لاشك أن للموسيقا قيمة اجتماعية كبيرة، ولغة عالمية يفهمها سائر البشر، وتأثيراً غريباً على الإنسان لم يستطع العلماء إلى الآن تفسيره، حتى إنها تكاد أن تكون غريزة من عيون الغرائز. كما أن للفن بصفة عامة دوراً كبيراً في حياة الشعوب، فهو يعكس مدى تقدم الحضارات ويشهد بنقشها على جدار الزمن. فالفن لم يوجد للترويح عن النفس أو للاستجمام وجلاء الأحزان فحسب، بل تعدى ذلك إلى كونه رسالة سامية يتبناها الموهبون أصحاب القدرات الفنية، ويعملون على نشرها، ويحاولون مواكبة مسيرة المجتمع، فيسجلون، كل في مجاله، جميع التحولات التي تطرأ على المجتمع بأحرف لاتبيد، كما يأخذون على عاتقهم مسؤولية الرقي بالذوق العام ومحاربة القيم البالية التي يحاول خصيم التقدم والنماء غرسها في نفوس أبناء الأمة. ومن هنا كانت أهمية الفنان وقيمته، فالفنان إنسان يهب نفسه لآمال الإنسانية وتوقها إلى تحقيق الرفاهية وحلمها بحياة يعمها الحب ويغمرها السلام.
ومن بين فنانينا الذين احترقوا في سبيل نشر رسالة الفن السامية، وعبروا عن مشاعر مجتمعهم في عفوية وصدق، وشقوا طريقهم الشائك في مثابرة واجتهاد، الفنان الراحل على الشعالية، الذي دأب ينحت في الصخر ويعالج الصعب متغنياً بتراث شعبه، مجدداً له حتى تاريخ إنتقاله إلى رحمة الله على إثر مرض ألم به ولم يمهله طويلاً، وبوفاته طويت صفحة ناصعة من صفحات فننا الشعبي الأصيل وفقدت الأغنية الليبية فارساً من فرسانها الأبرار، فقد كان الشعالية رائداً من روادها الأوائل الذين أعطوها عصارة قلبهم وجل وقتهم وكبير عنايتهم واهتمامهم. فالفنان الشعالية – رحمة الله – ارتقى بالأغنية الليبية ووصل بها إلى مكانة سامية ما كانت لتصل إليها في تلك الظروف المريرة التي كانت تعيشها ليبيا إبان عهد الاستعمار الايطالي، ومع تلك البنية الاجتماعية التي كانت ترى في الفن نقيصة وانحرافا.
فطريق الفن في تلك الفترة التي ظهر فيها الفنان الراحل كان طريقاً شائكاً يتجنبه كثيرون حتى أصحاب المواهب.. فالسير فيه يتطلب تضحيات وقدرة كبيرة على التحمل والمثابرة بدون كلل أو ملل، فلم تكن هناك أية امكانات تذكر أو اهتمامات من شأنها أن تساعد الفنان أو تأخذ بيده ليؤدي دوره على أكمل وجه. ومن هنا كانت مهمة الفنان مهمة قاسية ومريرة، وكان أصحاب الملكات أو القدرات الفنية هم أسوأ الناس حظاً في ذلك الوقت، فهم بين أمرين ليس من السهل المفاضلة بينهما. فالملكة أو الموهبة تفرض نفسها وأحياناً لايستطيع الإنسان كبحها، والمجتمع وما يمثله من عادات وتقاليد بالية أشاعها التخلف يقف بكل شدة في وجه كل من يحاول أن يمضي في ركب الفن.
غير أنه لامناص من أن الطرف الأقوى بين هذين الأمرين هو الذي يحدد المسار؛ وهذا ما حدث تماماً مع فناننا الراحل على الشعالية، فقد تغلبت موهبته الأصيلة على كل شئ وحدد أيمانه التام برسالة الفن مساره وكانت بدايته مع الفن، هذه الرحلة التي جاوزت الأربعين عاماً من البذل والعطاء قدم خلالها صورة ناصعة للفن الليبي حيث كان – رحمه الله – فناناً مجدداً على الدوام ومواكباً للتطور الفني داخل ربوع ليبيا والوطن العربي عامة، وقد أخلص الشعالية لتراثه وفنه وكان غيوراً عليه حتى آخر لحظة في حياته الزاخرة وكان حلمه القيام بعمل فني يهدف إلى ضم شتات ألحاننا الشعبية وتراثنا الغنائي القديم ليصبح هذا العمل بمثابة الأرشيف الفني للموسيقى الليبية، يحافظ عليها أمام ماتتعرض لها من تطاول وتعديات من هنا وهناك، وهو بذلك يكون الهاجس الأول لظهور الدعوة الملحة القائمة الآن بضرورة توثيق مقام ليبي يجمع تراثنا الموسيقي ويؤرخ له.
