عندما سألتنا معلمة الفصل في صغرنا عن أحلامنا.. بدأ الجميع في إخبارها.. أحدهم أراد أن يصبح قاضياً.. بينما الآخر لاعباً مشهوراً بشعر طويل.. إحداهن قالت أنها تريد أن تصبح فنانةً.. بينما سمعت أحدهم يهمس لها: “منورة يا الفونشة”..
طالبة أخرى تمنّت أن تكون “طبيبة عرب” مثل أمها.. قالت أن أمها تكسب عشرة دنانير لمجرد وصفة نباتية أوقفت طفل جارتها عن التبول في سرواله.. لم يتكلم أحد.. ربما لأن بعضهم لازال يفعل ذلك.. صرخت بصوت عالٍ ليلتفتوا إليّ.. قلت لهم: أحلم أن أكون كابتن طائرة.. أسافر كثيراً لأي مكان.. ضحك الجميع حينها.. قال أحدهم مستهزئاً: “خوذني معاك ما تنساني وانت مسافر”.
بعد كل هذه السنين لم أحقق ذلك الحلم.. ولم أمش صوبه أساساً خطوةً واحدة.. ربما كان مجرد أمنية اقتحمت رأس صبي.. لكن ما حدث أن ذاكرتي للآن وهي تطير من تلقاء نفسها صوب كل الأمكنة.. حتى تلك التي لم أرها.. أسبق حتى الزمن أحياناً.. أطير صوب أبي الغائب.. وأيامي التي كنت أمشي بجانبها كي لا تنهار علي.. لكنني انهرت عليها.. صرت كابتن طيارة حقاً.. أحلق كل ليلة لشوارع حينا الخلفية.. وكيف كنت أجوبها حافياً بضحكة تسع كل هذه البلاد.. أزور أناساً لم أعد أراهم.. أخترق جدار الذاكرة أحياناً وأحضن حقيبتي المثقوبة وسط ساحة المدرسة.. استحلت طياراً حقاً.. دون أن أغادر فراشي منذ دهر من الأحلام.