماذا تقول سميرة ؟

هذه نظرة جدا قاصرة بل وعمياء تجاه قصيدة النثر بعد كل تاريخها على العموم في العادة لا ألتفت كثيرا للمتباكين على انماط الشعر القديمة أهتم بتطوير نصي وإضافة الجديد دائما.

متى تبدأ القصيدة في المشاغبة ،وتخلق طقسها الخاص عند سميرة ؟

هي لحظة نخلقها تشكلات عديدة والشغب الشعري هو الذي يخلق طقسه تبعا لحالات الشاعر.

كيف لا أنزوي إذا؟

 أعتقد اني تغيرت كثيرا.

فبعد الأربعين

يهدأ صهيل الأحلام

ويتضاءل الأفقُ

لينكمش كنقطة لا تكاد ترى

وتجلس الأمنياتُ القديمة على الأرض

بعد تحليق طويل و متعب

تعد الوقت المتبقي .

كنت أقاطع نفسي و أفرض هواءً خاصا

يتنفس في داخلي

يحوم قربي ويشاكسني

والآن الأهوية ترحل في فضاء عميق

بعيدا عني

والغابات التي لطالما دخن هواءها في رئتي

جلست على الضفةتبكي .

يمكن أن أرقص أحيانا

أو أنتعل نزهة وحيدة

أو أكتب شيئا أحمقا

ولكن الهدوء ما يلبث أن يعود

والسكينة تتغشى خيمةروحي .

السفر صار مستحيلا

بعد أن انصهرت المطارات في حرب لعينة،

الحدائقُ الخرساء صارت ممشى للتوجس والريبة

والطرقاتُ مليئة بمعادن شرسة و عمياء،

بقايا الاشجار،أشباح طريقتن وحفي الليل

والهواء يعطس من دخان المعارك

كيف لا أنزوي إذا

والأصدقاءُ القدامى التهمتهم المنافي

أو جلسوا هنا يحصون تموين صغارهم،

الكتب صارت بلا قيمة

لا أحد يشتري كتبا

أو لنقل حتى يفكر فيها

يوم اما ستكون وقود الأزمة جديدة

فهنا الأزمات صارت أليفة

دجنها الشرهون وقادة الموت .

يمكن أن يصبح كل شيء مأزوما بسهولة لم تعد تدهشنا .

.. نحن نفكر فقط في مظلة أمان

صغيرة وتسع الجميع.

نحلم ببقعة هادئة

نسميها وطنا حقيقيا

فهل هذا كثير؟!

 هل الشعر ترف نخبوي معزول في خضم واقع مكتظ بالحرب والفقر ؟

باستمرار هذه تهمة قديمة ولم يعد أحد يتكلم حول هذا الأمر ، الشعراء مازالوا يكتبون ودائما تظهر أصوات جديدة تدحض هذا الرأي وبنظرة واحدة على المشهد الشعري لكأنه إزدهر في الحرب والفقر.

ثمة من يقول أن الشعر لا ينفصل عن عولمة الثقافة ،هل أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي بديلا للنشر والكتاب المطبوع ،وكيف يختبر الشعر وجوده أمامها ؟

في رأي نعم بل وجدا فعالم الفيس مثلا يغنيك عن المطبوع عرفت كثيرا من السماء عبره أكثر مما عرفته من المطبوعات.

 ﻻحظت تتبعك للحركة الشعرية الليبية ….كيف تقيميها ….وهل ثمة اسماء لفت انتباهك ؟

الحركة الشعرية في ليبيا غاية في البؤس وهذه هي الحقيقة الشعراء مابين من أصابتهم السكتة الشعرية وبين من ظل ينشر نصا تلتهمه الرداءة مشكلة الشاعر الليبي انه لايطور نفسه يعيش على مجد قصيدة أوديوان وينظر بتعالي الى تجارب غيره

ومايهمني من هذا المشهد برغم بؤسه هو ظهور أسماء شعرية شابة طموحة وجريئة بل ومتجاوزة تجارب كتجربة سراج الدين الورفلي وأنيس فوزي مثلا على قلتها تشكل ضربة للسائد الذي بدأت تعتليه الركاكة والجهامةوماينقصنا وجود الناقد النوعي الذي ينصف التجربة الشعرية الشابة في ليبيا.

مقالات ذات علاقة

الكاتب: سالم الهنداوي/ المثقَّف الحكومي هو مثقَّف مزيَّف مثله مثل النظام المزيَّف

المشرف العام

حوار مع الكاتبة الليبية : نادرة العـويتي

محمد القدافي مسعود

عائشة إدريس المغربي: شعرت أنني أملك منذ صغري حدسا تجاه الأشياء والكون

المشرف العام

اترك تعليق