• من ملامح سيرته الفنية:
ولد الفنان الراحل المرحوم على الشعالية في مدينة بنغازي عام تسعة عشرة وتسعمائة وألف ميلادية، وقضى فيها سنوات طفولته الأولى، ثم أنه غادرها إلى الإسكندرية رفقة أهله، ولما كان شغوفا بالفن، منذ سنوات طفولته المبكرة فقد روي عنه أنه كان في تلك المرحلة يتذوق الموسيقا ويحن إلى سماعها، ربما غرس فيه ذلك البيئة الفنية التي فتح عيونه عليها في مدينة الإسكندرية، حيث كان قريبهم الموجود هناك من محبي الفن وأهل السماع. وقد أورد الكاتب حسن مسعود عثمان في كتابه (حياة فنان من ليبيا): “كان الشعالية برفقة قريبه هذا يحضر الحفلات التي كان يحييها أولئك الفنانون، وكان كأي طفل تسترعيه الحفاوة التي يقابل بها الفنان والتصفيق الذي يلاقيه، فكان يتمنى بينه وبين نفسه أن يصبح فناناً مشهوراً تصفق له الجماهير”.
في هذه البيئة الفنية نشأ الفنان الشعالية وتشبع وجدانه بحب الموسيقا، وصادف أن وجد يوماً آلة قانون قديمة ففرح بها وكأنها نزلت عليه من السماء وانكب على معالجتها وحاول أن يصلح من بعض أوتارها المقطوعة وكان يقضي جل وقته مع هذه الآلة التي أحبها وكانت طريقه إلى عالم الطرب والموسيقى فيما بعد، فبعد كثير من المحاولات وفترة من المثابرة والاجتهاد استطاع أن يتمكن من العزف على هذه الآلة وبدأ نجمه في البزوغ، مستعيناً بموهبته وما كان الموسيقار الكبيرالأستاذ: مصطفى المستيري يزوده به من أسس العزف الموسيقي. وشيئا فشيئا نما حب الموسيقا في نفس فناننا الراحل وتملكه الفن وأصبح ديدنه الغناء، فكان يحرص على حضور الجلسات الفنية الخاصة في الأفراح ومناسبات الختان، وينهل من معين الأغاني التراثية التي كانت تردد في ذلك الوقت ويحاول أن يحاكيها كلما اختلى برفاقه وأصدقاء صباه، وخلال تلك الفترة اكتشف أنه يملك صوتا جميلا وقويا مكنه من محاكاة ما كان يردد في تلك المناسبات.
وقد لازمته آلة القانون ولازمها منذ ذلك التاريخ، حتى أحسن العزف عليها وعرف أسرارها، وتهيأت له فرصة اللقاء بشاعر الوطن/ أحمد رفيق المهدوي وتوثقت علاقته بابن عمه الشاعر عبدالهادي الشعالية، وكثير من أهل الفن والإبداع بمدينة بنغازي، وذلك بحكم سكنه الذي كان بحي (توريلي) ذلك الحي بزغ فيه نجم جل أهل الفن والإبداع، وقد غنى الفنان الشعالية في جلساته الخاصة كثيرا من قصائد شاعر الوطن التي كتبها بالعامية ثم عاد فسجلها للإذاعة يوم أصبحت لمدينة بنغازي إذاعة، ولعل أشهر ما سجله لشاعر الوطن قصيدته (إنساهي العقل يخوني ويجيبه… يخطر إيجي وان المنام سريبه)، والبرول الشهير (نا وضني نا وضني… غياتك ما هاونني).
وقد استفاد كثيرا من المحيط الفني الذي نشأ فيه، وكان للمناسبات الاجتماعية السعيدة من حفلات الزواج وغيرها دور كبير في تشبع وجدان الشعالية بالأغنية الشعبية، التي شاعت في تلك الفترة بأصوات من كان يقطن مدينة بنغازي من اليهود، الذين لم يجدوا حرجا في ممارسة العزف الغناء وكانوا يتخذونه مهنة يتقاضون عليها الأجور، ولعل الذاكرة الشعبية مازلت تحتفظ بأسماء فنانين شعبيين مثل: (السحنتي) و(بطة) و(زقنين) وجميعهم من اليهود الذين نشأوا في بنغازي وعاشوا فيها.
