طيوب عربية

الفنان العراقي أحمد حسين الزعيم لا صوت يعلو فوق صوت الفن

 أ.د آمال ميلاد زريبة

رئيس قسـم التربية الفنية – كلية التربية – جامعة طرابلس – ليبيا

من أعمال التشكيلي العراقي أحمد الزعيم أرشيفية عن الشبكة
من أعمال التشكيلي العراقي أحمد الزعيم
أرشيفية عن الشبكة

قدم الفنان أحمد الزعيم رؤيته الخاصة التي يطرحها من خلال لغة بصرية , وخصوصية تركيبية تعتمد الخط واللون في بنائه للأعمال ويتحرك بثبات و أكثر تحكماً بقدراته التركيبية، مساحاته مشغولة بعناية واهتمام بالتفاصيل كلوحة فسيفسائية , وتحمل صيغة تشكيلية جديدة عبر ريشة مشبعة باللون , وحساسة ومرهفة إلى درجة كبيرة، فقدم رؤية أسلوبية واضحة، كنتيجة طبيعية لما شكلته هذه المرحلة من عملية بحث خاضها الفنان  إذ وجد في الواقعية التعبيرية ملاذاً أمناً  لمزاولة فنه، ومرتعاً خصباً  لتفريغ شحناته الانفعالية على سطح اللوحة، و طريقاً مفتوحاً للبوح البصري المفتون بالواقعية التعبيرية  وقد ابدع في استغلال الخامة التي تنوعت بين القماش والخشب إلى الجلد الطبيعي والنحاس ومعادن أخرى، وقد فرض تنوع هذه المواد تنوعاً في التقنيات المستخدمة  فكان إلى جانب استخدام ألوان الأكريليك يلجأ لتقنية الحرق على الجلد الطبيعي والخشب حاول من خلالها الفنان أن يخلق عالماً من الألوان، والخطوط والمساحات التي تحمل قوانينه الذاتية من التباين والتوافق والإيقاع، فكانت أعمال نتاج  بين حساسيته الفنية و بين مخيلته الإبداعية وذلك من أجل التعبير التلقائي الحر فأراد أن يخلق شكلاً متفرداً يظهر ذاتيته و وجهة  نظره من خلال لغة تشكيلية  شديدة الحيوية خاصة به.

   وقد سعى أحمد الزعيم بفنه  لكى  يستعير لغة  الموسيقى، مثل التناغم  واللحن و الإيقاع  في  لغة  تصورية  في أوج بساطتها فجعلها تغني مثل أوتار الموسيقى، لغة لونية و شكلية تنقل رسالتها في التعبير عن النقاء والتحرر اتسمت برومانسية تعبيرية جمالية عالية ذات خصوصية ايقاعية هندسية للامتناهية من الجمال الهندسي المحكم، و كأنها غابات متشابكة  الأغصان  خريفية  الألوان استقى مادته من البيئة العراقية والفكر المؤطر بحضارة عمرها آلاف السنين والتي عملت على ثرائه، وأن كان أسلوبه يتجه نحو التجديد والمعاصرة إلا أن تراثه طاغ على عقله الباطن،لقد وضع لنفسه هدفاً وهو العودة إلى الجذور، فكانت الخامة والتقنية أحد الوسائل للتعبير عن أصالته والحيلولة دون فناء شخصيته وإعادة اكتشافه، ودفعه إلى ابداع دون فقدان هويته الخاصة به، تظهر جمال وثقافة وقيم الشخصية العراقية بقدر من الحرية، مما ميز أعماله بإيصال رسالته حسياً وبصرياً وبألوان تضج بالحياة والحرية نرى الرسوخ في تكوين العمل والتكامل بين ترديدات الايقاع للأشكال من ناحية، واختلاف الحركة من ناحية اخرى، و تنوعت خطوطه، و اتسم اسلوبه بقدرة رائعة على التصوير والتعبير عن النور والظل والاهتمام بالمنظور اللوني والخطي من خلال معمار تاريخي استوحاه الفنان من تراثه الفني للإيحاء بالبعد الثالث.

   لقد وهب الفنان القدرة على ملاحظة الطبيعة وتأملها استطاع أن يستلهم عناصر تكويناته، في خطاب  مفتوح ومباشر و برموز معبرة عن روح الطبيعة العراقية، فهو لا يرى الأشياء بعينه بل يراها بأفكاره، فقد كان ميالاً للتعبير عنها بعيني مؤمن تقي، وهذا التعبير أنتج لوحات ذات قوة تعبيرية و روحية هائلة، ويبدو أن تنوع العراق بيئاته الجليلة الصافية الملهمة وفرت له موضوعات غنية للرسم  وبمتعة بصرية عالية،علاقته بلوحاته تقوم على المحبة والمتعة فاسعد لحظاته هي وقت الرسم فعبرها يقدم رؤيته وإحساسه عنده قانون ومبدأ في الفن، نجده دائما ما يردد مقولته : ( لا صوت يعلو فوق صوت الفن )

    لقد كانت اجواءه البغدادية المحرك والمثير الأول لخياله، تلك المتمثلة في الحارة بيوتها المتراصة والمتجاورة حاضرة بهذا الحس الأرابيسكي حيث البساطة والجمال والأصالة بلمسات متجانسة ومتداخلة ومتقاطعة تحدث جواً درامياً ليخلق منها إحساساً بتسلل الضوء مما يدعو المتلقي إلى البحث المستمر والتأمل في مساحة اللوحة، اضف إلى ذلك حضارة الرافدين المليئة بالرموز بالتمائم السومريّة  والتماثيل البابليّة، وأشكال الحيوانات الاسطورية ومنها الخيل الذي يرمز لأصالة العراق وعراقته، وقد شكل الإنسان وخاصة المرأة وبشكل دائم الهاجس التعبيري الذي يبرزه في أعماله، حيث احتلت المرأة حيزاً كبيراً في إبداعه ومصدراً لتصوراته، وأفكاره، وإلهامه، وبما يتفق مع عاداته، والذي مثّل دور البطولة والبُعد الجمالي الرئيسي في أغلب أعماله، عن طريق صيغ وعلاقات لونية فهو يحاول من خلال وسيلته التعبيرية الغوص في أعماق هذا الإنسان للاقتناص تعبير أو حالة معينة، فالمرأة المصورة لا تُدهشنا فقط  بجمالها، لأنه ليس جمالاً صارخاً، وإنما هي ملامح عراقية هادئة مميزة بلباسها التقليدي العراقي الجميل مكوناً بذلك لغة ً بصرية خاصةً به.

أثبت الفنان احمد الزعيم انه فنان جاد يسعى الى إبرازه للقيم الجمالية فى تراثه الجميل من خلال فنه، وقد نجح إلى حد ما هذا الفنان فى اختزال هذا القدر من التاريخ والحضارة ضمن مساحات صغيرة، أراد الفنان احمد الزعيم ان ينتج اشياء تعجز عن انتاجها الكاميرا فى زمن تطور التكنولوجيا فهو لا يعكس الشيء المرئي، إنما يجعله مرئياً، عمل رائع ويحسب للفنان فلا يقوى على صنعه إلا روح فنان عاشق و محب للفن ولتاريخ والحضارة.

 

مقالات ذات علاقة

كنتُ مٌعلماً..!!

نامت تلك النجوم

نورالدين بن بلقاسم ناجي (تونس)

عناوين أخرى لرواية “شيء من عالم مختلف” للكاتبة وفاء عمران محامدة

المشرف العام

اترك تعليق