وسط هذا الجو العابق بالفن والإبداع لمدينة بنغازي بدأت ملامح صورة الفنان الليبي تظهر في شخصية فناننا الراحل، الذي اتخذ من الفن ديدنا له وبدأ صوته يتسلل إلى بيوت بنغازي، ومقاهيها الصغيرة، وأصبح له مستمعوه ومحبوه، ونما إليه أحساس بأهمية الأغنية وما يمكن أن يحققه من خلالها، غير أن خلو البلاد من أي إذاعة تذكر حرمه من الذيوع الواسع، حتى عام 1936م. حيث تم الإعلان عن فتح قسم للإذاعة بمدينة طرابلس، وكان ذلك حدثا مهما في الحياة الفنية للفنان الشعالية، حدد بدايته الفعلية في مجال الأغنية ونحن لا نعلم على وجه الدقة الظروف التي كان الفنان الشعالية يعيشها في مدينة بنغازي كما لا نعرفوا على وجه الدقة أيضا مدى المكابدة التي يواجهها أو يلقاها المسافر من بنغازي إلى طرابلس،غير أننا نعلم أن الفنان الشعالية وصل إلى مدينة طرابلس في نفس العام الذي تم فيه افتتاح قسم الإذاعة وأنه التحق بها ومنها تحديدا اطلق رائعته (نور عيوني) في أول تسجيل لها، وظل الشعالية في مدينة طرابلس فنانا أصيلا مشتغلا بالقسم الموسيقي للإذاعة بصفته مطربا وملحنا وعازفا، وقد اتاحت له الصحبة بالفنانين بمدينة طرابلس فرصة ثمينة لتعميق ثقافته الموسيقية، بانفتاحه على الفن الليبي في المنطقة الغربية، وتعرف أيضا على امتداد الفن الموسيقي بين طرابلس وتونس، بعد أن كان قد تزود بالفن في المشرق العربي التي كانت عاصمته مصر، حيث بدايته الأولى ومعرفته المبكرة بالموسيقا والغناء. وفي عام 1939م عاد الفنان إلى مدينته بنغازي وظل فيها على هذه الحال من الاهتمام بفنه وبالأغنية الليبية تحديدا، واستمر عطاؤه بين الحفلات العامة والخاصة وأحس بحاجته الملحة لتطوير معارفه الفنية وكانت قبلته التي نواها مدينة القاهرة، راغبا في دراسة أصول الموسيقا شغوفا بتطوير مهاراته حريصا على الإلمام بفنون الأغنية الشرقية التي كان أعلامها ينالون الصدارة في اهتمامه ومتابعته، حيث كان من المعجبين بفن الأستاذ محمد عبد الوهاب بشكل خاص (كما يؤكد ذلك كثير من الذين عاصروه).
سافر الفنان الشعالية إلى القاهرة عام 1946م. وقد أتيح له خلال سفره هذا أن يلتقي بكثير من الفنانيين المصريين المعروفين، كما أتيح له أن يغني في بعض مسارح القاهرة، ونواديها، وقد مكنه ذلك من الإعلان عن صوته والتعريف بفنه وهيأ له فرصة التسجيل باستوديوهات محطة هيئة الإذاعة البريطانية بالقاهرة، التي احتضنته وسجل فيها رائعته (نور عيوني) التي كانت بوابة العبور إلى المستمع العربي حيث كان، ثم أتيحت له فرصة أخرى لتسجيل بعض أغانيه بإذاعة الشرق الأدنى وأصبح الليبيون على وجه الخصوص على موعد معه من خلال هذه الإذاعات يستمتعون بفنه ويحسون بالاعتزاز حياله فقد أصبح لهم فنان يسمعه العرب حيث كانوا وتبث أغانيه محطات إذاعية عالمية، مما اسهم فيما بعد في كسر الطوق الذي كان مفروضا على الفنان ومهد السبيل إلى استرداد قيمته الاجتماعية، وإن كان ذلك قد أخذ وقتا طويلا.
عاد الفنان الشعالية إلى مدينة بنغازي عام 1949م بروح غير التي سافر بها، فقد عاد بمجد فني له قيمته وأثره فيما بعد على ما قدم من أعمال فنية، فهو اليوم فنان معترف به فنان له صوته وبصمته وهويته، وانطلق من جديد يلحن ويغني في نشاط فني لا يفتر، حتى عام 1952م حيث سافر الفنان الشعالية إلى مدينة طرابلس وظل هناك مدة ست سنوات، كا حصادها الفنية جميلا رائعا، لا سيما في اتجاه ربط الفن الليبي بالفن التونسي، حيث قدم مجموعة من الألحان لبعض الأسماء المعروفة في الساحة الفنية التونسية، حيث تغنت بألحانه الفنانة (علية) والفنانة (سلاف) والفنانة (نورا سلطان).
وفي عام 1957م وتحديدا في شهر يوليو عاد الفنان الشعالية إلى مدينة بنغازي التي افتتحت بها الإذاعية للتو، التحق بها الفنان الشعالية وظل يعمل فيها رئيساً لقسم الموسيقا ومطرباً وملحناً وعازفاً أول بفرقتها حتى تاريخ وفاته. وقد كان طوال هذه الفترة مثالاً للفنان المخلص الغيور على تراثه وفنه الأصيل، ونبراساً يضئ الطريق لجميع الفنانين الصاعدين يشجعهم ويقف معهم بكل جهده. كما كان – رحمه الله – من أبرز الفنانين الذين أخذوا على عاتقهم مهمة تطوير الأغنية الليبية، فقد قفز بها قفزة كبيرة واستطاع أن يواكب بها روح العصر : فكانت معظم ألحانه، سواء التي تغني بها هو، أو تلك التي غناها مطربون آخرون تنطبع بطابع التجديد ذلك التجديد المستمد من التراث غير الخالي من الأصالة الشعبية، والمحافظ على الجوهر رغم وجوده في قالب عصري. هذا التجديد الذي نبحث عنه الآن في موسيقانا. بعد موجة العبث التي تمر بها الأغنية بحجة التطوير والتجديد.
• الشعالية والمسرح:
عندما عاد الشعالية إلى بنغازي سنة 1939 تحلل من العمل بالإذاعة وأقام العديد من الحفلات بين بنغازي والبركة حتى سنة 1945. وبالعودة إلى الوراء يقول لنا الشعالية عن أول فرقة مسرحية الآتي: “تكونت الفرقة سنة 1939 في مكان بالقرب من شاطئ البحر وأساس تكوين هذه الفرقة هم: رجب البكوش، علي بن جميعة، اسماعيل بوغرارة، فرج المليان، مفتاح بشون، علي بشون، رجب اجعوده، محمد الصادق، مصطفى البكوش. ثم انتقل أعضاء هذه الفرقة إلى أحد المنازل بزقاق جعفر وانضم إليها الاساتذة: عبد ربه الغناي، حسين الغناي، سالم الزواوي، أحمد شحات المريش، أحمد الفاسي، سعد الفلاح، محمد البكوش، محمد زغبية- السنوسي عاشور، سالم بشون، مصطفى المستيري، أحمد المستيري، فاضل العجيلي، محمد السنوسي، كشير بوحويه، منصور بوكر، عوض الصبيحي، بالقاسم الأوجلي، رجب بن جفيلة، محمد المغربي، عبد السيد الصابري، سالم الوداوي، محمود الزردومي، محمد فخري أغا، عبد الهادي الشعالية، السيد بومدين، علي أقدوره، رجب أقدوره، فرج الوحيشي، محمد السوكني، محمد بشير الرايس، محمد صالح الطالب، محمود دقدق، محمد بوسته، عزيزة حلمي، فتحية سالم، فاطمة خالد، العربي موسى، حسن أعبيده، إبراهيم ابن عامر، حسين بن عامر، ناصر إبراهيم، ميلاد شمبش، السيد عبد المجيد، عبد المجيد بن سعود، وغيرهم”.
ثم قال: “أخذت الفرقة تتدرب على تمثيلية (الوفاء العربي) وكان المشرف على هذه التمثيلية الأستاذ وهبي البوري، وقد رُفضت هذه التمثيلية في العهد الإيطالي وتوقفت الفرقة لمدة سنة، ثم تكونت من جديد في منزل (نجيب السوادي) وأخذت تتدرب على تمثيلية (الشيخ إبراهيم) وهي من اقتباس رجب البكوش مأخوذة من الف ليلة وليلة وأخرجها البكوش وسالم المكحل. قام بالبطولة مسرور سالم المكحل.. وقام بالتلقين حسن أعبيده. بعد ذلك قدمت الفرقة تمثيلية ((حسن البخيل)) ألفها رجب البكوش وأخرجها بمساعدة سالم المكحل، وقام بدور البخيل رجب البكوش، أما علي الشعالية فكان دوره دور الفتى الذي يعري الفتيات. ثم قدمت الفرقة (الحب والحيلة) ثم (البواي الجاسوس) قام ببطولتها علي فليفلة ثم (الصديق الخائن)، ثم توقفت الفرقة بعد ذلك إلى ما بعد الاحتلال الإيطالي، ثم قدمت التمثيلية التي كانت مرفوضة وهي (الوفاء العربي) التي قام ببطولتها أحمد شحات المريش، كما قدمت (الأمين والمأمون) التي قام فيها منير البعباع بدور الأمين ورفعت الرمالي بدور المأمون.. وظلت هذه الفرقة من عام 1939 حتى سنة 1951 وأن كانت تتوقف لتعود من جديد”. [وهذا نقلاً عن كتاب (حياة فنان من ليبيا) الصادر عن دار الكتاب الليبي للأستاذ حسن مسعود عثمان]
• مآثـر الفنان:
(1) كان له الفضل في دخول العنصر النسائي في ليبيا إلى عالم الطرب حيث قدم العديد من المطربات ووضع لهن أجمل الألحان ومن بين المطربات اللآتي قدمهن الشعالية المطربة (خيرية المبروك) والمطربة (نزهة على) والمطربة (سعاد حمدي) وغيرهن.
(2) كان المرحوم الشعالية وراء ظهور العديد من المطربين الصاعدين حيث تبنى أكثرهم وقدم لهم أروع الألحان ومن بينهم الفنان محمد حسن والفنان إبراهيم فهمي والمطرب أحمد توفيق وغيرهم.
(3) كان له الفضل في حفظ جزء هام من تراثنا الغالي بتلحينه وغنائه لعدد كبير من القصائد الشعبية التي تمثل مرحلة من أهم مراحل تاريخنا.
(4) أثرى الحركة الفنية في ليبيا وكان بحق أحد مؤسسيها الأوائل وكان أول من أسمع صوت ليبيا للخارج.
(5) اتحف مكتبة الإذاعة بأكثر من مائة وخمسين لحناً.
(6) ويعتبر الفنان من أوائل الفنانين – إن لم يكن أولهم قاطبة – الذين لفتوا الانتباه إلى تراثنا الموسيقي حيث وصلنا بآثار مهمة كانت نقطة البدء في التوجه إلى معين التراث واستلهامه في الأعمال الغنائية، وقد تجلى ذلك في تلحينه لأغنية “نور عيوني” التي عرفها الناس عن طريقه وأحبوها يوم عرضها عليهم في أحمل حلة، وأشجى لحن، وبذلك يكون قد مهد الطريق لمن بعده ليغوصوا في تراثنا الأصيل ويخرجوا منه باللآلي الفريدة.
(7) ومما يحسب للفنان الشعالية كذلك الاهتمام بالتقاسيم الموسيقية أو ما يعرف بالارتجال الموسيقي، وهو الذي قاده إلى ما يمكن أن نسميه المبادرات الأولى في كتابة المقدمة الموسيقية. كما كان الفنان منفتحا على الفن في بلادنا العربية لا سيما في مصر، حيث كان تأثره بعمالقة الغناء العربي واضحا في مجموعة من الاغاني التي قدمها إلى الإذاعة، وهو أيضا يعد عندي أول من ادخل الموال إلى الأغنية الليبية، ساعده في ذلك صوته ذو المقامات العالية، وثقافته الموسيقية الكبيرة.
(8) وأذكر أنه كان أول من أدخل آلة المزمار الشعبي على الأغنية الليبية في الإذاعة وكان ذلك في أغنيته المشهورة (ليش الوفاء تنساه يا ظالمني).
• الشعالية في عيون أهل الفن:
جاء حول الفنان في كتاب (مدخل إلى المقام الليبي دراسه في الأغنية الشعبية) للباحث السنوسي البيجو حيث يقول:
“أحبَّ الشعاليه آلة القانون وبدأ يتعلم العزف عليها بنفسه فترة من الزمن، أسعفته بعدها توجيهات وإرشادات رفيق دربه، الفنان والموسيقي الأستاذ مصطفى المستيري، الذي كان يزوده ببعض المبادئ الأولية الهامة، المتعلقة بأصول العزف على هذه الآلة الفريدة، وظل الشعاليه بعدها مواظباً على استيعاب ما يقدم إليه من توجيهات فنية، تسندها موهبته الفطرية وحبه لهذه الآلة، واصراره على تعلم العزف عليها، لا بل والسعي الدؤوب من أجل تحقيق هذه الغاية، التي تمكن من تحقيقها بالفعل، وبإبداع فني متقدم شهد له القاصي والداني. كان حس علي الشعاليه الفني، قد مكنه من تطوير قوالب الأغنية الشعبية الليبية، منذ احترافه الفن كملحن ومؤدب للأغنية، وعلى الرغم من روعة أدائه للألحان الفلكلورية الليبية، إلا أنه تمكن من تطويع صوته ذي درجات العمق العريضة، ليتمكن من تطوير الأغنية الليبية، فقدم أغنية (ليلى الليبية) وأغنية (يشهد على الليل، والنوم والجيران)، بانسيابية لحنية لم تكن معهودة من قبل، حفزت ملحنين آخرين ليستلهموا منها لونها وأسلوبها في أداء أغنيات كثيرة، كانت بداية لقفزة فنية على امتداد الساحة الفنية الليبية، وهي أغان مسجلة بإذاعة لندن. وما أن تعودت الأذن الشعبية على هذا النوع من التطور حتى قدم الشعاليه لحنه المميز لأغنية ((ولفي تبدل عني))، التي تغنى بها المطرب (نوشى خليل)، وحينما قدم الشعاليه الأصوات النسائية للإذاعة، طوع أصواتهن لنوع من التعبيرية الفنية، لم تكن مألوفة لهن في ألوان الحفلات الغنائية الخاصة للفنانات الليبيات. في خمسينيات القرن الماضي، ومع احتضانه للأصوات الشابة الوافدة على الساحة الليبية، حينما كان رئيسا للقسم الفني بالإذاعة، ساهم في إثراء الألوان اللحنية الجديدة فبدأها بــ (توبة عن هواك) وألحقها بتحفته الرائعة (آه منك يا جميل). قدم هذا الفنان الفذ تحفا فنية خالدة، مستفيداً من مساحة صوته العريضة، وثقافته الفنية والأدبية، فقدم أعمالا عظيمة، عاطفية ووطنية، أثرت المكتبة الفنية، وأفسحت المجال لأجيال جديدة، استطاعت أن تستلهم منها ألحانا هذبت الذوق الفني لدى الأذن الشعبية، وأتاحت المجال للفرق الليبية أن تستوعب في إيقاعاتها التراثية ألواناً جديدة، تعكس روح العصر وتطوره. وحتماً ستظل أجيال كثيرة تردد معه (نساهي العقل، يخوني ويجيبه)، وستبقى المقدمة الموسيقية التي وضعها لطقطوقة السيد بومدين (يا ريتني ما ريت سود أنظاره)، من أجمل ما قدمه الفلكلور الليبي”.
ويقول المرحوم الأستاذ الشاعر عبد ربه الغناي في بعض حديثه الوارد في كتاب مدخل إلى المقام الليبي الذي أشرنا إليه:
“كان المرحوم علي الشعالية يجلس فوق المسرح ويحي الحفلات بفرقة كاملة وأنا شخصياً عاصرت ذلك الوقت وأيضاً قبل ذلك الوقت عندما كنت طفلاً أو صبياً ما بين 1930 إلى 1937، ويقول في موطن أخر (الواقع أن الأغنية الليبية في بنغازي عاصرتها وعلى رأسها المرحوم علي الشعالية وبن هلوم “عازف طبله” والمرحوم نجيب السوادي ومصطفى المستيري وهو عازف على ألة العود وأحمد المستيري وهو عازف على الكمنجا”.
ويقول المرحوم الفنان متعدد المواهب رجب البكوش في نفس المصدر الذي أشرنا إليه:
“وكان لهؤلاء اليهود شهرة واسعة سبقت شهرة الفنان علي الشعالية الذي وجد منهم منافسة قوية في مجال الغناء والفن في تلك الفترة وكان الشعالية محبوباً لدى اليهود ويغني في أفراحهم) ويضيف الأستاذ رجب البكوش: كان مقر دار الإذاعة كائنا بمنطقة رأس عبيده، وفي فترة ما بين عامي 1958م – 1959م.دخلت الإذاعة الليبية عناصر فنية نسائية لأول مرة، وكان ذلك ممثلا في الفنانة خيرية المبروك والفنانة فوزية محمود، وقد كانت الفنانة خيرية المبروك تمتلك صوتا ذهبيا فريدا، ونظرا لثقتها بنفسها واحترامها لذاتها فقد كانت محط احترام الفنانين الآخرين، وكان الشعور السائد بينها وبينهم أخويا طيبا تحكمه روح الفن الطيبة، وقد احتضن الأستاذ علي الشعالية هذه الموهبة الجديدة، وقام بتلحين أغلب أغانيها، وعمل على تثقيفها وتهذيبها موسيقيا، وقد نجح في ذلك إلى أبعد الحدود، وقد كانت هذه السيدة متزوجة في ذلك الوقت، وتحضر إلى الإذاعة حبا للفن ليس أكثر، وكانت تأتي مرتدية لباسها العربي، ما يمثل في ذلك الوقت تحديا لعادات وتقاليد المجتمع، ونظراً لجمال صوتها وحبها للفن واحترامها لنفسها فقد أحبها الجميع وقدر المستمع الليبي فنها وموهبتها الممتازة.”
ويقول الفنان رجب البكوش أنه:
“ظهرت بعد ذلك مجموعة غنائية من ثلاث فتيات ليبيات عرفت هذه المجموعة بأسم الثلاثي الليبي وقد أحتضن الفنان علي الشعالية هذه المجموعة الفنية وحاول أن يجعل منها وحدة واحدة وصوتا مشتركاً واحداً في أداء الأغنية”. ويقول الفنان محمد مرشان الذي كان لي معه حديث مطول حول العطاء الإبداعي للفنان الشعالية: “اشتهر علي الشعالية بين أهالي مدينة طرابلس عندما انتشرت أغانيه التي كانت تسمع في الأفراح، أحبوها وأطربتهم وحفظوها فهي قريبة منهم رغم المسافة البعيدة التي تفصلهم عن المكان التي خرجت فيه، وأنا كذلك كنت أستمع إلى فنه وأعجب به.. فقد تميز فن الشعالية بنمط الأغاني الراقصة الخفيفة، التي يسهل قبولها كما يسهل حفظها.. ولهذا اعتبره من أوائل الفنانيين الذين اسهموا في نشر الأغنية الليبية، خصوصا في فترة الكبت الاجتماعي والعزوف عن المبادرات الإبداعية لا سيما في مجال الغناء والموسيقا، حيث كان الفنانون يجابهون بأقسى العقوبات الاجتماعية إذا ظهر فيهم حب الفن أو تورطوا فعلا في ممارستها.”
ويقول الفنان محمد مرشان:
“إن للشعالية خاصية مهمة تمتاز بها أغانيه وهي أنك عندما تستمع إلى مطلعها تجد نفسك منجذبا إليها، ومهما كان ميول الشخص الفني أو توجهه الموسيقي فإنه عندما يستمع لأغاني الشعالية يجد نفسه مستمعا بها، يتماوج معها ويردد كلماتها. ونحن اليوم نشهد أنه كان لأغاني وألحان الشعالية طابع التميز والاستمرار، فالكثير من الفنانين المعاصرين نراهم اليوم يجددون أغانيه في حفلاتهم، وبالطبع فإن هذا يدل على توارث هذا الفن العظيم لدى الشعالية. أيضا تميز الشعالية بالتقاسيم التي أتقنها، فقوة العازف تظهر في تقاسيمه، تماما كما تكمن قوة المطرب في مواويله.. والتقاسيم تأتي في علم الموسيقا تحت مسمى الارتجال، وهذا الارتجال قد اتقنه الشعالية بحق، وعزفه على آلة القانون كان له نوع خاص فهو يعرف تماما أين تكون الزخرفة في القانون وأين تكون الذبذبة فيه وأين تقع (القفلات) لهذه الآلة.. نعم إن الشعالية عازف حقيقي، تعلم العزف على آلة القانون واتقنه. والذي لا يعرفه كثيرون من أهل الموسيقا إن الفنان الشعالية يعد من أوائل الفنانيين الليبيين الذين لحنوا النشيد واتقنوه. الشعالية فنان حقيقي له تاريخ لا ينسى وأنا اتمنى أن يكون له نصب تذكاري، فأعماله باقية لن تمحى من وجدان الشعب الليبي. ولا ننسى أنه كان للشعالية جانب إنساني جميل، فهو خفيف الروح، لطيف المعشر، لا تراه إلا هشوشا بشوشا، وهو يصل بك إلى حيث يريد دون تعنيف أو تكشير، وكان متواضعا لم يضع حواجزا بينه وبين الفنانين الصاعدين، بل كان يستمع إليهم ويقدم لهم الألحان ويتعهدهم بالرعاية والمتابعة”.
ومما حدثنا به الابن الأصغر للفنان الراحل السيد عبدالهادي علي الشعالية عن والده وعلاقته به حيث قال:
“لقد كان والدي أبا مثاليا في تعامله مع أسرته، وكان يغمرنا بعطف الأبوة، ولم يلجأ يوما إلى القسوة في تربيتنا، وكل ما يتمناه لنا أو يحب أن يراه فينا يصل إلينا عن طريق النصيحة الهادئة والملاحظة اللطيفة، وكان يحرص بشكل كبير على دراستنا ويرجو لنا التفوق فيها، وأذكر أنه كان يغريني بدراسة الطب، ويقول لي أنت يا عبدالهادي ينبغي لك أن تكون طبيبا. ويقول لشقيقي السنوسي، وأنت أتمناك مهندسا بارعا، ولئن حالت ظروفي التي تمثلت في وفاة والدي وأنا في سن مبكرة دون تحقيق أمنيته، إلا أن شقيقي السنوسي كان أوفر حظا مني وحقق لوالدنا ما كان يرجوه. ومما أذكره لوالدي يظهر مدى تعلقه بالفن أنه كان يتخذ من ركن له في بيتنا مكانا خاصا لا يغيب عليه يوما من الأيام، وكان بهذا المكان يداعب أوتار قانونه مهموما بفنه مشغولا بإعداد أغانيه ولا أذكر يوما مرة دون عزف أو غناء، كما كان بيتنا مفتوحا أمام أصدقاء والدي من الفنانين مثل: الأستاذ يوسف العالم، عبدالسلام قادربوه، سليمان بن زبلح، وغيرهم مما لا أذكرهم الآن، فقد كان بيتنا أشبه ما يكون بالصالون الفني. وأذكر أنه كانت لوالدي علاقة متميزة برفيق دربه وصديق عمره الفنان المرحوم السيد بومدين، الذي كان بيته بمدينة طرابلس مفتوحا لنا كلما سافرت أسرتنا إلى هناك، فلم نكن على الحقيقة إلا عائلة واحدة. وأما عن علاقة والدي بمن حوله من الجيران والمعارف، لقد كانت علاقة يسودها الاحترام والتقدير، ولعلها من المفارقات التي وقفت عندها مليا أن يحظى والدي بهذا الحب والتقدير من الناس على حالة الرفض الاجتماعي للفن، والمواجهة الشديدة التي كان يقابل بها الفنان. ولكنه احترام النفس وصدق الموهبة وإظهار الجدية والمثابرة فيما يختاره المرء يفسح له الطريق ويمهد أمامه السبيل. وقد كان والدي صادقا في توجهه، محبا لفنه، مؤمنا بحرية الاختيار ولذلك كله لم يكن يجبرنا، على تعلم العزف أو التوجه إلى الفن بشكل عام، ولم يمنعنا من ذلك لا سيما عندما أحس بميولي الفني حيث دخلت إلى المعهد وهو يرقبني من بعيد وتوقفت عنه وهو مني قريب. نعم لقد كنت قريبا جدا من والدي، استمع إليه وهو يعزف ويطربني إذا غنى، وكنت أذهب معه في رحلاته الفنية، وكان بذلك مسرورا. هذا مجمل ما أذكره من سيرة والدي داخل بيته وفي محل سكناه بين أهله وعشيرته”.
يقول الكاتب حسن مسعود عثمان في مقالته الصادر بمجلة كل الفنون العدد الثامن:
“إن الفنان علي الشعالية الذي ولد داخل منزل متواضع في ضاحية من ضواحي مدينة بنغازي والذي كان هو الابن الحادي عشر لابوين لم تكن امكانياتها أحسن من غيرهم من أبناء البلاد التي كان الاستعمار يجثم على كاهلها وقد أحب الشعالية الفن منذ ننعومة أظفاره رغم جو الكبت والحرمان في ذلك الوقت في مدينة الاسكندرية كانت له زيارة وهو صبي صغير حيث رافق أسرته إليها. وهناك بقى عند ابن خالته تاجر الأثاث المنزلي وعادت الأسرة بدونه.. ثم زار الإسكندرية وهو في طور الشباب وظل يتردد على المسارح الصيفية في مدينة الإسكندرية واستمع إلى الفنانين الذين كانت تحية الجماهير هي كل التقدير الذين يحصلون عليه. قبل وفاته – رحمه الله – فكرت في إصدار كتب عنه طمعا في تحقيق سلسلة من الكتب عن الفنانين العرب الليبيين وقد بقيت وأباه نلتقي يوميا.. يقص على قصة حياته وأنا أسجل ما يرويه.. ويومها قال لي: مازلت أذكر اسم الرجل الذي أهداني هدية بقيت عندي إلى الآن. ما هي؟ سألته فأجاب: آله (ناي) أخذت أعزف عليها محاولا أجادتها وقد أستطعت.. اسم هذا الرجل (جعفر علي بوليفة) مواطن ليبي كان يعمل عند ابن خالتي تاجر الأثاث.. غير أن الفنان علي الشعالية اشتهر بعزفه على آلة القانون ولم يشتهر بعزفه على آلة الناي، وهي أول آلة حاول العزف بها”.
ويضيف الكاتب حسن مسعود عثمان إن:
“الشعالية بدأ يعزف على آلة القانون وهو عمره عشر سنوات والمطرب الذي استهواه فنه الشعبي كما قال لي هو محمد العربي، فنان شعبي حب صوته وفنه القوي وهو يغني أغاني الريف المصري وإلى حد بعيد تأثر علي الشعالية بالموال والفن الشعبي فانطبع هذا الحب على صفحة أحساسه فظل يؤلف ويلحنن ويؤدي الأغاني الشعبية طوال حياته قال لي الفنان (رجب البكوش) خلال لقائي به مؤخرا عن الفنان علي الشعالية: لقد عرفته منذ الصغر، وكان يرتدي الملابس الأفرنجية السروال والسترة والطربوش وقد اشترك معي تمثيل بعض المسرحيات.”
كما يقول عنه الموسيقار المصري عطية شرارة:
“كان الفنان الشعالية صاحب مدرسة فنية ورائد في آلة القانون وله أيادي بيضاء على بعض الشباب من الفنانين”.
• الشعالية يُحدث عن نفسه:
سئل الفنان علي الشعالية عند توقفه عن الغناء عن السبب الكامن وراء ذلك فأجاب: “رغبة مني في إفساح المجال أمام الآخرين وتشجيعهم واكتشاف الوجوه الجديدة بالإضافة إلى مشاغلي الكثيرة في قسم الموسيقا زيادة على كوني قد أدت رسالتي كاملة كمطرب أرسى قواعد الغناء مع الرواد الأوائل. كما سئل عن رأيه عن مستوى الأغنية الليبية، فأجاب أن الأغنية الليبية قد قطعت شوطا كبيرا في مجال التطور ولكنها ستظل دائما مشلولة مادامت المرأة بعيدة عنها. وسئل أيضا عن الأغنية التي يعتز بها ويعتبرها السبب في شهرته فأجاب هي أغنية (نور عيوني) لأنها خالدة ومن روح شعبنا في الجنوب وحياته، وأما عن الفنانيين الذين تأثر بهم فيقول الشعالية أنه تأثر بالشيخ مختار شاكر المرابط، والفنان محمد عبدالوهاب.
وعن رحلته بالقاهرة عام 1946 يقول الفنان الشعالية ألقيت بنفسي في سيارة شحن صغيرة كان يملكها مواطن يدعى محمد افحيمه، وقد وصلنا إلى الإسكندرية بعد خمسة أيام، وكنت أتجول على طريق الكورنيش واستمع إلى الألحان التي تؤديها فتحية محمود وغيرها من المطربين والمطربات وكانت ألحان السيد درويش مشاعة آنذاك وقد أحببتها كثيرا.
ويقول الشعالية أنه مكث في الإسكندرية ستة أشهر ثم غادرها إلى القاهرة وكان يتردد على شارع الفن (شارع عماد الدين) والتحق بمعهد كان يدريه أحد الفنانين الأجانب وتعلم عنه أصول الموسيقا، ومن بين الأغاني التي سجلها في تلك الحقبة أغنية (زعم يا غوالي ترحموا غاليكم) وأغنية أخرى عن الفن (يامحلى الفن يا مبهاه). وعن نفسه يقول الشعالية: “إنني كفنان أسمع جميع الألحان العربية والأجنبية، أما أيهما أحب إليّ كملحن تلك التي أشعر نحوها بالرضى والاطمئنان، أو أشعر أنني وفقت فيها بإرضاء الجمهور”.
• وفاته:
استمر المرحوم على الشعالية في عطائه الفني دون انقطاع حتى رغم المرض الذي كان ينتابه بين الفينة والأخرى –فلم يعرف اليأس له طريقاً طوال فترة حياته– حتى وهو في فراش الموت، كان هاجسه الوحيد هو الفن وكانت مشاريعه الفنية هي شغله الشاغل وديدنه الدائم . فقد كان عندما داهمه المرض يقوم بإعداد ملحمة خالدة من ملاحم نضالنا المشرف وقد كانت أمنيته أن يخرج هذا العمل الكبير والذي وضع كلماته شاعر الوطن/ أحمد رفيق المهدوي إلى حيز الوجود.. ولكن القدر كان أسرع فلم يستطع الفنان الشعالية هذه المرة تحقيق أمنيته وقصر دون أمل طالما راوده وسعى إليه. ففي صبيحة يوم الجمعة التاسع من فبراير من عام 1973م انتقل الفنان الكبير إلى جوار ربه بعد أن قدم لشعبه ومجتمعه عصارة قلبه .. وأعطاه شعبه كل الحب والتقدير.
_______________
نشر بموقع ليبيا المستقبل